صباحات

لفلسطين أغنيتي ولحني ولحمي ودمي. لفلسطين ولدت وأموت كآدمي. ولفلسطين أعلنت القسم قَسَمي. عندما أمسكت البندقية للمرّة الأولى وشدّ حبل وريدها على معصمي. إن الدم مهر يجزى في عرسها ولها تقرع أجراس الرصاص وتشعل النيران ولها صوت الرجوع. وإننا أمة لا تعرف النسيان ولن تعرف الركوع، وإننا نصلّي الفجر عند الطلوع ونتلو آيات فلسطين مع الوضوء، ونُقسم أننا لن نعرف الهدوء. في يوم الميلاد نذكرها وفي عزّ السهاد نغمرها. حتى لو بلغنا من العمر عتياً سيبقى الصوت قوياً. فلسطين عزّتنا وقُبلتنا، وتبقى بوصلة تقود كلّ بوصلة لتكون وحدها بوصلتنا. منها نرى حلب وفيها مواسم الغضب. بها يكتمل بدر الهلال ويكتمل عنوان المقال وتبوح بالسرّ القصيدة لتنال الأماني البعيدة. ونفرح ونغنّي وننشد أحلى الكلام لسورية ولبنان والعراق وكلّ بلاد العرب. ننشد السلام وللسيد والأسد وفلسطين ندعو بالسلامة حتى يسود العرين ويعمّ فيء العمامة.

في مثل هذا اليوم، تجمّعت الملائكة في صوت فكان صوت فيروز وتجمّعت الدموع في فنجان فكانت قهوتها، وارتسمت من خيوط الشمس ملامح شال كان لكتفيها، وغزلت النجمات أسوارة فكانت أسوارة العروس، وتقدّم الليل بعتمة السيف فغنّت «يا شام أنت المجد»، وبقي الفجر مبتسماً فقالت للقمر «خذني بعينيك واهرب أيها القمر»… في عيد ميلاد السيدة الملاك تليق المئة بانتظاراتنا.

هل يعلم الجغرافيون معنى أن تَلاقي خطوط الطول والعرض، يعبّر عن مكانة حضارية للأمكنة نابعة من درجة توازنها في البعد عن القطبين وخطّ الاستواء في خطوط العرض، وبعدها عن المحيطات والصحارى في خطوط الطول؟ وأنّ أفضلها بقياس الخصوبة والشمس والضغط الجوّي، وهي عناصر ولادة إنسان متوازن وهي أجملها وأكثرها تنوّعاً وغنى وقابلية للحياة. تقع عند تقاطع الخطّين 33 و33 طولاً وعرضاً؟ دمشق! محاطة ببيروت 34 و34 واللاذقية 35 و35 وحلب 36 و36 وما بينها وما حولها وصولاً إلى القدس وبغداد والاسكندرية وقرطاج.

لمن يسألون عن سرّ القول إن سورية تغيّر دائماً وجه العالم أن يتذكروا أن أول علم التاريخ بالاجتماع السياسي بدأ مع الديانات. وليفسروا معنى أنها جاءت من هنا ولا زالت تتوزّع حولها نصف البشرية وأكثر. وأن الأبجدية جاءت من هنا ومنها تفرّعت اللغات. وأن الحروب التي صاغت توازنات القوة خيضت حلقاتها الأخيرة وتفاهماتها هنا ومنها نشأت المعادلات. كل شيء بلغ مداه الأقصى وصار الاختصار لغة التاريخ بحرب واحدة، هنا تكتب صفحاته الجديدة.

المرأة الناضجة الحرّة ترعرعت بين أب وأخوة يؤمنون بحقوق المرأة ولو كانوا فلاحين بسطاء. والمراة المقموعة أو الفوضوية ترعرعت بين رجال يدّعون بما لا يؤمنون، ولو كانوا فلاسفة وشعراء ودعاة إصلاح… يعرف الرجال في صدق إيمانهم نحو المرأة من أقرب النساء إليهم.

في الطريق إلى كلّ قضية، تثار أكثر من مشكلة. والمعادلة الصحيحة ألّا نتجاهل المشكلة بِاسم القضية، وإلا صارت المشكلة قضية. وألّا نتصدّى للمشكلة بما يسيء للقضية فتسقط القضية ولا تحلّ المشكلة. مناسبة الكلام النقاش حول قضية الحرب في حلب وبعض الظواهر المرافقة للحرب وتحوّلها إلى مشكلة. يتساوى بالخطأ من يرفع المشكلة إلى مستوى القضية فيبلغ حدّ الإساءة ومن يرفع راية القضية لتخوين من يثير المشكلة. حُسن النية لا يكفي وحُسن السيرة لا يكفي لكليهما. المطلوب من يُحسن التصرّف.

سنكون على موعد مع جوقة التباكي على الحالة الإنسانية في حلب كلما اقترب الجيش السوري من تحقيق نصره. وسيرتفع الصوت كلما صار الهدف أقرب. ألسنة الغرب تنطق بوجع الإرهاب لا بوجع الناس. إذن، اصرخوا كما تشاؤون ونفعل كما نشاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى