«دار الندوة» في عيدها: دار جامعة وولاّدة
معن بشور
في «دار الندوة»، وفي عيدها الثامن والعشرين المتزامن مع عيد استقلال لبنان الثالث والسبعين، وتحيّة لروح رئيسها الراحل المفكر العربي الكبير منح الصلح رحمه الله ، يلتقي اليوم الخميس جمع من أهل «الدار» وأصدقائها والمواكبين لمسيرتها مستخلصين مع القيمين عليها وعلى رأسهم رفيق الدرب الطويل الوزير السابق والمناضل الأستاذ بشارة مرهج، من تجربتها الوطنية والعروبية الجامعة جملة معانٍ وقيم نهضوية يحتاجها لبنان كما تحتاجها الأمة بكلّ مكوناتها.
فـ«دار الندوة» تأسّست في قلب حركة السلم الأهلي المناهضة للحرب اللعينة التي عرفها لبنان على امتداد 15 عاماً، وفي قلب الحرص على وحدة وطنية نابذة لكلّ صنوف التمزق الطائفي والمذهبي والمناطقي، وفي قلب رغبة عارمة بتجديد أدوات العمل النهضوي العربي عبر التأكيد على الصلة العميقة بين العروبة والثقافة، وبين لبنان والإبداع، وبين الأمة والحوار كسبيل لمواجهة كلّ التناقضات الداخلية فيها…
لذلك لم تكن «دار الندوة» مجرد نادٍ ثقافي يتكامل مع هيئات وأندية ثقافية متألقة تعمّ لبنان والوطن الكبير، بل كانت تعبيراً عن رغبة مؤسسيها الجادة في بناء مؤسسة جامعة عبر الحوار، وصيغة ولاّدة للعديد من المؤسسات والمبادرات الثقافية والاجتماعية والمطلبية والتربوية والشبابية، الوطنية والقومية، التي انطلقت من رحمها…
طبعا لا تتسع هذه العجالة للحديث عن إنجازات هذه التجربة على غير صعيد، ولا عن المبادرات المتنوعة التي انطلقت منها، من منتديات وحملات وبرامج وجمعيات، بل يكفي أن نؤكد أنّ فكرتين حكمتا هذه التجربة منذ نشوئها وهما «الحرية» و «الحوار»…
فقيمة «الحرية» جسدتها «الدار» في أنّ القيمين عليها لم يتصرفوا للحظة واحدة أنّ هذه «الدار» احتكار لهم، بل هي ملك لكلّ طاقة إبداعية، وكلّ رأي له موقعه بين اللبنانيين والعرب، بل كلّ مبادرة تسهم في ربط حاضر الوطن بماضيه، ومستقبل الأمة بحاضرها.
أما «الحوار» فكان طريق «الدار» لكي تستقبل في رحابها التنوع في مكونات المجتمع، والتعدّد في آراء النخب والتيارات، والإبداع في الفن والأدب والشعر والفكر، فمر على منبر هذه «الدار» المتواضعة معظم شعراء لبنان البارزين، إنْ لم يكن كلهم، وأقيمت لمعظم فناني لبنان والعرب التشكيليين معارض بينها معارض استعادية لكبار رحلوا، كما تعاقب على ندواتها ومحاضراتها حملة أفكار وآراء متعارضة ومتباينة، وكان القيمون على «الدار» يعتبرون انه إذا نجحوا في إقامة واحة للوحدة والحوار والحرية في زاوية صغيرة من زوايا الوطن، فإنما يؤكدون على إمكانية انتشار هذه القيم على مستوى الوطن الصغير والكبير…
في هذه «الدار» ارتبطت الفكرة بالعمل، والمبادرة بالممارسة، فقلّما شهد لبنان والعالم العربي حدثاً أو محنة أو قضية إلا وكان لها في «دار الندوة» احتضان وصدى في اجتماع أو لقاء أو مبادرة أو حملة أو منتدى أو ملتقى أو برنامج، ثقافياً كان أم اجتماعياً أم مطلبياً أم شبابياً، وطنياً كان هذا الصدى والاحتضان أو قومياً، فامتلأت قاعتها بلبنانيين من كلّ المشارب، وبعرب من كلّ الأقطار، لتقول إنّ لبنان رسالة وثقافة وانّ العروبة هوية ورسالة وانّ «دار الندوة» هي تجسيد بسيط متواضع لثنائية الهوية الجامعة والعروبة الحضارية.
موعدنا الخميس 24/11/2016 في «دار الندوة» ما بين السادسة والثامنة مساءً لنشعل معاً شمعة جديدة في دار منيرة، ولنؤكد أنّ الاستقلال، قبل ان يكون حفلاً أو احتفالاً، هو قرار ورؤية، وانّ منح الصلح وإخوانه من المؤسسين الراحلين ما زالوا بيننا…