لا ضمانات عند دي ميستورا… إلا ورقة ممهوره بدماء أطفال حلب

جمال محسن العفلق

وصل إلى دمشق المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وهذه المرة لا يحمل حقيبة كبيرة إنما ورقة واحدة تتحدث عن حكم ذاتي لشرق حلب! ببساطة طرح المبعوث الدولي هذا الطرح واعتبر انه فتح مغارة الكنز للسوريين حيث يتلخص المقترح بوقف العمليات القتالية، أو بمعنى أكثر دقة أن يتوقف الجيش السوري عن محاربة الإرهاب والسماح للجماعات الإرهابية التي تسيطر على شرق حلب بإقامة حكم ذاتي، لا يهمّ ما نوعه او من يتبع، ولكن المطلوب ان توافق الحكومة السورية على إنشاء كيان إرهابي في خاصرتها الشمالية، ويحكم هذا الكيان تلك الأرض مقابل ان تتوقف العمليات العسكرية.

وهذا الطرح لا يحتاج الى تفسير او تحليل لأنه ببساطة هو منطقة عازلة فشلت كلّ القوى الإقليمية والدولية بفرضها على الجيش السوري، وهو بهذا يريد وبعد ست سنوات من الحرب ان يقدّم السوريون مكافأه للجماعات الإرهابية بتركهم يحكمون أرضاً ليست أرضهم ويصبح لهم «كيان رسمي» في ما بعد قد يطلق عليه اسم «إمارة شرق حلب»!

بالتأكيد انّ رجل بعمر المبعوث الأممي وبخبرته السياسية والدبلوماسية لا يمكن ان تنفجر عنده مثل هذه الأفكار الا لسببين لا ثالث لهما… إما أنّ الرجل يعاني من مرض عقلي ما أفقده خبرته السياسية الطويلة، أو أنه تسلّم مبلغاً كبيراً من المال جعله ينسى تاريخه السياسي والديبلوماسي ليأتي الى حكومة وطنية ذات سيادة ويطلب من وزير خارجيتها ان ينسى وشعبه كل الشهداء والتضحيات ويتنازلوا عن أكثر من ربع مليون مواطن وأراض واسعة وغالية لجماعات إرهابية لا عقيدة لديها الا القتل والتخريب.

إنّ رفض الحكومة السورية لهذا المقترح أمر طبيعي ولكنه غير كاف، فالمبعوث الأممي اليوم كما الأمس لم يكن محايداً في مهمته، مما يستدعي ان تقوم الحكومة بالمطالبة والضغط على الأطراف الدولية والامم المتحدة لعزل مبعوث أبسط ما يمكن القول عنه إنه يخدم مصلحة أصحاب مشروع تقسيم المنطقة، وهذا اعتداء على السيادة الوطنية لبلد مستقلّ وعضو مؤسس في الأمم المتحدة وفيه حكومة شرعية وبرلمان ورئيس دوله ودستور…

وتجاهل المجتمع الدولي لجرائم العصابات الإرهابية، وآخرها قصف مدرسة ابتدائية واستشهاد عشرة أطفال، هو أمر اعتدنا عليه، ولكن من ناحية أخرى له تفسير انّ تلك الجماعات الإرهابية ورغم انّ المبعوث الأممي يسعى لمنحها إدارة ذاتية للمناطق التي تسيطر عليها، إلا أنها تأبى إلا أن تكشف للعالم أجمع مدى حقدها وغرقها بدماء الأبرياء في سورية، ولسان حالها يقول نحن لا يعنينا ايّ شيء في هذا العالم وسندمّر الحجر والبشر، فهذه الجماعات، وانْ اختلفت الأسماء ومصادر التمويل، هدفها القتل من أجل القتل فكيف سيكون الحال إذا ما أعطيت فرصة او استراحة لتجميع قواتها؟ وماذا لو أنّ السيد دي ميستورا يريد من مشروع الإدارة الذاتية ان يجد مخرجاً للدواعش الفارّين من الموصل وتحويل منطقة شرق حلب عاصمة لهم ومركز إيواء للقتلة؟

ويحسب للمبعوث الدولي شيء واحد أنه أثبت لنا اليوم أنّ حربنا اليوم في سورية ضدّ الإرهاب ومقاومة مشروع التقسيم ذلك المشروع الذي لم تستوعبه المعارضة معتقدة انّ من يدعمها ومن يدعم الإرهابيين في سورية هدفه دعم ما اطلق علية اسم الثورة السورية تلك الثورة التي لا تشبه شيئاً من اسمها ولا تحمل ايّ معنى من معاني الأخلاق والعطاء، حتى عندما نشر في الإعلام عن اقتراب موعد عقد مؤتمر للمعارضة في دمشق خرجت الأصوات الرافضة لهذا المؤتمر دون فهم للتغيّرات الدولية والاقليمية وبدون ادنى حدّ من المسؤولية الأخلاقية لترفض مثل هذا المؤتمر مكرّرة مطالبها القديمة بتغيير النظام قبل الشروع بأيّ عملية سياسية، هذه المعادلة الغير مفهومة كيف سيكون هناك تغيّر نظام واذا ما حدث ذلك مع من يكون الحوار اذا؟

انّ مدينة حلب تدفع اليوم ضريبة كبيرة، ويحسب لأهل حلب صمودهم وصبرهم، وعلى المجتمع الدولي ان يفهم انّ هذا الشعب المحاصر اليوم بقوى الإرهاب والظلام لن يسامح من ساهم بقتله وانّ المجتمع الدولي ممثلاً بالامم المتحدة يزوّر اليوم حقيقة الحرب في سورية عموماً وفي حلب خصوصاً. وما يتحدّث عنه ما يسمّى مرصد حقوق الإنسان لا يقترب بشيء من الحقيقة، فجلّ ما يريده هؤلاء هو إيجاد سبيل للإرهابيين لإنقاذ من تبقى منهم ليبقوا شوكة في خاصرة السوريين يتحركون بحرية بين حلب ومناطق سورية أخرى وينتقلون حيث يطلب منهم واين تقتضي الحاجة لهم.

أما المعارضة التي رفضت طرح دي ميستورا فهي لم ترفض هذا الطرح من باب الوطنية، لأننا اليوم لم نعد نملك ايّ مؤشر حقيقي لوطنية هذا التيار الذي يقيم خارج سورية، ولكن رفضها جاء فقط من باب التلميع لصورتها، فكيف يستوي ان ترفض المعارضة طرح المبعوث الدولي وبنفس الوقت تطالب الجيش السوري بوقف عملياته ضدّ الجماعات الإرهابية التي تتخذ من شرق حلب مركزاً لها؟

لقد علّمتنا هذه الحرب على سورية الشيء الكثير، وأهمّ ما علّمتنا إياه هو انّ بيع المواقف والمتاجرة بدماء السوريين سمة أساسية لدى ما يسمّى «معارضة سورية»، ومن يدّعون أنهم «أصدقاء» الشعب السوري من العالم المتقدم. اما الذين يعتقدون انّ دخولهم الى دمشق يمكن ان يكون على ظهر دبابة «إسرائيلية» فعليهم ان يعلموا انّ في دمشق مقاومة لا يمكن كسرها، فنحن شعب لا يلين ولا يستكين في الدفاع عن حقه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى