تعدّدت الدعوات والقرار واحد… رئيسٌ جبلٌ لا تهزّه رياحهم
هتاف دهام
يدرك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جيداً حقيقة المفاعيل الاستراتيجية التي أوصلته الى قصر بعبدا. يعلم جيداً أنّ رئيس حزب القوات سمير جعجع ما كان ليؤيده لولا ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. يعي أكثر أنّ الرئيس المكلّف ما كان ليؤيده لو لم يضع حزب الله الأخير في مسار رئاسي أحادي يؤدّي الى خيار رئاسي وحيد اسمه ميشال عون.
في ظلّ هذه الحقائق وصل العماد إلى قصر الشعب من ضمن مجموعة وقائع إقليمية ودولية تقول بوضوح إنّ اليمنيين نجحوا في الصمود بوجه الرياض سنة ونصفاً. انتقل الحوثيون من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. وضع هؤلاء السعودية على الأقلّ في مأزق المراوحة والتورّط في حرب طويلة. تسير القوات العراقية في خطى ثابتة نحو توجيه هزيمة استراتيجية لتنظيم داعش في العراق على ضوء معركتي الموصل وتلعفر واقتراب معركة الحدود السورية العراقية.
إنّ خطة الجنرال الدائمة بالتلازم والتزامن بين دخوله بعبدا رئيساً وتوقيت معركة حلب كادت أن تتطابق لولا فرق شهر واحد. انتخب الجنرال في 31 تشرين الأول. الجيش السوري وحلفاؤه بدأوا باستعادة حلب نهاية الشهر الحالي. كان فخامته يربط استراتيجياً فكرياً وعسكرياً بين تحرير حلب وإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
خيط رفيع يجمع بين هذه الأحداث وبين وصول الجنرال إلى سدة الرئاسة كترجمة واقعية لبنانية لموازين القوى على مستوى الإقليم. لكن من لحظة تسليم الخصوم بسقوط خياراتهم الرئاسية وذهابهم مرغمين لخيار فخامته كلٌّ لسببه معراب – بيت الوسط ، دخلنا معركة تظهير ما جرى.
إنّ التسليم بالخسارة فعلياً، رافق نظرياً وواقعياً انتقال هؤلاء وحلفائهم الإقليميين والدوليين، إلى مرحلة جديدة من المعركة اسمها تطويق الرئيس عون وتأليبه على حلفائه ومحاولة دق إسفين بينه وبينهم.
يراهن هؤلاء، أنّ العماد ما بعد دخوله بعبدا ليس كما قبله. الدليل على ذلك، حالة التغوّل السياسي التي يعيشها تنظيم القوات وإظهار نفسه وكأنه الشريك الأول والوحيد للعهد الجديد والإطلالات المتكرّرة للدكتور سمير جعجع لمحاولة كيّ وعي المسيحيين وإقناعهم بكونه المستثمر الوحيد في إنجاز إيصال عون إلى بعبدا.
يترافق ذلك، مع الاندفاعة الخليجية إلى بيروت وتطويق الجنرال بالحب في ظلّ تراجع الخيارات الإقليمية لهذا الفريق «المعتدل». خلق كلّ ذلك في الداخل نوعاً من القلق. هذا القلق هو تكتيكي. ما يجري الآن من وقائع سياسية ترافق تأليف الحكومة هدفه الأساس منع نفخ بعض الأحجام وتضخيمها واستئثارها. هذا يشكل قطعاً للطريق على تحالفات خطيرة تتراءى في أذهان البعض، ربطاً بالانتخابات النيابية المقبلة ومؤامرة تكريس قانون الستين.
المؤكد، أنّ لبنان لو انتُخب فيه رئيس جمهورية، لكنه ليس في معزل عن الصراع الأكبر وموازين القوى في المنطقة. كلام الأمير خالد الفيصل الواضح والمفاجئ والمحرج من بيت الوسط عن أنّ الزيارة الأولى لرئيس الجمهورية لبلد عربي ستكون للسعودية يثير الاستغراب والاستهجان في ظلّ اشتباك كبير تشكل فيه المملكة موقع الطرف المنحاز وليس الموقع المحايد رغم ما حمله تصريحه من إيجابيات تتعلق بأننا نريد لبنان ساحة وفاق بين العرب.
يؤكد قطب سياسي بارز لـ «البناء» أنّ أول زيارة لرئيس الجمهورية لبلد عربي لها رمزيتها. المتعارف عليه أنها تحصل تجاه سورية. إذا كانت زيارة دمشق محرجة، فهناك القاهرة، وكذلك زيارات إلى عواصم إقليمية وغربية: الفاتيكان، باريس، طهران… خيارات كثيرة أمام الرئيس سيقدم عليها وفق رؤيته الوطنية وانعكاساتها ومتطلبات المرحلة وما يخدم المصلحة الوطنية وفي طليعتها تسليح الجيش ودعمه.
يشير القطب نفسه، إلى «أنّ دمشق عائدة ولو رويداً رويداً. تظهر معركة حلب ولو على المدى المتوسط والبعيد انتصار مشروع وهزيمة مشروع آخر. وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، وحظوظ وصول فرنسوا فيون إلى الرئاسة الفرنسية في 2017، مؤشران الى هزيمة مشروع داعش. بدأ الرئيس السوري بشار الأسد ينفض غبار المعركة ويتجه إلى إعادة ترسيخ معالم دولته في ظلّ مشروع الإعمار الموعودة به سورية وعدد النازحين الهائل الموجود في لبنان لإعادتهم. يشكل هذان الملفان بوابة إيجابية ومدخلاً للرئيس العماد لتحقيق الإنجازات ربطاً بالإقليم إضافة الى شعار حرب الاستباقية على الإرهاب.
مع الإشارة إلى أنّ موفد الرئيس السوري بشار الأسد وزير الدولة لشؤون الرئاسة منصور عزام لم ينقل دعوة رسمية الى الرئيس العماد لزيارة دمشق. لا تريد الحكومة السورية إحراجه. تركت له هوامش المناورة وانْ كانت ترى بتبوّئه الرئاسة الأولى انتصاراً لخطها، كما هو انتصار للجنرال نفسه الذي قال يوماً إنه ينتمي الى المحور الذي يحقق الانتصارات تلو الأخرى. فمع انتخابه شهدت بلدة صيدنايا على غرار بلدات أخرى تعليق صور ضخمة للرئيس عون، تحت تمثال السيد المسيح في دير الشيروبيم، كُتب عليها «عماد المشرق».
يتفهّم حزب الله موقف رئيس الجمهورية المفترض أن يكون مرناً الى حدّ ما تجاه الدول الخليجية، وفق القطب السياسي نفسه. كلّ المكونات السياسية تشجّع الانفتاح على الخليج وزيارة الكويت وقطر والإمارات والسعودية. لكن أن تكون الزيارات في إطارها الطبيعي وليس في إطار الأمر، وكأنه تقدّم لطرف على الآخر.
عهد «فخامة» العماد أمام تحدّي استكشاف الكمائن التي توضع له باكراً من أطراف داخلية وإقليمية ودولية. قوى تنسق خطواتها معاً، كما يقول القطب نفسه. تريد أن تفرغ وتجوّف من الداخل الإنجاز الاستراتيجي بوصول الجنرال الى عرش الرئاسة.
الأكيد أنّ الرئيس عون لن يكون موضع شك أو تأثير. هو الضمانة التي سمّاها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بـ»الجبل». لكن الجنرال نفسه، كما يتذكّر القطب، يترك الوقائع لتكشف نفسها بنفسها ثم يأخذ موقفه الحاسم.
وكأنّ الرئيس «الجبل» يقول مع غاندي «أسمح للرياح أن تعصف بي من كلّ الجهات، لكن لن أسمح لها أن تقتعلني من محوري »!