القومية الاجتماعية: منصة السيادة السورية

داليدا المولى

كسر فعل تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي السياق الزمني لحركة الأمة، وأحدث تغييراً في مجرى تطورها، وأعاد ديناميكيتها التاريخية إلى محورها الطبيعي. فشكل ذلك، الفعل الفكري السيادي الأول منذ ما يقارب الألفي عام كما وضع أسس نشوء المدرسة الاجتماعية السورية الأولى في تاريخ سورية الحديث.

وإن كانت القومية الاجتماعية تصلح، من حيث المبدأ، للتطبيق في مجتمعات عدة، فهي مدرسة فكرية سورية مستقلة، هدفت الى تأسيس نمط آخر من التفكير بعيداً عن اليمين واليسار وعن المدارس الغربية الاجتماعية وعن منظري الأمة العربية ما أنتج تطوراً مجدداً في حياة الامة السورية له من تاريخها إرث عظيم ويحمل لحاضرها مفاهيم نهضوية قيمية تعبّر عن النفسية السورية التي وثق سعاده بسموّها وباختزانها مفاهيم الحق والخير والجمال، لبناء مستقبل أفضل قائم على مصالح الأمة وليس على مصالح الأقطاب القوية المتصارعة على حكم أمم العالم. وفي سياق التأكيد على النهج السيادي بعيداً عن التأثر بالخارج وتحذيره من القضاء على خصائص الأمة بوجه الإسقاطات الفكرية ويمكن في هذا المجال أن يكون استشرف «العولمة» يورد سعاده في بيانه الذي وجهه في الأول من أيار 1949 الى المنتجين غلالاً وصناعة وفكراً «تتشابه الإقطاعية الشيوعية السياسية الأنترنسيونية والاستعمارية الرأسمالية الاقتصادية الأنترنسيونية في الأهداف والنتائج: الإثنتان ترميان الى الاحتفاظ بتفوقهما وسيطرتهما الأنترنسيونيتين تجاه الأمم الأقل عدداً وقوة وموارد. والإثنتان تقتطعان أو تستعمران الأمم التي ليس لها من القوة ما يمكنها من حفظ استقلالها في شؤونها وأهدافها. الإقطاعية الشيوعية تنادي بالأنترنسيونية وتهديم القومية والوطنية والاستعمارية الرأسمالية تنادي أيضاً بالأنترنسيونية والسلام العالمي الدائم والدولة العالمية، وهدف الإثنتين السيطرة المطلقة النهائية على شؤون العالم ومنع الأمم المؤهلة للنهوض والارتقاء وبلوغ القوة الفاعلة من إدراك غايتها، ومنازعتها السيطرة على موارد تلك الأمم وعلى موارد العالم الأولية» أنطون سعاده، الآثار الكاملة، 16، نداء أول أيار، 1949 .

لم ينشأ إذاً، الحزب السوري القومي الاجتماعي ليكون حركة دفاعية، أو حزباً كلاسيكياً يفتش عن منتدَب او محتل أو طوائف لينضوي بها، إنه نقطة الفصل بين ليل أمة ونورها، وهو بوابتها إلى إثبات مكانتها الحقة في الزمن ونبوغ أبنائها على مر التاريخ.

فعل التأسيس، الحدث الاستثنائي، ليس ترفاً اجتماعيّاً أراده المؤسس، أنطون سعاده، هو حركة يقين ووضوح وإرساء، لا يقبل الشك، للهوية السورية بالبرهان لا بالتآويل. ويؤكد سعاده في هذا الصدد «إن وعينا لقوميتنا ونفسيتنا الأصلية وتولد نظرتنا الى الحياة والكون والفن وحصول مثلنا العليا السامية الجميلة هي خير ضامن لقيم الحق والخير والجمال المطلقة والمقيّدة والمجردة والمصاحبة» أنطون سعاده شرح في العقيدة، آذار 1958 الرسالة الخامسة . وهنا فإن سعاده أراد من المبادئ تأسيس حركة حقوقية لتحقيق مصالح سورية أمام تصارع الأمم والحفاظ على هذه الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعليه فلا يمكن فصل القومية الاجتماعية التي قال بها سعاده وعمل لها عن الحزب المشروع الذي حمله الغاية الأساس وجعل مبادئه خدمة لحياة الشعب ونهوضه وتقدمه.

ولتأسيس الحزب بعدان مهمان في مفهوم السيادة: الأول يعالج اللحظة الزمنية والعوامل التي أدت إلى قرار أنطون سعاده بتأسيس الحزب السوري الاجتماعي ليكون الاطار التنظيمي الجامع لجهود المنتمين للقومية الاجتماعية وليستطيع الفرد أن يتحمّل مسؤولياته تجاه أمته بصب جهد كل المتعاقدين في إطار الخطة المعاكسة التي عليها أن تخرج المجتمع السوري من البلبلة والتضارب الى اليقين والوضوح وتحقق غاية الحزب التي جعلها سعاده لأهميتها المادة الأولى من الدستور، وهي «بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية».

أما البعد الثاني فهو المستقبلي والرؤيوي في استشراف سعاده لمستقبل الأمة السورية وإدراكه أهمية وجود جسم حركي يحمل الفكر القومي الاجتماعي السيادي يمكّنه من محاكاة المجتمع والتأثير فيه، ويؤكد راهنيته عبر الزمن لتحقيق الغاية. وحرص سعاده على تأكيد سيادة الامة في المبادئ الأساسية لا سيما المبدأ الثاني الذي أكد فيه على أن «القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى».

لا يمكن قراءة سعاده من دون التنبه إلى الأسس التي حاول إرساءها في المجتمع، وجعل حياته وقفاً عليها، ومن دون التمعن في أهمية التفاعل الموحد الجامع الذي راهن عليه بين كافة متحدات المجتمع السوري أي المتحد الأتم وجعل من الحزب السوري القومي الاجتماعي المثال الأهم على إمكانية وقابلية هذا الانصهار الاجتماعي والجغرافي. ولا فصل في الرؤية عند سعاده بين كامل الوطن. ولعلها النقطة المحورية في أهمية سعاده، فهو سعى إلى إلغاء كافة الفوارق عبر المبادئ القومية الاجتماعية التي تكفل القضاء على النهج الاحتلالي والانتدابي وما عانت منه الأمة السورية من انقسامات، معتبراً أنه التطور الطبيعي للأمة التي اعتبرها سعاده «واقعاً اجتماعياً بحتاً» نشوء الأمم الآثار الكاملة ص. 135 .

من هنا يمكن استخلاص أن لحدث التأسيس دلالاته فهو:

لا ينفصل عن الفكر أي المنهج القومي الاجتماعي.

الحدث النوعي في تاريخ سورية وهو بوضع مشروع استقلالي واضح.

الخطة الواقعية للنهوض بالمجتمع السوري وبناء الدولة القومية الاجتماعية بالردّ على الإشكاليات الموجودة في المجتمع السوري.

يراعي من حيث حركته ونظمه القانونية التطور الطبيعي ويكفل مجاراة القومية الاجتماعية للمجتمع انطلاقاً من المبادئ الأساسية.

ويتضح هنا لما يبرز في اللحظات الحرجة حين تقف الأمة على مفترق طرق دائما الحزب السوري القومي الاجتماعي كخيار وحيد لخروج سورية من أزماتها.

إن الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي في الأمة حالياً يحكم علينا إما التقدم او الأفول، ما يستدعي عدم النظر الى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي من باب اللحظة الراهنة لما يعصف في داخله وحوله، إنما من باب الفكر التنويري الذي يحمله وهو المعبّر الوحيد عن هذا الفكر في البعد التغييري. فهو منصة الانطلاق نحو إعادة الاعتبار للأمة واستعادة سيادتها كما السبيل الى تقييم وتطوير الآليات الدستورية والنظامية في الحكم بناء على العدالة الاجتماعية والبناء الاقتصادي السياسي المتين وكيفية معالجة ما لدينا من غشكاليات وسبل مواجهتها داخلياً أو استراتيجياً إن كان الإرهاب أم العدو اليهودي.

وكيل عميد شؤون عبر الحدود

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى