القدس… الأقصى… الاستهداف المستمر؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
رغم كلّ الإحباطات والخيبات المقدسية من السلطة والعرب والمسلمين سنبقى ندقّ جدران الخزان كمقدسيين وكجماهير فلسطينية. فالقدس تذبح من الوريد إلى الوريد، وحرب التطهير العرقي والعقوبات الجماعية تتصاعد بحق أهلها، بل هي في تسارع وتكثيف غير مسبوقين، حيث لم يعُد تجري فقط إحاطتها بالمستوطنات وجدران الفصل العنصري، بل يتمّ إلغاء طابعها القومي والعربي وطمس معالمها الحضارية والتاريخية والتراثية والأثرية، من خلال ربطها بالمستوطنات المحيطة بالقدس ومستوطنات الضفة الغربية عبر شبكات مواصلات عصرية، ومشاريع استيطانية ضخمة لتغيير مداخلها وربطها بالساحل الفلسطيني عبر أنفاق ومن خلال محطات القطار السريع، كما هي حال ما يُسمّى بمشروع «وجه القدس» الاقتصادي التهويدي، مدخلها الغربي، والقدس لا يستهدف إنسانها الفلسطيني فقط، بل يستهدف الحجر فيها، حيث شهدنا في الفترة الأخيرة مجازر بحق الحجر الفلسطيني، ليرتفع عدد ما تمّ هدمه من بيوت ومنشآت تجارية وغيرها من بداية هذا العام إلى ما يزيد عن 180 بيتاً وعقاراً ومنشأة، والحجج والذارئع هي «البناء غير المرخص»، ولعلّ من الهامّ جداً التطرق له هنا القول، بأنه عدا عن سياسات البلدية الاحتلالية وما يسمّى وزارة الداخلية الإسرائيلية بعدم منح المقدسيين رخص بناء وتعقيد الحصول عليها وتكاليفها الباهظة جداً، فإنّ هناك سياسة ممنهجة في هذا الاتجاه، تهدف لقلب موازين الواقع الديمغرافي في القدس لصالح المستوطنين، جرى التعبير عنها من خلال خطط للتخلص من «الكمّ» الزائد سكانياً من الفلسطينيين عبر الانفصال وإحكام الطوق على العديد من الأحياء والقرى الفلسطينية المقدسية، ذات الكثافة السكانية العالية، والتي تشكل مصدر إزعاج وقلق وعبء أمني على دولة الاحتلال، وعبر سياسة الهدم المستمرة، والتي عبّر عنها بشكل واضح نائب رئيس بلدية الاحتلال المتطرف مائير ترجمان عقب عملية الشهيد مصباح أبو صبيح حيث قال إن بلدية الاحتلال، كما هي دولة الاحتلال، «وجدت لتهدم منازل العرب المقدسيين وليس لبنائها»، وكذلك رئيس بلديته العنصري نير بركات والذي مارس البلطجة والزعرنة أكثر من مرة في شوارع القدس المحتلة بالسلاح، بعد العديد من العمليات التي نفّذت ضدّ جنود او مستوطنين في القدس، داعياً المستوطنين الى التسلّح، في تصريح واضح للمستوطنين بالقتل، وليخرج مؤخراً ويقول إنه إذا ما هدمت بؤرة عمونه الاستيطانية المُقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة، فيجب هدم البيوت الفلسطينية التي بُنيت بدون ترخيص في القدس 20000 بيت، أو التي أقيمت حسب زعمه على «أراض ملك ليهود»، وشرع بترجمة تهديداته بعمليات هدم جماعية تمّت في وادي الجوز والطور والعيسوية وبيت حنينا وجبل المكبّر وغيرها من القرى المقدسية.
وكما هي القدس مستهدفة، فالأقصى أكثر استهدافاً، حيث حكومة الاحتلال بعد قرار منظمة التربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» باعتبار الأقصى مكاناً مقدساً للمسلمين دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، واعتباره معلماً تاريخياً وتراثياً وأثرياً وحضارياً إسلامياً، دخلت في حالة من التخبّط والهستيريا، ولتصل حدّ قول رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو، بأنه سيشارك شخصياً في عمليات الحفر تحت الأقصى، لكي يثبت وجود رابط ما بين اليهودية والمسجد الأقصى «جبل الهيكل» من خلال «تنخيل» التراب المسروق من المصلى المرواني، وحالة الجنون والتخبّط تلك قادتهم الى استحضار رقعة جلدية مزوّرة مدفونة أو مخبّأة في صحراء النقب للادّعاء بأنه مكتوب عليها «يروشلايم»، وليثبت علماء الآثار اليهود بأنها مزوّرة. ومسلسل الاستهداف للأقصى لم يتوقف عند هذا الحدّ، حيث عمدت مجموعة «الشبيبة اليهودية» الى افتتاح مركز ترويحي خدماتي في البلدة القديمة شارع الواد – بالقرب من بؤرة استيطانية تابعة لجمعية «إلعاد» الاستيطانية، وعلى الطريق الذي يسلكه المصلّون المسلّمون من وإلى الأقصى، في عرقلة واضحة لمنعهم من الوصول للأقصى، وأعقب ذلك الإعلان عن مخطط لإقامة مجمع من الأبنية في ساحة البراق تحت الأرض وفوقها بطوابق عدة، خدمة لمشاريع تهويد الأقصى والفضاء المحيط به. وقد جرى قبل ذلك توسيع مبنى هناك سيستخدم كمحطة انتظار لمن يريدون الصعود الى «جبل الهيكل»، بحيث يجري سقفه بمظلات لحماية المنتظرين من حرّ الشمس وبرد المطر.
المستوى السياسي وبلدية القدس المحتلة صعّدا من استهدافهما للأقصى، حيث بدأ الحديث بشكل خطير عن نزع الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى، من خلال مؤتمر عقد في أروقة «الكنيست الإسرائيلي» يوم الإثنين 7/11/2016، دعا له عضو «الكنيست» عن الليكود المتطرف يهودا غليك ومجموعة جمعيات تلمودية وتوراتية «ائتلاف من أجل الهيكل» و»إرث الهيكل» تحت شعار «محبّي صهيون». حضره المئات منهم وزراء وأعضاء كنيست، حيث تركز النقاش على نزع الوصاية الأردنية، حسب «ستاتوس كفو» الواردة في اتفاقية «وادي عربة» بين إسرائيل والأردن عام 1993 باعتبار الأردن وصياً على الأقصى والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.
وأجمع المتحدثون في كلماتهم على أن لا أحد يستطيع منع اليهود من الصلاة والوصول الى أقدس مكان عندهم «جبل الهيكل» ويجب سنّ قوانين وإجراءات وآليات تمكنهم من الوصول والصلاة فيه.
لكي يثبت المستوى السياسي وبلديته بأنّ مدينة القدس، ليست فقط عاصمة لدولة الاحتلال، بل عاصمة لكلّ يهود العالم، وبأنّ ما يجب ان يسود فيها هو الفضاء والطابع اليهودي وليس العربي الإسلامي، تمّ استهداف رفع الأذان للصلاة في المساجد القريبة من البؤر الاستيطانية، تحت ذريعة «التعدّي على الحريات العامة»، في تحدّ فظ واستهداف لمشاعر المسلمين الدينية، حيث جرى منع إقامة الأذان عبر مكبرات الصوت في ثلاثة مساجد في أبو ديس، وبعد مصادقة اللجنة الوزارية للتشريعات على القرار في جلسة الكنيست يوم الأحد الفائت سيتوسع ليشمل بقية مساجد وجوامع القدس، والأقصى لن يكون بمنأى عن ذلك، والهدف ليس فقط المساجد والأقصى، حيث رأينا كيف أنّ بلدية الاحتلال عمّمت على تجار البلدة القديمة في القدس، قراراً بمنع بث الأذان والأناشيد والتراتيل الدينية من خلال الأجهزة الصوتية في محالهم.
الهدف هنا واضح سواء بالنسبة للقدس أو الأقصى تهويدا وسيطرة وتطهيراً عرقياً وترحيلاً قسرياً، ربما تصل الأمور ليس فقط لرفع الوصاية الأردنية أو التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، بل في ظلّ هوس اليمين الصهيوني المتطرف، فقد يصل الأمر حدّ هدم الأقصى وبناء ما يسمّى بـ «الهيكل المزعوم مكانه.
فهل هناك من صحوة فلسطينية وقومية وعربية وإسلامية، تنقذ القدس والأقصى، أم سنستمرّ في سماع «الجعجعات» وبيانات الإنشاء الخجولة من إدانات واستنكار، والاسطوانة المشروخة عن «قرارات تاريخية» وردود كلامية «مزلزلة مجلجلة»؟
Quds.45 gmail.com