«المردة» تسقط الفيتو «القواتي» وتثبّت مشاركتها بـ«الأشغال»

محمد حمية

منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وانطلاق مسار تشكيل الحكومة لم توفر «القوات اللبنانية» وسيلة لإقصاء الأحزاب المسيحية الأخرى، خصوماً كانوا أم حلفاء، عن التشكيلة الحكومية العتيدة بهدف احتكار التمثيل المسيحي مع التيار الوطني الحر. بالتأكيد لم يستهدف رئيس القوات سمير جعجع الرئيس نبيه بري بكلامه عن أنّ من لم ينتخب العماد عون يجب أن يبقى خارج الحكومة وفي صفوف المعارضة، بل كان يبغي قطع الطريق على مشاركة حزب الكتائب وتيار المردة للاستفراد بالحصص الوزارية وتقاسمها مع «التيار» وفق اتفاق بينهما قبل الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي ينفيه التيار البرتقالي.

لا شك في أنّ قائد ميليشيا «القوات» خلال الحرب الأهلية اللبنانية والذي لم يتذوّق طعم السلطة ومنافع الوزارات خلال الحكومتين المتعاقبتين، استطاع حجز مكانة سياسية له في العهد الجديد كشريكٍ أساسي وإظهار حزبه كإحدى القوى التي أوصلت عون الى بعبدا، كما نجح في استثمار تحالفه المستجدّ مع خصمه المسيحي اللدود طوال عقودٍ من الزمن في كسب مقاعد وزارية وازنة وخدمية تشكل نافذة لتحصين حضوره السياسي والشعبي وتثبيت «القوات» على أنها الحزب الأكثر قوة بعد التيار العوني في الشارع المسيحي.

وترى أوساط مراقبة أنه منذ إعلان «ورقة النوايا» بين «العونيين» و«القواتيين» وإعلان جعجع دعمه لترشيح الجنرال عون لرئاسة الجمهورية، تمكنت «القوات» من تحقيق المكاسب في الداخل رغم سقوط رهاناتها الخارجية وتراجع المحور الإقليمي الداعم لها في أكثر من جبهة في المنطقة، وتحقيق محور المقاومة انتصارات عدة لا سيما في سورية.

وإذ تذكّر المصادر بتاريخ علاقة «القوات» مع «إسرائيل»، وبأدبيات وخطابات المسؤولين فيها والتي شكلت دفاعاً عن التنظيمات الإرهابية التي ارتكبت المجازر بحق ضباط وعناصر الجيش اللبناني والمدنيين. وتسأل الأوساط: هل المطلوب أيضاً منح وزارة الدفاع للقوات كمكافأة لها على دفاعها عن الإرهاب؟ وتوضح أنه إذا كان التمثيل النيابي هو المعيار لتحديد الأحجام والأوزان في الحكومة فتيار المستقبل يجب أن ينال ضعفي ما تناله القوات نظراً لعدد النواب المسيحيين في كتلته النيابية الذي ييلغ 16 نائباً، أما إذا كانت الخيارات السياسية الكبرى هي القاعدة، فمن المنطقي أن تبقى القوات خارج الحكومة وتمثل المردة بحقيبة سيادية.

وفي الإطار نفسه، تجزم مصادر في تيار المردة لـ «البناء» أنّ مشاركة المردة في الحكومة الجديدة أمر مسلّم به، كما أنّ وجود حركة أمل وحزب الله بات أيضاً مرتبطاً بمشاركة المردة بحقيبة وازنة، وبحسب ما علمت «البناء» فإنّ «الوزير سليمان فرنجية اشترط لدخول الحكومة أن ينال تياره إحدى الوزارات الثلاث: الطاقة، الإتصالات، الأشغال العامة والنقل، إلا أنّ فيتوات عدة رفعت في وجهه من قبل ثنائي التيار الوطني الحر والقوات، ليطرح على فرنجية كبديل عن الوزارات الثلاث حقيبة الصحة فرفضها، لأنّ الهدف كان إحراجه لإخراجه، لكن بعد إصرار حزب الله والرئيس بري على إرضاء حليفهما الشمالي وبعد أخذ وردّ استقرّت الأمور على الأشغال العامة.

بالتالي أسقطت «المردة» الفيتو «القواتي» وثبتت مشاركتها كركن من أركان 8 آذار وفريق المقاومة، «رغم أنّ محاولات القوات لم تتوقف حتى الآن لإقصائنا»، وفق مصادر المردة التي رحبت بمشاركة «القوات» في الحكومة، كي لا تستمرّ «القوات» بلعب دور المظلوم لكسب تأييد الشارع بل مشاركتها تظهر حقيقة أدائها ومواقفها تجاه القضايا الوطنية. ولا ترى المصادر في «حجم المشاركة القواتية التي ستنالها في الحكومة أيّ خطر أو منافسة للمردة في مناطق ثقلها في الشمال»، موضحة أنّ حقيبتين خدماتيتين كالعدل والسياحة فضلاًً عن نائب رئيس مجلس الوزراء الذي لا يملك صلاحيات فعلية، لن تعطي القوات فائض القوة الذي تتوقعه، مؤكدة أنّ فريق المقاومة لن يوافق بأن تؤول وزارة الدفاع إليها بل ستكون في عهدة رئيس الجمهورية.

وتتفهّم المصادر ظروف حزب الله الذي قبل على مضض بمشاركة القوات المفرطة في الحكومة، لأنّ هدفه تسهيل الأمور لرئيس الجمهورية ونجاح العهد وتسيير شؤون المواطنين، مشدّدة على أنّ العلاقة بين الحريري وفرنجية جيدة والتواصل مستمرّ، وقطعا شوطاً هاماً في العلاقة التي بنيت على قناعة من الطرفين.

وعن العلاقة بين بنشعي وبعبدا، أوضحت المصادر أنّ «فرنجية قال إنه حتى لو لم يشارك في الحكومة فلن يقف سداً منيعاً أمام انطلاقة العهد، أما الإصرار على مشاركتنا فلم يأت من التيار الوطني الحر بل من حزب الله وأمل لمصلحة الوفاق الوطني».

وتؤكد المصادر وجود محاولات من قبل «التيار» منذ تكليف الحريري لإقصاء المردة عن الحكومة لتهميشها، الأمر الذي تنفيه مصادر قيادية عونية، وتؤكد لـ «البناء» أنّ «التيار لم يضع فيتو على مشاركة المردة لكن لم يدافع عن حصتها التي يجب أن تأخذها من حزب الله وأمل وليس من حصة التيار»، مشيرة الى أنّ اليد مفتوحة للجميع والرئيس عون لن يقفل الأبواب في وجه أحد.

وتشدّد مصادر المردة على أنه «إذا بادر رئيس الجمهورية لإصلاح العلاقة وغسل القلوب، فلا مانع من أن يزور فرنجية عون لشرح موقفه من كلّ الأمور ويفتح صفحة جديدة لمصلحة المسيحيين ولبنان، لكن الأمور تراوح مكانها ولا مبادرات تجاهنا والكرة في ملعب رئيس الجمهورية».

وعن خريطة التحالفات التي ستنسجها المردة في الإنتخابات النيابية المقبلة، أوضحت المصادر أنه من المبكر الحديث بهذا الأمر، الكثير من المعطيات تتغيّر حتى حزيران المقبل، وبالتالي كلّ الاحتمالات واردة، وطبيعة المعركة الانتخابية هي التي تحدّد، إذا كان الانقسام على مستوى الخيارات السياسية الوطنية والإقليمية بين 8 و14 آذار، فالتحالف بين المردة والتيار الوطني الحر وارد، أما إذا كانت الحسابات محلية فلنا تحالفاتنا الخاصة وكلّ فريق حينها يعمل وفق مصلحته السياسية والانتخابية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى