فوز ترامب… بين الابتهاج «الإسرائيلي» والترقب الفلسطيني

رامز مصطفى

من المؤكد أنّ الانتخابات الأميركية بنتائجها التي أوصلت المرشح دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية والبيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة، لن تنتهي فصولاً، فعليها سيترتب الكثير في العالم، الذي تتربع أميركا على عرشه من دون منازع أقله حتى وقت منظور. وردود الأفعال التي تردّدت صداها في كلّ أنحاء دول العالم، والتي تراوحت بين من أبدت ترحيبها والمتردّدة والمتفاجئة والمصدومة، وقفت دولة الكيان «الإسرائيلي» وحدها بين كلّ هذه الجموع مبدية عدم اكتراثها بما انتهت إليه تلك النتائج التي جاءت بترامب رئيساً لأميركا. والسبب أنّ أياً من الفائزين في الانتخابات الأميركية، سواء من حزب الفيل أو حزب الحمار، لا يمكنه تخطي المصالح «الإسرائيلية» ربطاً بالمصالح العليا للولايات المتحدة وما تسمّيه تمسكاً بـ»منظومة المبادئ الأساسية» التي تلتزمها حيال «إسرائيل» ودعمها وتبنّيها ومدّها بكلّ أسباب القوة والمنعة والحماية من المساءلة.

فالحزبان الكبيران الوحيدان ولا ثالث لهما، والمتنافسان تحت سقف ديمقراطية مضبوطة الإيقاع على الساعة الأميركية لا غيرها، يحرصان في كلّ جولاتهم الانتخابية ومناظرات مرشحيهما التلفزيونية أن يعطيا مساحة واسعة للتعبير فيها عن إعجابهما بـ»إسرائيل»، مؤيدين مواقفها، ومظهران كذباً وزوراً «مظلوميتها وأحقيتها في العيش بأمان وسلام وسط غابة من الذئاب والجهلة والغوغائيين، عرباً كانوا أم فلسطينيين». متناسين كلّ سياساتها الإجرامية المنافية لأبسط حقوق الإنسان.

من يتابع ردود الأفعال في الكيان «الإسرائيلي» على فوز صاحب الخطاب الشعبوي دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض، يقول «نعم من حق إسرائيل بغلاة قادتها ونخبها ومجرميها أن تطرب وتفرح لوصوله». وهذا ما عبّر عنه نتنياهو في تهنئته لدونالد ترامب، مشدّداً في رسالته على «مواصلة تعزيز الحلف المميّز بين الجانبين»، ومتمنياً «أن تصل العلاقات إلى مستويات أعلى جديدة، ولا يوجد للولايات المتحدة حليف أفضل من إسرائيل».

رئيس «حزب البيت اليهودي» نفتالي بينيت وهو وزير التعليم في الكيان، كان قد صرّح فور فوز ترامب بالقول: «إنّ فكرة الدولة الفلسطينية انتهت بعد انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ويشكل فرصة للتخلي فوراً عن فكرة إقامة دولة فلسطينية.. انتهى عهد الدولة الفلسطينية»، وأضاف نفتالي «أنّ هذه فرصة هائلة لإسرائيل كي تعلن فوراً تراجعها عن فكرة إنشاء فلسطين في قلب البلاد، الأمر الذي يشكّل ضربة مباشرة لأمننا ولعدالة طريقنا. هذه هي نظرة الرئيس المنتخب كما تظهر في برنامجه، وبالتأكيد هي ما ينبغي أن تغدو طريقنا. ببساطة ووضوح وحدة، انتهى عهد الدولة الفلسطينية».

النائب المتطرف بتلئيل سموطريتش قال في رسالة دعوة وجهها لترامب: «انتهى اليوم عهد الدولتين. انتصار الحزب الجمهوري الذي أزال عشية الانتخابات من برنامجه حلّ الدولتين يسمح أيضاً لإسرائيل أن تلقي إلى مزبلة التاريخ هذه الفكرة الخطيرة. اليوم انتهى عهد تجميد الاستيطان الطويل الذي فرضه أوباما على إسرائيل».

إيليت شاكد وزيرة العدل في حكومة نتنياهو، دعت ترامب إلى الوفاء بوعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

زعيم ما تسمّى بالمعارضة «الإسرائيلية» يتسحاق هرتسوغ رحّب بفوز ترامب مخاطباً إياه «أنا على ثقة بأنّ التحالف الأمني والاقتصادي بيننا سيتعزّز في ظلّ رئاستك».

الوزير السابق جدعون ساعر رأى أنّ فوز ترامب يشكل «فرصة كبرى لإسرائيل كي تبني بشكل واسع في القدس وكي تضمن مستقبلها، وأيضاً خلافاً للماضي هناك فرصة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس».

وهكذا فعلت الصحف العبرية. نعم من حقهم أن يظهروا سرورهم بمجيء ترامب رئيساً لأميركا، كيف لا، وهو الذي لم ينفك عن إعلان تأييده ودعمه لـ»إسرائيل» وقطعه الوعود لها، بأنّه سيعترف بالقدس عاصمة لدولة الكيان «الإسرائيلي»، بعد أن ينقل سفارة بلاده إليها. ولعلّ المقابلة التي انفردت بها صحيفة «إسرائيل اليوم» مع المنتخب ترامب، تعكس المواقف التقليدية للولايات المتحدة الملتزمة «إسرائيل» وأمنها ووجودها وحضورها وقوتها. وهي رسالة أراد منها ترامب أن يُطمئن «الإسرائيليين» في قوله لهم: «أنا أحب وأحترم إسرائيل ومواطنيها. وإسرائيل والولايات المتحدة تتقاسمان الكثير جداً من القيم المشتركة، مثل حرية التعبير، حرية العبادة والأهمية المنسوبة لخلق الفرص لمصلحة كلّ المواطنين لتجسيد أحلامهم. وأنا أنتظر تعزيز العلاقة غير القابلة للقطع بين أمتينا الكبيرتين. أنا أعرف جيداً أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والمدافع الوحيد عن حقوق الإنسان، وأنها تخدم كشعاع نور من الأمل الكثير من الناس، وأنا أؤمن أنّ إدارتي يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في مساعدة الطرفين على تحقيق سلام عادل ودائم، ينبغي أن يتحقق عبر مفاوضات بين الطرفين نفسيهما وأن لا تفرض عليهما من جانب الآخرين، فإسرائيل والشعب اليهودي يستحقان ذلك». وكلام ترامب الذي جاء في مقابلة صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، تعبير عن علاقته باليهودية وهو الذي سمح لابنته إيفانكا أن تتزوج من اليهودي غارد كوشنر، لتعتنق اليهودية بعد ذلك.

وما يزيد من جرعة السعادة التي تغمر قادة الكيان «الإسرائيلي» وصول عدد من المقرّبين والداعمين للكيان على حساب الفلسطينيين، لتبوؤ مناصب هامة وحساسة ومؤثرة، من أمثال نيوت غينغريتش لمنصب وزير الخارجية، وهو الذي قال: «لا وجود للشعب الفلسطيني». وكذلك جون بولتون وهو المرشح أيضاً لترؤس الخارجية الأميركية، والذي عارض الاتفاق النووي مع إيران وأيّد هجوماً عسكرياً ضدّها. ورودي جولياني والمرشح إما لقيادة البنتاغون أو وزيراً للدفاع، وهو يقف في مقدمة أصدقاء «إسرائيل»، التي يُبدي ساستها من اليمين المتطرف اهتماماً في مسألتين حيويتين هما أولاً الاتفاق النووي مع إيران، حيث يأملون من ترامب التراجع عنه. وثانياً، التزام ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لدولة الكيان، وتأييده لاستمرار الاستيطان في الضفة، على اعتبار أنها جزء من دولة كيانهم الغاصب. والنقطة الثانية هي التي دفعت عميرة هاس المتخصصة بالشأن الفلسطيني في صحيفة «هآرتس» العبرية، وفي معرض تعليقها على فوز دونالد ترامب، إلى طرح جملة من التساؤلات المتعلقة بالموضوع الفلسطيني: «هل أصبح الفلسطينيون أيتاماً؟ وهل سيقرّر ترامب والكونغرس تقليص المساعدات للسلطة أو وقفها؟ هل سيتعاطى ترامب، في ظلّ جهله مع القيادة الفلسطينية كمنظمة إرهابية معادية؟ أم أنّ هناك من سيقول له إنّ السلطة الفلسطينية تعمل في صالح إسرائيل وفي صالح سياسة حزبه». وأكملت تساؤلاتها بالقول: «كيف أنّ عدم الوضوح في سياسة ترامب الخارجية سيؤثر على الدبلوماسية الفلسطينية، وعلى العلاقة داخل فتح؟ وهل يمكن توقع تغيير ما طالما أنّ عباس يقف على رأس الهرم؟» وختمت عميرة هاس تساؤلاتها بالقول: «انتصار ترامب، لا سيما على المدى القريب والمتوسط، يفسّر على أنه تشجيع لسياسة إسرائيل في المناطق. فهو يزيد الشعور باليُتم الفلسطيني، لكن ليس بصورة دراماتيكية. إنه لن يغيّر ولن يوقف الاتجاهين المتعاكسين اللذين يميّزان سلوك المجتمع الفلسطيني اليوم».

وإلى حين اتضاح المزيد من حقيقة المواقف التي طرحها ترامب خلال حملته الانتخابية، بعد أن أصبح رئيساً للولايات المتحدة، يبقى السؤال ما ستبقى القيادة الفلسطينية، وتحديداً السلطة الفلسطينية في حالة ترقب؟ إزاء السياسات التي ستنتهجها الإدارة الأميركية في ظلّ رئاسة دونالد ترامب، خصوصاً إذا ما تبيّن أن لا تغيير في مواقف سيد البيت الأبيض الجديد التي أطقلها خلال حملاته الانتخابية، وأغلب اليقين أن مواقفه لا تغيير فيها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى