فخر الدين الثالث
وليد زيتوني
ليس غريباً على المدقق في تاريخ لبنان، أن يكتشف فخر الدين الثالث. بالطبع ليس في السياق نفسه الذي أنتج بشير الأول، وبشير الثاني الكبير، وبشير الثالث «أبو طحين».
كثير من اللبنانيين لا يعرفون بشير الثالث تماماً كما لا يعرفون فخر الدين الثالث. فكتب التاريخ المدرسية والأكاديمية وحتى الذين يدوّنون مذكراتهم الممهورة ببطولاتهم الاستثنائية عرجوا على فخر الدين الأول وفخر الدين الثاني، ونسوا أو تناسوا فخرالدين الثالث. تكلّموا وبجّلوا الاول والثاني باعتبارهما مؤسّسَي لبنان وقفزوا فوق الثالث. ببساطة لأنّ الثالث شهيد الاستقلال الوحيد. سعيد فخر الدين هو فخر الدين الثالث بعرفنا وقناعتنا، لأنه مهر بالدم راية الاستقلال.
نسوا سعيد فخر الدين لأنه من غير قماشتهم، ولا ينتسب إلى مدارس الإقطاع. فهو ردّ وديعة الأمة حين طلبتها غير آبه بالمراكز والمناصب والسلطة، لم يعطَ لقباً فخرياً بفرمان همايوني من السلطان بل أخذ رتبة الحياة المخلدة بشهادته بوجه الانتداب والطامع والغازي والناهب الدولي المستبدّ. ولأنه لم يكن تابعاً لسفارة أو جهة خارجية، ولا متواطئاً مع طرف خارجي ضدّ طرف خارجي آخر.
سعيد فخر الدين استكثرت عليه الدولة نصباً تذكارياً، كما فعلت بـ»رجال الاستقلال». وكما فعلت للذين قضوا بعد الاستقلال بعشرات السنوات.
سعيد فخر الدين استكثرت عليه الدولة شارعاً يُسمّى باسمه في عاصمة الاستقلال، كما سمّت الشوارع والساحات بأسماء قادة وجنرالات الانتداب والمحتلّ نفسه. وتسمّي الآن الشوارع والساحات والمؤسسات العامة بأسماء الذين كفروا بالاستقلال الكبير لصالح ولادات سايكس – بيكو.
فقط يندرج الإقصاء والاستبعاد والتناسي، لأنّ سعيد فخر الدين منتمٍ للحزب السوري القومي الاجتماعي. ولأن سعيد فخرالدين ابن عين عنوب واستشهد في بشامون لا يميّز بين منطقة وأخرى، ولا يفرّق بين طائفة وأخرى، ولا يفضّل كياناً سياسياً على آخر. ولأنّ سعيد فخر الدين آمن بالقضية التي تساوي وجوده واستشهد من أجلها، لا من أجل امتياز لنفسه ولا امتياز لزعامة محلية أو طائفية أو اثنية.
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي نفتخر ونعتز بالشهيد سعيد فخر الدين اعتزازنا بجميع الشهداء الذين ارتقوا وما زالوا يرتقون على امتداد جغرافية الأمة، تماماً كاعتزازنا بشهادة الفادي الأول في حزبنا الزعيم الخالد بفكره ونهجه، أنطون سعاده.
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي لا ننكر على الآخرين حقهم ودورهم في النضال في معارك الاستقلال المستمرة حتى الآن، بل نحن نقدّر هذا النضال وهذه الشهادات متى كانت تعتمد بوصلة القضية القومية اتجاهاً ووجهة.
نحن لم نعمل على إقصاء أيّ إنسان أو أية مجموعة من فكرنا ولا من تاريخنا ولا من ذاكرتنا ولا من أدبياتنا بل نحترم الجميع ونقدّر الجميع متى كانت المسألة تتعلق بدورها في إحقاق الحق.
ولكننا لن نقبل من أيّ إنسان أو مجموعة ومهما كان شأنه أو شأنها أن تلغي دورنا وجهدنا وعملنا، أو أن تلغي شهداءنا وأبطالنا من ذاكرة الوطن.
نحن لم نعتدِ ولن نعتديَ على أحد، ولكننا لسنا نعاجاً إذا ما استفزنا مستفزّ بل أسود في ساحات الوغى.
نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي