صحناوي لـ«البناء»: عون سيزيل متاريس العقلية اللبنانية
هتاف دهام
لم يبدأ العدّ العكسي لإخراج التشكيلة الحكومية بمرسوم. لم ينضج طبق التأليف بعد. انتخب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منذ ثلاثة أسابيع، وبالتالي لا يمكن القول إننا وصلنا إلى حائط مسدود واستغرق التشكيل وقتاً طويلاً. العقد من الطرفين تخفي خلفها عدم اتضاح الرؤية السياسية. الضغط القواتي على التمثيل المسيحي، وتمثيل المرده ربطاً بالواقع الشيعي هما عقدتان متداخلتان. تأثيرهما يكمن في أنّ الأرضية السياسية المشتركة المفترض أن تحكم عمل الحكومة وأولويتها لا زالت موضع نقاش.
وربطاً بالأجندة الحكومية، ثمة تفاصيل محلّ متابعة ودرس. عثرات حُلحلت، وأخرى على الطريق. نائب رئيس التيار الوطني الحر للشؤون السياسية وزير الاتصالات السابق نقولا صحناوي متفائل بتأليف الحكومة قريباً. أزيلت العقد الأساسية. الجوّ إيجابي، من وجهة نظره، مع مختلف الأفرقاء. العقبات المتبقية ثانوية. يقترب قطار التشكيل من الوصول إلى محطته الأخيرة. يأتي تفاؤله من منطلق أنّ العقد الكبيرة انتهت.
تعتمد الأحزاب، بحسب صحناوي، مقاربة تفاوضية. كلما نجحت هذه المقاربة لجأ بعض مكوّناتها إلى الافتراض برفع السقف في طلب الوزارات للحصول على حقائب أدسم.
لا يحبّذ التيار البرتقالي صبغ الحقائب بسيادية وأساسية وخدمية. النهوض بالدولة يستوجب، برأيه، الخروج من هذه التصنيفات واعتماد المداورة في الوزارات. الحقيبة ليست «بقرة حلوباً» تحلبها طائفة معيّنة لتُجيّر خدماتها لمحازبيها في إطار الزبائنية. يجب التعاطي بمقاربة إصلاحية استراتيجية وبناء خطط وإنجازات تفيد كلّ اللبنانيين، ولا ينظر إليها من باب الخدمات على أبواب الانتخابات. كلٌّ يحصّن نفسه. يجب ردّ العمل الى الصواب في الوزارات الخدماتية وعدم حرمان المناطق النائية من الاستفادة على حساب مناطق النفوذ. سنعمل، يقول وزير الاتصالات السابق لـ «البناء»، على إلغاء المقاربات الإقطاعية. لا تزال الذهنية ذهنية مغانم وفساد وحصص. وهذا ما لن نسمح أن يبقى.
يبذل رئيس الجمهورية جهوداً لتأليف الحكومة ويقدّم التنازلات للمصلحة الوطنية. وفق نائب رئيس التيار الوطني الحر، يجب أن تتشكّل الحكومة بسرعة لأسباب دستورية، تبدأ بإقرار قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات النيابية، وتصل إلى تحسين الوضع الاقتصادي. صحيح أنّ انتخاب الرئيس أحدث صدمة إيجابية قوية، لكن الصدمة الثانية تكمن بأن تُبصر الحكومة النور. تصريف الأعمال لا يُطمئن المستثمرين والاقتصاد.
يؤكد صحناوي أنّ التفاوض العلني عبر الإعلام لا ينتج حكومة لو بعد مئة سنة. لا يوصل إلى خواتيم سعيدة. ستبقى المفاوضات سرية وسيحصر حديثه بالخطوط العريضة. إذا بلغت الاتصالات نهاية سعيدة، عندها لا تصبح التفاصيل ذات أهمية، لكن إذا وصلت إلى طريق مسدود، على كلّ مكوّن أن يعلن حقيقة ما جرى.
وضعت اللمسات الأخيرة للحكومة. لا فيتو من الوطني الحر، كما يقول صحناوي، على تمثيل أي مكوّن في الحكومة. لا مشكلة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. متفقون وإياه على إقرار قانون انتخابي جديد. صحيح أنه لم يصوّت لانتخاب العماد عون رئيساً، لكن حق أيّ فريق لبناني أن يمارس حقوقه الدستورية التي تسمح له أن يقاطع الجلسة أو يصوّت كما يشاء. دخل الرجلان مرحلة جديدة ويريدان التعاون، على عكس ما يُشاع من تسريبات، يؤكد الرئيس بري في تصريحاته أنه لا يعمل على ضرب عهد العماد عون. ونحن نشدّد على المقاربة الإيجابية معه طالما العقبات الأساسية فكّت.
لا يمارس رئيس الجمهورية حرب إلغاء أو إقصاء على أي مكوّن. لا يحبّذ هذه السياسات ولا يعمل لها. يشدّد على إشراك الجميع من حزب الكتائب والمرده والحزب السوري القومي الاجتماعي… يفضل أن يتمثل الكلّ. يرفض صحناوي التعليق على تسريب من هنا وتصريح من هناك. يكتفي بالقول «نحن سنتحاكم على النتيجة. وبالنسبة للعلاقة مع النائب سليمان فرنجية يقول: قلبنا الصفحة بعد انتخاب العماد عون رئيساً. كان بإمكاننا القول «مَن كان ضدّ هذا العهد يبقى خارج الحكومة لكن عنوان نهجنا الشراكة. نسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من دون فرض شروط من قبلنا أو علينا».
تربط قوى سياسية بين ولادة الحكومة وإقرار قانون الانتخابات، وتربط أخرى بين تأخير التأليف وإجراء انتخابات على أساس قانون الستين. لكن صحناوي، يؤكد أننا سنكون أمام إقرار قانون انتخاب جديد. يجب بذل الجهد لذلك.
من وجهة نظره، ليس «الستين» لصالح المكونات السياسية التي تضع بعض العراقيل على التأليف. القانون النافذ مُجحِف بحق المسيحيين خصوصاً واللبنانيين عموماً، لكننا لن نستسلم لذلك. تنادي المكوّنات جميعها بقانون انتخاب جديد. صحيح أنّ هذا الكلام «رنان» من التمديد الأول للمجلس النيابي العام 2013. الواقع اليوم، وفق صحناوي، يختلف. الطبقة السياسية مقتنعة باستحالة إنتاج قانون انتخاب من دون النسبية. تتحدّث عن ضرورة إقرار قانون مختلط النسبي – الأكثري . كان الستين يلائم بعض الفرقاء عندما كان حجمها في كل قضاء يشبه ما كانت عليه العام 2009. تغيّرت الأحجام اليوم. باتت هذه القوى، مدركة أنّ هناك قانوناً أفضل وأنسب لها، لتبقى وازنة في قلب المجلس الجديد.
يرفض صحناوي الحديث عن أنّ إجراء الانتخابات وفق «الستين» ضرب لعهد رئيس الجمهورية. يُصرّ على تأكيد أنه ضرب لكلّ من صَدَح صبحاً ومساء أنه يتطلع إلى قانون جديد غير «الدوحة» ويريد تكريس النظام النسبي. لقد تحدّث اتفاق الطائف عن النسبية ودعا إلى تطبيقها، وإذا درست بعض الكتل السياسية حجم تمثيلها بشكل دقيق، من الممكن أن تقبل بالنسبية الكاملة، التي تجعل التمثيل الشعبي يفرض نفسه.
إنّ تمسّك حزب الله بانتخاب العماد عون أدّى إلى هذا المشهد في بعبدا. صمود حزب الله، يقول نائب رئيس التيار الوطني الحر، سمح بوصول رئيس قوي وصنع في لبنان. أول رئيس منذ الاستقلال. صحيح أنّ سورية وإيران عبّرتا عن سرورهما بانتخاب العماد عون، لكن الجميع يعلم أنّ مَن كان يفاتحهما في ملف الرئاسة، كان يسمع من المعنيين أنّ الملفّ يحلّ في لبنان.
لكن الأكيد، وفق صحناوي، أنّ المتاريس سنلغيها من عقول اللبنانيين. سيعمل رئيس الجمهورية على إزالة المتاريس بين حلفاء إيران وحلفاء السعودية. سيلعب الرئيس العماد دوراً محلياً في التقريب بين المكونات السياسية وخارجياً للتخفيف من الاحتقان لما لذلك من انعكاس إيجابي على لبنان. ما يهمّنا انتهاء العمليات الإرهابية التي تضرب المنطقة، فنحن لسنا جزيرة معزولة.
لا يعلّق صحناوي على العرض العسكري الذي أجراه حزب الله في القصيْر مع بداية العهد الرئاسي الجديد. يكتفي بالقول إنّ الاستعراض أمر بسيط أمام تحرير القصيْر من الإرهابيين في السنوات الماضية.
وفي شأن الدعوة السعودية الرسمية للرئيس عون لزيارة السعودية، يشير صحناوي إلى أنها ستكون بعد تشكيل الحكومة، وتهدف إلى تحسين العلاقات اللبنانية الخليجية لما لذلك من انعكاسات اقتصادية إيجابية على جميع اللبنانيين، مع تأكيده أنّ حزب الله راضٍ عما يقوم وسيقوم به الرئيس بغضّ النظر عن أنّ هذه الزيارة ستعقبها أو تسبقها زيارات الى دول أخرى عربية وإقليمية وأوروبية وجّهت له الدعوة لزيارتها.
لم يغفل صحناوي عن الإنجاز الأمني الذي حقّقه الجيش في عرسال أمس. يرى أنّ وصول العماد عون الى قصر الشعب سيشكل حافزاً للمؤسسة العسكرية. سنرى فرقاً شاسعاً بين هذا العهد والعهد الماضي. سيدعمها قيادة وضباطاً وعناصر. سيعطيها حرية التحرك للقضاء على أعداء لبنان ضمن الحدود اللبنانية.
لا يغيب الوزير العوني عن الهبات لدعم الجيش، لكنه يعتبر أنه إذا لم نتوحّد، لا يستطيع فريق وحده حلّ هذه المعضلة. علينا تحديد مَن هو العدو، وعندها يصبح موضوع الهبة سهلاً. نحن نستطيع أن نتبرّع ونجمع أكثر من 3 مليارات. وحدتنا هي الأساس.
يبقى الأكيد أنّ رئيس لبنان القوي لديه زعامة مشرقية، خلق أملاً للمسيحيين في المنطقة كلها أنهم لا يزالون شركاء على الصعيد الوجودي. وصوله إلى سدة الرئاسة وعودته الى الشراكة رسالة معنوية لمسيحيّي الشرق، وبمثابة دفع تفاؤلي أنهم ليسوا مواطني فئة ثانية، لكن اطمئنانهم يكمن، كما يقول صحناوي في القضاء على الإرهاب والتكفير نهجاً وممارسة، والكلمة الفصل للميدان ونتائجه، بغضّ النظر عن تمثيل رئيس الجمهورية لبنان في المحافل الدولية.