هل هو «الجهاد الأكبر»؟
روزانا رمّال
في الوقت الذي يسعى فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري لتثبيت هالة الحضور والحيثية التي يمثلها في مسألة المسعى للتوافق على صيغة للحكومة يسعى الرئيس العماد ميشال عون إلى فرض واقع جديد على الممارسة السياسية المحلية، خصوصاً لما يمثله من حالة استثنائية في الصف المسيحي فوصول رئيس قويّ لسدة الرئاسة يمثل رمزية مسيحية محلية وإقليمية كبيرة هو أمر غاب عن الكرسي الرئاسي، وعلى هذا الأساس من غير الوارد عند الرئيس عون الحكم بالطريقة نفسها التي سادت في العهود الماضية، فمسألة الوصول الى رئاسة الجمهورية ليست هدفاً بمعناه التجريدي بالنسبة لعون، بل هو هدف يحمل في طياته تغيير مفاهيم الحكم الرئاسي في لبنان وتمثيل الرئيس.
يؤكد مصدر سياسي مسيحي بارز لـ»لبناء» ان الرئيس عون اليوم يريد فرض معادلة أساسية يضع النقاط على الحروف فيها من بداية عهده وتتمثل بعدم سماحه، لأن يكون خاتماً او مجرد «مُوَقِّع» على التشكيلة الحكومية، بل «المؤلف».
تبدو التشكيلة الحكومية اليوم واقعة بين ثلاثة مؤلفين، وهي المرة الأولى التي يعتبر فيها هذا الأمر تحدياً امام التجربة الجديدة، فاللبنانيون الذين ينتظرون نجاح ولادة استثنائية لحكومة جمعت التناقضات يخشون أن تصبح التجربة مادة جديدة لشرخ التباعد الموجود بين الأفرقاء وكشف المصالح بعين اوضح من تلك التي كانت تتخفّى ضمن ضرورات واستثناءات الوضع الأمني في البلاد وضرورات مثل وجوب التغاضي عن بعض العقد لتسيير أعمال البلاد. يعيش العماد عون اليوم تجربة جديدة وفريدة من نوعها بعيون المسيحيين وفي لحظة متابعة دولية للنموذج اللبناني تبقى «الضحكات» والابتسامات مشهداً مسيطراً على شاشة عيد الاستقلال اللبناني في ما وصفت «بتمثيلية ضرورية».
هي عقد توزير حلفاء الرئيس نبيه بري، الحزب السوري القومي الاجتماعي، تيار المردة، الوزيرين الشيعي والسني من حصة رئيس الجمهورية اللبنانية، إضافة الى وزارات اساسية والتمسك بها. كلّ واحدة منها عقدة تكفي للحديث عن ازمة جدية في التشكيلة الحكومية، وإلا لما كانت تأخرت ولادتها اذا كانت الصيغة التي انتجت رئيساً للجمهورية نتيجة صحية للتوازنات.
تحديات بأسماء يصنفها الرئيس بري خصوماً أساسية طرحها العماد عون للتوزير في مقعد شيعي لا يشي بأن فريق عون يساير الرئيس بري بما يعتبره خطوطاً حمراء. خطابان أثارا القلق من منبر بكركي من عون لبري وردّ الأخير عليه وكأن رسالة القوة المسيحية التي يعمل عليها عون من الصرح البطريركي أساسية في عهده «انتهى زمن الرئيس الصورة».
يتحدث المصدر نفسه لـ»لبناء» عما هو أخطر بكثير من التأخير في ولادة الحكومة فيقول «إنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري من دون ان يدري ومن خلال التموضع الذي اتخذه في عملية تأليف الحكومة طرح تعديل «الطائف». وهو مطلب لطالما نادى به الجنرال عون قبل أن يكون رئيساً، ولكن هل فعلاً بري طرح هذا الأمر دون أن يدري، يسأل المصدر؟ ام بالتنسيق مع حزب الله من أجل أن يؤدّي ذلك للمؤتمر التأسيسي؟
العهد الناتج عن ولادة قيصرية هو عبارة عن مجموعة متناقضات وليس مجموعة تحالفات. فحسب المصدر يريد حزب الله ضرب العلاقة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والرئيس بري يريد ضرب العلاقة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وما تمثله الثنائية المستجدة بين نادر الحريري وجبران باسيل في أدوار لا تعدو كونها حركة بدون بركة إذا ما اعترض بري على ما يخرج عنها. الإحراج الذي أوقع فيه بري بانتخاب الرئيس عون يترجمه بإحراج للحريري في تأليف الحكومة وهو أمر مستعصٍ، ولو كانت هناك إمكانية تأليفها بوقت قريب، لكان ممكناً ان تتألف بأسرع من هذا الوقت، خصوصاً مع الزخم الوطني الجامع نحو العبور للمرحلة المقبلة والترحيب بسلسلة المصالحات التي انتجت رئيساً، فأين ترجمة هذه المصالحات؟
المؤتمر التأسيسي مطروح بشدة جراء ما يحدث اليوم، وهو إعادة النظر باتفاق الطائف من قبل عون الذي يبدو أنه قرّر عدم الاستسلام لما فرضته الصيغة اللبنانية بالمراحل السابقة، وهو يعرف تماماً أنّ نفوذه الأكبر يتمثل بهذه اللحظة المصيرية التي تسمح لرئيس الجمهورية بتعطيل تأليف الحكومة التي لا تبصر النور من دون توقيعه. وعلى هذا الأساس فإنّ أيّ تشكيلة لا يرضى عنها العماد عون هي تشكيلة لن تولد وإذا قرّر عون الاستفادة مما يمنحه اياه الدستور لتثبيت قوة الرئيس وموقعه، فإنه لن يتنازل مقابل ابتزاز الوقت الذي يجعل من الرئيس صورة مجدداً فيستسلم بدون إعلان وتعود الرئاسة إلى المربع الأول.
الرئيس بري بدوره الذي يعتبر انه «اخذ» نحو خيار لا يحبّذه وهو انتخاب العماد عون رئيساً نزولاً عند الرغبة اللبنانية الجامعة يكشف اليوم لفريقين أساسيين، هما المستقبل والتيار العوني، إنه وانْ كان قد مرّر العملية الانتخابية ووصل عون للرئاسة، فإنّ هذا لا يعني انه سيمرّر التشكيلة الحكومية بشكل سلس لا يرتاح لصيغتها وإخراجها شكلاً ودوراً وحضوراً كموقع اعتاد أن يتفوّق فيه بري من باب «صانع المخارج»، ويؤكد هنا بشكل خاص للتيار الوطني الحر أنّ حزب الله الذي اعتاد التيار على اللجوء إليه للتوسط لن يتدخل بمسألة الضغط على بري حكومياً، ولا يستفيد منه التيار بهذا الملف كما استفاد بملف الرئاسة. فهل هذا هو الجهاد الأكبر الذي تحدث عنه بري بعد انتخاب الرئيس مباشرة؟