الأحمد: على المثقفين التصدّي للأباطيل التي يحاول المتطرّفون بثّها حسون: الثقافة هي الكلمة التي تسمو بالإنسان فكراً وروحاً وعقلاً
رانيا مشوِّح
الكلمة أمانة وشرف وميثاق. وكما يمكن للكلمة أن تكوّن أمماً وتبنها، فبإمكانها هدم أمم وأجيال أيضاً. فإذا لم توجّه هذه الكلمة من الثقافة التي تعدّ العدوّ الأول للظلامية والجهل والإرهاب، فإنها ستعمل على نحو مغاير لما جُبلت عليه. وانطلاقاً من هذا، فإنّ الكلمة الحقيقية وقائليها مدعوّون إلى الاتحاد مع الثقافة، للوقوف في وجه التخريب والرجعية والاندثار. ومن هذا المنطلق، ركّزت الندوة الوطنية التي أقامتها وزارة الثقافة تحت عنوان «الثقافة في مواجهة الإرهاب»، بمشاركة باحثين ومفكّرين من سورية ولبنان، على ضرورة إطلاق مشروع ثقافيّ شامل في مواجهة التطرّف.
وتناقش الندوة التي أقيمت في دار الأسد للثقافة والفنون لمناسبة يوم الثقافة السورية، وتستمر يومين، محورين رئيسين هما: «منابع الفكر الإرهابي وأسباب انتشاره»، و«مرتكزات مواجهة الإرهاب ثقافياً».
الأحمد
ورأى محمد الأحمد وزير الثقافة في كلمة ألقاها خلال افتتاح الندوة، أن المثقفين المتحرّرين المتنوّرين هم المستهدفون من الفكر التكفيري الإرهابي. مستعرضاً أسماء شخصيات أدبية وثقافية وعلمية قضت على يد أصحاب الفكر المتطرّف بدعوى الدفاع عن الدين وهو براء منهم ومن فتاويهم السوداء الساعية إلى إخضاع الناس لأفكارهم المريضة.
وأكد الأحمد أنه يقع على كاهل المثقفين عبء ثقيل في التصدّي للخرافات والأباطيل التي يحاول المتطرّفون بثّها في عقول الناس للاستحواذ على أرواحهم وأفئدتهم. لافتاً إلى دور علماء الدين الحقيقيين في تأكيد طبيعة ديننا الحنيف المتسامحة وبناء الانسان المتنوّر. معتبراً في الوقت نفسه أن سورية وهي محور تلاقي الحضارات، لا يمكن أن تصبح ساحة لنشر الأفكار الإجرامية المتخلّفة.
وقال الأحمد: «لدى مؤسساتنا الثقافية والتعليمية عمل ضخم لترسيخ وتأصيل الفكر الإنساني المتنوّر والمتحرّر من الأوهام وتحقيق كل ما من شأنه أن يأخذ بيدنا إلى عالم أرحب وأكثر إشراقاً. في موازاة تضحيات جيشنا الباسل ومواجهته التنظيمات التكفيرية».
الصالح
وقال رئيس اتحاد الكتّاب العرب الدكتور نضال الصالح في كلمة له: إن السوريين يتشبثّون منذ نحو ست سنوات بالضوء ويحاربون الظلمة والجهل لأن بلادهم مهد للكلمة والانسانية والحياة منذ الأزل، ولم تحنِ قامتها، وعاندت إرادات الموت والفناء، فحق لها أن تكون ابنة الحياة للأبد.
وأوضح رئيس اتحاد الكتّاب أن المشاركين في الندوة مطالبون بالبحث عن الدور الذي يجب أن تنهض به الثقافة لمواجهة الإرهاب عبر تحديد منابع الفكر الإرهابي وأسباب انتشاره ومرتكزات المواجهة الثقافية للإرهاب. معتبراً أن السوريين الذين يدفعون منذ سنوات ضريبة الانتماء إلى الاعتدال وثقافة المقاومة والقرار الوطني المستقل قادرون على تحقيق هذا الهدف وتحصين الوعي.
المفتاح
من جهته قال الدكتور خلف المفتاح عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام في تصريح للصحافيين: إنّ الإرهاب والتطرّف يتحرّكان في مساحات الجهل ما يعزّز الحاجة إلى تشكيل ثقافة لمواجهة الإرهاب تقوم على تجفيف منابعه، من خلال خطاب ملتزم يقوم على المسامحة والمحبة، ويظهر الدين على حقيقته كبعد وعلاقة إنسانيين.
واعتبر المفتاح أن تعدّد أشكال الإرهاب الذي تتعرّض له سورية خلال الحرب التي تشنّ ضدّها من الفكر إلى الإعلام فالسلاح، يؤكد ضرورة إطلاق مشروع ثقافي على مستوى الساحات السورية والعربية والعالمية لتفنيد عناصر الإرهاب. داعياً إلى تولّي المثقفين والكتّاب والباحثين زمام إدارة هذا المشروع لتشكيل ثقافة اجتماعية نابذة للإرهاب والتطرّف مع التركيز على الجانب التربوي.
ودعا رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام القُطري إلى إطلاق منابر ثقافية ودينية تقدّم نموذجاً في إطار شراكة حقيقية لمواجهة الإرهاب ونشرها على الصعيدين العربي والدولي.
حسّون
وفي تصريح مماثل، قال مفتي عام الجمهورية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسّون إنّ المعركة في العالم اليوم معركة ثقافية. فدين بلا ثقافة جاهلية، واقتصاد بلا ثقافة احتكار، وسياسة بلا ثقافة ظلم وطغيان. والثقافة هي الكلمة التي تسمو بالإنسان فكراً وروحاً وعقلاً وديناً، والدين إن جُرّد من الثقافة غابت عنه كلمة اقرأ.
مداخلات
ويتضمّن اليوم الأول من الندوة قراءات لباحثين حول «الجذور الفكرية والعقائدية لظاهرة الإرهاب» و«الإرهاب أداة مشروع الهيمنة الصهيو ـ أميركي».
واستعرض الدكتور حسام شعيب الجذور الفكرية والعقائدية للإرهاب حتى القرن الثاني عشر الهجري على يد محمد بن عبد الوهاب اضافة إلى اتّساع الافكار الوهابية بدعم من الاستعمار البريطاني. حيث نشأت الافكار الإرهابية التكفيرية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ولفت شعيب إلى أن السلفية الجديدة التي تدعو إلى الخلافة الإسلامية اعتمدت عنصر الجهاد السياسي على رأس برامجها. حيث ظهر ذلك جلياً في تشكيل التيار الوهابي التكفيري في أفغانستان، ليظهر بعد ذلك في عدد من المجتمعات بأشكال مختلفة.
من جهته، وصف الباحث اللبناني جوزف أبو فاضل في مداخلته بعنوان «الإرهاب أداة مشروع الهيمنة الصهيو ـ أميركي» الإرهاب بأنواعه، و«التفكير الجهنمي بالعقل الشرير» الذي يعدّ أداة لمشروع الهيمنة الصهيو ـ أميركي من أجل تحقيق مصالحه المباشرة، بدءاً من العمالة العربية و«سايكس ـ بيكو» و«وعد بلفور» وقيام الكيان الصهيوني الغاصب والحروب «الإسرائيلية» المموّلة والمدعومة أميركياً ضدّ سورية ولبنان ومصر والعراق، إلى أحداث 11 أيلول التي يتذكرها المشروع الصهيو ـ أميركي وفق مصالحه، حتى احتلال أفغانستان والعراق ومشروع كوندليزا رايس «الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد»، وصولاً إلى ما نشهده اليوم ممّا يسمّى «الربيع العربي».
وأكد أبو فاضل وجوب مكافحة الإرهاب ومقاومته من البلدان العربية كافة وألا يترك الامر فقط على خط المقاومة والممانعة، إضافة إلى دور وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والإعلام والأوقاف والثقافة في تنوير المجتمع في ظل التحدّيات القائمة بالتنسيق مع الحكومات والأجهزة الأمنية والاستخبارية لمكافحة الإرهاب بطرق استباقية لمنع انتشاره.
واعتمد علي قاسم في بحثه بعنوان «تراجع المنهج العلمي في التفكير والتحليل» في الجلسة الثانية من الندوة على معادلة رياضية من طرفين والتي لا تحتوي على مجاهيل بقدر ما تضمّ مفردات تتعلق بالمساحة التي اخلتها طوعاً جميع مصادر ومكونات المنهج العلمي لصالح ما هو مناقض لها وأتاحت للخصم فرصة اللعب في الفراغات الناشئة.
ورأى قاسم أن الاشكالية تبدو حاضرة في العنوان من مفردته الاولى التي تجزم أو تحسم المشهد لصالح البت في قضية تعتبر الاكثر صعوبة وتنطوي على اشكالية فائقة التعقيد بحكم ما تطرحه من زوايا مسكوت عنها. معتبراً أن ذلك يعدّ في المحصلة تحدّياً من الصعب على أيّ باحث أن يتجاهل معه الواقع. معتبراً أن المحاولة هنا ليست في دحض وقائع ومؤشرات أو ردّ اتهامات، إنما في قراءة السياق الذي خلفته وراءها والتراكمات التي أدّت إلى استعصاء مزمن في فهم الحالة أو القفز فوق مخرجاتها، وصولاً إلى تشريح بسيط لمعادلة معقدة في النتائج.
وعن محور «تراجع الفكر الماركسي»، حاول الباحث عطية مسوح ان يتلمس في بحثه أسباب تراجع التاثير الفكري الماركسي في المجتمع العربي بالتزامن مع تراجع الفكر القومي والسياسي الليبرالي، ما أدّى إلى فراغ في الساحة الفكرية والسياسية العربية ملأته الافكار الرجعية التقليدية. مبيّناً أن تراجع هذا الفكر يعود إلى سببين، الأوّل يتعلق بالفكر ذاته كونه لم يتطوّر تكيّفاً مع معطيات العصر، وكون الماركسيين قاموا بتغليب بُعده الايديولوجي على طبيعته الفلسفية. والسبب الثاني يتعلّق بالقوى السياسية والمثقّفين الذين حملوا هذا الفكر من دون أن يمنحوه خصائص البيئة المحلية، ومن دون إدراك طبيعة التغيير الاجتماعي المطلوب في ظروف التخلّف والاستعمار والتجزئة.
وتحت عنوان «أسباب تراجع المشروع القومي» رأى الدكتور مهدي دخل الله هذا التراجع مقارنة بما كان عليه الطموح في الخمسينات والستينات يعود إلى أسباب تتعلق بتصعيد فعاليات القوى المعادية لهذا المشروع وأسباب تتعلق بعوامل الضعف لدى القوى الحاملة للمشروع القومي. مشيراً إلى التأثير المتبادل بين هذه الأسباب ما أدّى إلى تراجع المشروع القومي.
ولفت دخل الله إلى أن القوميين العرب هم المعنيون بمشروعهم ما يحتم عليهم في المستقبل معالجة عوامل الضعف في دينامياتهم باعتبار ذلك اولوية لمواجهة الديناميات المتصاعدة لدى القوى المعارضة للمشروع.
وتحدّث إلى «البناء»، الدكتور حسين جمعة أستاذ الدراسات العليا في جامعة دمشق ورئيس اتحاد الكتّاب العرب سابقاً، عن أهمّ المحاور التي دارت حولها الندوة فقال: هذه الندوة واحدة من الندوات الهامة جداً التي تركّز في موضوعين: موضوع الثقافة وموضوع الإرهاب. أين موقع الثقافة من مواجهة الإرهاب ومكافحته؟ ولذلك، أرادت أن تتّجه إلى الهدف. ما الذي يمكن أن تفعله الثقافة في هذا المجال؟ من هنا تأتي أهميتها ويتجلّى وضوحها. أتمنى لهذه الندوة على رغم وجود ندوات كثيرة، أن تحقّق الأهداف التي أقيمت من أجلها، لا سيما أنها شملت موضوعات عدّة. أولاً الموضوع الثقافي المهمّ الذي يبحث في جذور الإرهاب وعلاقة هذه الجذور أو هذا الإرهاب بالأديان. ثانياً، أن نصل إلى ثقافة حوار في نهاية المطاف، وأن نؤمن بالاختلاف، وكيف يمكن أن نوجّه هذا الاختلاف إذا لم يكن في هذه الندوة هذان الموضوعان فقط؟ فكيف إذا كان هناك موضوعات كثيرة؟ من هنا، أنا أشعر بأن ما يميّز الإنسان من غيره، الثقافة. وما يميّز الإنسان العاقل من الهمجيّ، أن يتحلّى بالحكمة في التعامل مع هذه الثقافة. ومن هنا نستطيع أن نقول إنّ الثقافة أس، إما بالانحراف أو بالتوجيه والإصلاح. لذلك، وجدت هذه الندوة من أجل أن نركّز على الانحراف لكي نتجنّبه، وأن نتوجّه إلى الإصلاح، وأن نضع ملامحه أمامنا لننبّه الأجيال القادمة إلى ما ارتكبته أيدينا نحن. لذلك، نتمنى أن تتجنّب الأجيال القادمة الذي يحصل في العالم العربي برمّته منذ ستّ سنوات.
وتتناول الندوة «مرتكزات المواجهة الثقافية للإرهاب» من خلال محاور العلاقة بين المواجهة الثقافية والمواجهة المسلحة ودور وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام ومواجهة الإرهاب، ومهام الدولة الوطنية التعدّدية والديمقراطية، وسيادة القانون وتعزيز مفهوم المواطَنة وترسيخه في الوعي الاجتماعي، وتنمية شعور الانتماء إلى الوطن وتعزيز ثقافة الحوار وقبول الاختلاف مبدأ في الحياة العامة ونحو خطة ثقافية لمواجهة الفكر الإرهابي.