بعد ثمانية وعشرين عاماً… سقط إعلان الاستقلال وبقي الاحتلال
رامز مصطفى
قبل ثمانية وعشرين عاماً، وفي لحظة حماسة وفرح وإحساس عارم بشعورٍ من نشوة الانتصار، لم تكن فيها لحسابات العقل أية قيمة أو حضور، تلقى المشاركون في أعمال المجلس الوطني بدورته التاسعة عشرة في الجزائر من العام 1988، خطاب إعلان الاستقلال الذي ألقاه الراحل أبو عمار: «استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله، وانطلاقاً من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسّدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، ممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه. فإنّ المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف».
اليوم وبعد قرابة عقود ثلاثة، يحق لجموع الشعب الفلسطيني طرح ما هو مشروع على القيادة الفلسطينية التي أعلنت الاستقلال، هل تحقق الاستقلال؟ وإذا كان الجواب لا لم يتحقق، وهو كذلك، إذاً ما هي الضرورات الوطنية الموجبة والتي أملت على تلك القيادة إعلان الاستقلال؟ وقيادة المنظمة أو جزء منها تعلم في حينه علم اليقين أنّ هذا الإعلان لا يُغني ولا يسمن في تحقيق التطلعات الوطنية أو يحمي الحقوق التاريخية الثابتة والمشروعة، ولا يقدّم للقضية الفلسطينية أية قيمة مضافة في السياق النضال الكفاحي، وهذا ما أكده سياق «اتفاق أوسلو»، وما استتبعه من جلب للويلات على عناويننا الوطنية.
ولا أعتقد كسائر أبناء الشعب الفلسطيني أنّ إعلان الاستقلال قبل ثمانية وعشرين عاماً كان له ما يبرّره سوى ما تردّد على لسان بعض القيادات الفلسطينية آنذاك، عن أنّ الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة قد وضعت المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، بعد أن عجز الكيان الصهيوني وآلة قتله عن قمع الانتفاضة، وعلينا أن نتحضّر للمرحلة المقبلة واستحقاقاتها، وهذا ما أكد عليه الشهيد أبو اياد صلاح خلف في دفاعه عن الربط بين الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بمبادرة سياسية وبين الاعتراف بالقرارين 242 و 338، في قوله: «قبل الانتفاضة كان لدينا برنامج مرحلي صار عمره 14 سنة، ولم نفكر في طرح أية مبادرة سياسية، والانتفاضة هي التي تدفعنا الآن للتفكير في الموضوع. يجب علينا أن نفكر بالخروج من الجمود بكيفية التحرك باتجاه الدولة. وهي لن تأتينا وحدها من السماء، والرفض المطلق يخدم الأعداء. تجربتنا تؤكد انّ من يريد تحرير فلسطين عليه أن يبدأ بدولة على أيّ جزء من الأرض الفلسطينية، والحديث الآن يدور حول الضفة والقطاع. إذا أعلنتم الاستقلال وأعلنتم قيام الدولة بدون بيان سياسي واقعي يخاطب العالم نخسر، وتكون النتيجة عكسية. ولا بدّ من قرار فلسطيني كبير بمستوى القرار الأردني بفك الارتباط بالضفة الغربية».
إعلان الاستقلال آنذاك كان موجهاً للمجتمع الدولي، للقول لدول العالم وخصوصاً النافذة في السياسة الدولية إنّ منظمة التحرير الفلسطينية بدأت تتغيّر باتجاه التسليم بالقرارات الدولية لا سيما القرارين 242 و 338، وهي على استعداد للتأقلم مع أية متغيّرات سياسية دولية أو إقليمية. وهو بالتالي إعلان يرتقي إلى مبادرة فلسطينية طرحتها قيادة المنظمة التي تعجلت قطاف ثمار منجزات الانتفاضة الأولى، من دون إدراكها أنّ الدول التي دفعتهم للاعتراف بقرارات الشرعية الدولية كانت تدفعهم إلى الاستدراج التدريجي نحو الإنزلاق نحو التسوية وفق الرؤية الصهيو أميركية، وهذا ما أثبتته الوقائع منذ «أوسلو»، الذي أفضى إلى الاعتراف بشرعية الكيان «الإسرائيلي»، من دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية حسب إعلان الاستقلال عام 1988، إنما جاء الاعتراف «الإسرائيلي» بمنظمة التحرير من خلفية جعلها الشاهد الزور على شطب القضية وتصفيتها، وبعد أن انتهت وظيفتها أقدم الطرف الأميركي بطلب ورعاية مباشرة من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في الضغط على الراحل أبو عمار من أجل شطب الميثاق الوطني الفلسطيني وكان له ما أراد في العام 1998. وبذلك سقط إعلان الاستقلال الوهمي الذي لا يزال حبره على ورق ثمانية وعشرين عاماً من إطلاقه. وفي المقلب الآخر بقي الاحتلال المتمادي باستيطانه وتهويده ومجازره واعتقالاته وحروبه المفتوحة ضدّ الشعب الفلسطيني.