الحضور الحقيقي للأمة السورية

حسين ريدان ــ ملبورن

لا خفاء أبداً أن الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي شيد أعمدته ورفع بنيانه أنطون سعاده، هو القائد الأعلى إدراكاً ومعارفا وترقياً ومراحل، والناموس الوجداني التوحيدي الحي لرفعة أبناء الأمة أحراراً أباةً أعزاء، إلى جليل مقام الأمة السورية التي ما ارتضت أبداً حياتها في قبور الهوان، مهما رمت بها بعض الأقلام المأجورة، سواء أكانت داخلية أو خارجية إلى تشويه صورتها، فأسرفت وعلى مدى أحقاب تاريخية وبروح عدائية بغيضة إلى قلب الحقائق بغية عاجل الاكتساب والقبول لدى أسيادها الأسافل والأراذل الهائمين جوراً وظلماً وبطشاً ودون أدنى عدل أو اعتساف، ومهما بلغ منسوب التكاليف من دم وخراب ودمار، طالما أن المراد واحد، قطع أوردة الحياة من أمة الحياة، سورية الطبيعية، لا سيما أن تاريخها العظيم ومن بابه إلى محرابه، وبما يكتنز في خزائنه من وقائع فخيمة وأحداث جسيمة، بمقادير ناطقة حقاً وخيراً وجمالاً، هو خير مصداق على حقيقة ووجود الأمة السورية، بهلالها الخصيب وجوداً وحياةً وامتزاجاً وتفاعلاً بين حضارات وشعوب وأقوام تاريخية جبلتها الحياة ودمجتها، فامتزجت سلالةً ودماً، واشتركت حراكاً فيما بينها، وعملت خلال عقود وأجيال وأدهار لتكون نفسيةً سوريةً خاصةً منبثقةً من روح هذه الأمة العظيمة، البديعة التكوين ذات الأصول والجذور المشتركة من كنعانية وكلدانية وآشورية وما شاكل، فغدا وجود الأمة، واقعاً ومعرفةً، العامل الرئيس والكلمة الفصل في شتى المسائل الإنشائية والقضايا الاجتماعية المنبثقة جمعاء من القضية العامة للأمة كنقطة انطلاق لا مفرّ منها لأي عمل قومي يراد به خيراً وفلاحاً، لأمة حية خالدة ظافرة.

من هنا، وفي نظرة استقرائية تاريخية عاجلة، نسلّط فيها منارات الوعي على واقع وتاريخ الأمة السورية قبل تأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي وبعده، يلاحظ النابه اللبيب قيمة التأسيس وجدواه الفاعلة، التي سنورد نزراً يسيراً منها وباقتضاب، ومثالاً لا حصراً.

أولاً: إن الأمة السورية قبل تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، كانت في حالة العدم، حالة اللاحياة، حالة التواكل والتراجع وانعدام الثقة واللاإيمان بنفسها، حالة التراخي والتشظي والتبعثر، حالة الانشطار المجتمعي والتهالك الطائفي والتذابح المذهبي والتفكك العرقي والتقاتل العشائري، والضياع السيادي القومي، والغياب التام للهوية السورية، وتغليب لغة المصالح الفئوية الدنيئة على حساب المبادئ العامة، لتصبح الـ «أنا» مكان الـ «نحن»، وتمسي الآلام والأسقام ضيفاً ثقيلاً في كل ساح من ساحات الأمة، وهلمّ جراً إلى آخر مشهد من مسلسل التحارق الدموي والتآمر الدولي منذ القدم وحتى اليوم على أمتنا السورية التي قدّت من صخورها الصلبة إنساننا الأول وزفّت إلى العالم أجمع خير حضارة يحتذى بها.

ثانياً: لم يتولد بتاتاً من رحم الأمة السورية قبل تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، أية نهضة بالمعنى الحقيقي للكلمة تحاكي نسيجها الاجتماعي وتخرجه من سفولية العهد الانحطاطي والعصور البائدة الى إنسان – المجتمع الجديد، بوعي قومي صافٍ يعمل على إحياء نفسيتها ورفع مستوى حياتها وإعلاء شأنها وتأمين وسائل تقدمها.

هذا الواقع المرفوض للأمة السورية كان مادة الانطلاق لأنطون سعاده الى المرتجى المحمود الذي يرنو اليه بأمته وبشعبه، فبدأ جلجلة الألف ميل بحزب عقائدي صراعي تعبيري، حاملاً هموم الأمة، عاملاً لها بالنهضة السورية القومية الاجتماعية المحيية التي تكفلت وحدها لا سواها بتوحيد اتجاه الأمة واقعاً وقيماً ومثلاً ومناقباً وتاريخاً ووجوداً وحدوداً جلية المعالم واضحة الحضور، وانكبّت بوجدان وإيمان قوميين نحو «بناء النفوس المؤهلة في العقيدة والنظام» سعاده، المحاضرات العشر ، طريقاً لإحقاق حق الأمة في الحياة والوجود والارتقاء، وإخراجها من الحياة وحالة الحياة الدنيا التي هي فيها الى حياة وحالة حياة أفضل وأعز وأرقى وأبهى.

هكذا اذاً، تمكن «رجل المستحيل» أنطون سعاده وبفكره الثاقب حياكة ثوب الأمة السورية بإبرة الإصرار والعزم والإقدام، بحزب الأمة العقائدي الصراعي الذي أطلقه، ليعيد للأمة السورية هيبتها وحضورها وشخصيتها وفاعليتها وحيويتها لـ «تعود الى القوة والنمو واستعادة ما خسرته من بيئتها الطبيعية» سعاده، المحاضرات العشر .

هكذا اذاً، وبعد التأسيس تبدّل المشهد كلياً، بفعل وفضل العقيدة السورية القومية الاجتماعية التي أرست قواعد النهوض القومي للأمة، وجعلتنا نعي «من نحن» أبناء سورية، وإلامَ ننتمي، وما يخصنا وما يخصّ سوانا، ماهية القضايا السورية الواجب تنكّبها والتي يجب إقصاؤها. عقيدة كفيلة إن فعلت بتغيير مجرى تاريخ هذه الأمة، وتوحيدنا بها في باقة اجتماعية حقة، نقصي من خلالها جلى العقائد المهترئة وجميع العصبيات المتنافرة القاتلة والعلاقات السلبية الفاترة والحزبيات الدينية الحارقة ونئد الأحقاد والضغائن وكل ما يفرق بيننا كأبناء وطن سوري واحد موحد ذات سيادة واستقلال قوميين صحيحين نابعين من مبدأ الوحدة الاجتماعية، تاركين للعصبية القومية بقدّها وقديدها وعظيم تأثيرها، أن تسير بنا وبسورية الأبية الى قمم المجد والفلاح والوئام والالتئام والسؤدد، عوضاً عن هذه المحارق التي تحاول اقتلاع جذورنا واجتثاث تاريخنا وتدمير حضارتنا، وشطب سوريانا كلياً عن خارطة الحضور القومي الوجودي، عبثاً.

في الذكرى الـ 84 لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، يكفي أبناء الأمة السورية عزاً وفخراً وشموخاً، أن التأسيس أضاء لهم الطريق، وبعث فيهم الهدى، وأنتج منهم وفيهم رجالاً نسوراً زوابع شوامخ، يستعذبون الموت من أجل الحياة، بمداد الشهادة ومضاء العزيمة وهيبة الوقار القومي، يمضون قدماً، قوافل شهداء يعيدون للأمة السورية وديعتها، لتحي سيدة حرة مستقلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى