سرّ صعود فرنسوا فيون؟

مصطفى حكمت العراقي

كما كان متوقعاً، أفرزت الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي، عن إبراز فرنسوا فيون مرشحاً وحيداً للرئاسة الفرنسية. وهو الأقرب والأوفر حظاً للوصول الى أسوار القصر الرئاسي، في باريس، بعد أن تعمّقت الخلافات في جبهة اليسار، حتى تكاد تعصف بكامل حظوظ اليسار، في الحصول على ولاية جديدة. إذ تشير بعض المصادر، إلى احتمال اتخاذ الرئيس فرنسوا هولاند قراراً بإقالة رئيس الحكومة مانويل فالس، إذا رشح الأخير نفسه ضدّ هولاند، في انتخابات اليسار التمهيدية.

فرنسوا فيون، الذي وصف بالمعجزة والذي جاء من بعيد، إذ كانت الانظار، في اليمين، محصورة بين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة الأسبق ألان جوبيه وكان فيون ثالثاً، الا أنّ المعجزة الجديدة وترامب الفرنسي، كما وصفته بعض الصحف الفرنسية، جاء من بعيد، حيث أطاح بساركوزي أولاً. والآن، جعل جوبيه يقطع أصابعه حسرة وندماً، إذ سحقه فيون بغالبية 76 في المائة، في فوز مريح ومبهر، لجهة النتيجة اولاً ومسار وصول فيون إلى أعلى اليمين ثانياً. كلّ ذلك، يرجعه البعض إلى من صنع فيون وجعله كما هو عليه الآن وهو مدير حملته الانتخابية باتريك ستيفانيني، الرفيق القديم لجوبيه والعارف به جيداً، بعد أن كان ذراعه اليمنى لوقت طويل، حتى قيل أنّ ستيفانيني لم يوافق على طلب فيون بأن يتولى إدارة حملته الانتخابية، إلا بعد استشارة جوبيه والحصول على موافقته، لأنّ جوبيه، وقتها، لم يكن بوارد دخول المعترك الرئاسي. وحين قرّر جوبيه الترشح، لم يتمكن من إعادة صديقه ستيفانيني للوقوف معه في حملته.

الداخل الفرنسي يعرف جلياً قدرات ستيفانيني الإعجازية، بقلب موازين القوى السياسية نحو المرشح الذي يريد. كما إنه يستشرف الواقع الانتخابي جيداً، فهو الذي جعل جاك شيراك رئيساً في 1995، قبل خمسة أشهر فقط من وقت الانتخابات، رغم أنّ شيراك أضحى متأخراً بأكثر من 30 في المائة عن باقي المرشحين. إضافة إلى الطفرات التي حققها في انتخابات المقاطعات الفرنسية. كلّ ذلك، جعل من فرص فيون عالية، رغم ابتعاد استطلاعات الرأي والتوقعات عن ترشيحه وتعرّضه لحملات تسقيط، كما حصل مع ترامب قبل الانتخابات الأميركية. حتى أنّ مسار التشويه قد يكون ذاته، لجهة القرب من بوتين ومعاداة الإسلام والعنصرية وغيرها من الاتهامات، التي تجاوزها فيون بخطابه الشعبوي وبرنامجه الاقتصادي واستفادته من أخطاء غيره وإعلانه التعاون مع الرئيسين بوتين والأسد، كشركاء أساسيين للقضاء على الإرهاب والهجوم المبطن تارة والعلني تارة اخرى، على دول الخليج. كلّ ذلك، جعل فيون مرحباً به في موسكو اولاً، اذ رحبت بترشحه، عن اليمين، الصحافة الروسية ووصفته بالشريك المثالي لموسكو، خصوصاً أنّ فيون يوصف بالكاثوليكي المضطهد في فرنسا، الذي يعادي مشاريع نزع المسيحية، في أوروبا وفرنسا بالذات وتحويلها إلى مقاطعات صهيونية، فهو يناغم، بذلك، المسيحية في روسيا. وسيسير معها في مشاريع أحياء المسيحية الأصلية، في أوروبا. لذلك، راهن فيون على اليمين الكاثوليكي المحافظ، الذي عانى كثيراً مع وصول هولاند للسلطة، فضلاً عما فعله ساركوزي من تشظ، جعل باريس منتهكة من الداخل، فضلاً عن تبعيتها لدول قد تكون أصغر من بعض القرى الفرنسية، في ملفات استراتيجية دولية.

فيون، انتهج من مسار الودّ لبوتين والأسد، سبيلاً ناجعاً لمداعبة مشاعر شعبه وصولاً لتحقيق حلم الرئاسة والتعاون المجدي مستقبلاً، لانه السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من المجتمع الفرنسي وعودة باريس حاكماً لا تابعاً. لذلك، كان الملف السوري حاضراً وبقوة، موازياً للملف الاقتصادي الفرنسي بين جوبيه وفيون. فجوبيه كان كأسلافه، يردّد شعارات خاوية خالية من المغزى الحقيقي وبعيدة عن الواقع، لجهة إعلاء الصوت والإجهار بالعداء لسورية، فضلاً عن الاستمرار في الحرب على الإرهاب، دون الاستعانة والتنسيق مع روسيا وسورية. فضلاً عن الاستمرار بدعم كيان أكل الدهر عليه وشرب ولم يبق سوى اسمه وكنيته، بمعارضة ليست سورية، بل هي معارضة متعدّدة الجنسيات، كانت ولا تزال واجهة لتحقيق حلم الإرهاب بالتمدّد أكثر في سورية واستعمال هؤلاء الدمى وسيلة لتحقيق ذلك. هذا ما آمن به جوبيه وما أعلن وسعى لتحقيقه، فكان مصيره السقوط بـ«لعنة الأسد» التي أسقطت كلّ من طالب وسيطالب مجدّداً الرئيس الأسد بالرحيل، فهو باق وهم يرحلون واحداً تلو الآخر.

أما فرنسوا فيون، فهو حفظ الدرس جيداً وجعل من دونالد ترامب مثالاً للوصول لما يريد، فكلماته الشعبوية والبعيدة عن الدبلوماسية ودعواته للتعامل مع الجميع، على ما تتطلبه المصالح الفرنسية ووعوده بالاستعداد للتنسيق مع الدولة السورية وجيشها وقيادتها المتمثلة بالرئيس الأسد، هي السبيل لوقف تدفق اللاجئين نحو فرنسا والحدّ من مظاهر الإرهاب وإيقاف نشاطاته بالقدر الممكن.

ما يمكن إيجازه، أنّ ما تحقق من انتصارات عسكرية باهرة في شرق حلب، لصالح الدولة السورية وحلفائها، عززتها تغييرات متسارعة في الغرب، لجهة ابتعاد مؤسسات صنع القرار التقليدية والتوجه نحو موسكو وحلفها، كقطب لكلّ من يريد الكسب. فعندما يعطي الفرنسيون أصواتهم لمن يجاهر بالتحالف مع الرئيسين الأسد وبوتين، نعرف أنّ قادتهم، اليوم، المعادين علناً لهذا المشروع، هم منفصلون عن الواقع وتابعون لأموال البترودولار. وبالتالي، فإنّ سقوطهم حتمي وبقاء من يطالبوه بالسقوط والتنحّي أصبح من الموجبات. ومن البديهي القول إنّ سورية الأسد باقية وهم زائلون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى