أوباما وتقدير الموقف السعودي ـ الفرنسي في سورية

عامر نعيم الياس

أعلن الرئيس الأميركي في السابع من آب الماضي عن «ضربات محدودة» على مواقع تنظيم «داعش» بهدف حماية الخبراء الأميركيين والطائفة الأيزيدية من خطر «الإبادة». شهر بعد هذا الإعلان، خرج الرئيس الأميركي في ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول ليعلن عن انخراط بلاده في صراع طويل الأمد هدفه «الطَموح» «تدمير داعش»، متحاشياً إرسال قوات برّية إلى المنطقة. حاول أوباما قدر الإمكان رسم خطّ يفصله عن سلفه جورج دبليو بوش وحربه الشهيرة على الإرهاب. فالرئيس الأميركي مؤمن بنجاح الاستراتيجية المتّبعة في اليمن والصومال، ويريد سحب هذا النجاح على حربه ضدّ «القاعدة الجديدة». هي حرب على مراحل «هدفنا واضح، سنضعف تنظيم الدولة الإسلامية وندمّره في نهاية المطاف من خلال استراتيجية شاملة ومتواصلة لمكافحة الإرهاب». مؤكداً على «ملاحقة عناصر التنظيم أينما كانوا»، وذلك في إشارة واضحة إلى سورية التي شكّلت منذ بداية تبلور فكرة التحالف الدولي الإقليمي ضدّ «داعش»، محور عددٍ من التساؤلات، التي تكفل الإجابة عنها سبر مدى جديّة الإدارة الأميركية الحالية في حربها الجديدة على «داعش».

وفي ما يخصّ هذه النقطة، أعلن الرئيس الأميركي أنّ بلاده ستهاجم الإرهابيين أينما وجدوا. «لن نتردّد في التحرّك ضدّ الدولة الإسلامية في سورية كما في العراق». مشدّداً على عدم التعامل مع الدولة السورية، فالنظام السوري وفقاً لتوصيفه «لن يستعيد أبداً شرعيته المفقودة»، والاستعاضة عن ذلك بتدريب «المعارضة المعتدلة» في سورية وتسليحها لتكون الأداة لمحاربة الجيش السوري وتنظيم «الدولة الإسلامية»، «مع استمرار البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية».

في ضوء الاستراتيجية الأميركية للحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» في سورية تحديداً، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

ـ تبنّي الرئيس الأميركي باراك أوباما تقدير الموقف السعودي ـ الفرنسي حول سورية، سواء على مستوى التعامل مع الدولة السورية، أو على مستوى البديل القائم على إعادة إنتاج الحلّ القديم ـ الجديد المستمر منذ 43 شهراً، وهو دعم ما يسمّى «المعارضة المسلّحة المعتدلة» في سورية. لكن هذه المرّة في سياق أكثر شرعية على المستويين الدولي والإقليمي. ولعلّ في التسريبات التي تحدّثت عن موافقة مملكة آل سعود على فتح معسكرات لتدريب المجموعات المسلّحة في سورية، ما يشير إلى إعادة إنتاج الرهان على الميليشيات العميلة للغرب في سورية في إطار الحرب الجديدة لأوباما على «داعش».

ـ على مستوى التكتيك داخل سورية في المرحلة الأولى من الحرب على «داعش»، تبنّى الرئيس الأميركي الخيارات السعودية ـ الفرنسية مع مراعاة الجانب التركي وخياراته أيضاً. فالهدف المشترك لأدوات واشنطن في المنطقة سواء كانوا عن يمينها أو عن يسارها، تدمير سورية، واستمرار الصراع داخلها بما يضمن بقاء الفوضى في البلاد. هنا، لم يذكر الرئيس الأميركي في استراتيجيته الخطوات الواجب اتّباعها لمنع تدفّق الإرهابيين الأجانب للقتال في «الحرب المقدّسة» في سورية والعراق والتي تحوّلت اليوم بقرار أميركي إلى «حرب على الإرهاب»، بل أيضاً ترك هذا الملف لإدارة صراع الحلفاء بوساطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع جدّة الذي يضمّ وزراء خارجية عدد من الدول العربية منها لبنان والأردن ومصر، ودول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب تركيا.

ـ مراعاة خطّ أوباما الأحمر القائم على عدم التورط البرّي، استعيض عنه بدعم الخيارات الأميركية البديلة في المنطقة، سواء البشمركة الكردية، أو المجموعات المسلّحة العميلة للغرب في سورية، وذلك في مؤشر على أمرين: الأول، محاولة أوباما الحفاظ على مسافة مع حرب سلفه بوش الابن على الإرهاب. والثاني، ضمان عدم استنزاف القدرات البشرية الأميركية بما يضمن سدّ ثغرة ضغط الرأي العام الأميركي في ملفّ حرب جديدة على الإرهاب سِمتها الأساسية التنفيذ على مراحل، والرهان على إدارة حرب استنزاف طويلة الأمد مع المحور المعادي لواشنطن في المنطقة.

ـ حديث الرئيس أوباما عن ضرورة البحث عن حلّ سياسيّ للأزمة السورية يعكس أحد أهداف الرهان على حرب الاستنزاف الجديدة تحت ستارة محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، وهي محاولة دفع الدولة السورية إلى القبول بحلّ سياسيّ يراعي المصالح الأميركية عبر محاولة تغيير موازين القوى على الأرض مرّة أخرى.

ـ الدور السعودي محوري في سياسات الإدارة الأميركية في ما يخصّ الملف السوري. ولعلّ في الإعلان عن فتح معسكرات لتدريب «المعتدلين» السوريين في السعودية، واجتماع وزراء خارجية دول المنطقة برئاسة كيري في جدّة، فضلاً عن العملية التي أودت بحياة القائد العام لما يسمى «حركة أحرار الشام» السلفية الإرهابية مع كامل «قيادات» الحركة، ما يعكس وجود غطاء أميركي للخيار السعودي في سورية ولبنان واليمن.

إذاً، أعلن الرئيس باراك أوباما عن استراتيجيته بغطاء غير مباشر من الكونغرس الأميركي، وبغطاء مباشر من الأمم المتحدة التي أعلن أمينها العام أنّ الحرب على «داعش» ليست بحاجة إلى موافقة مجلس الأمن، وذلك في خطوة تستهدف عزل روسيا والصين عن قرار بهذه الأهمية، بما يشير إلى طبيعة هذه الحرب الجديدة الموجّهة ضمن استراتيجيّة أميركية أوسع لإدارة الصراع مع موسكو دولياً، ومع طهران إقليمياً على أرض سورية والعراق. لكن ردود الفعل الروسية والإيرانية مرفقةً بالتهديد الذي أطلقه الشهر الماضي وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، تعكس هي الأخرى مدى تعقيد خيارات الرئيس الأميركي على الأرض السوريّة. فالإعلان الاستعراضي لاستراتيجية كونية لا يكفي إذا كان المحور المضادّ يملك أدوات فعل على الأرض تتجاوز القول إلى الفعل.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى