نظرية النظام الجديد في غاية الحزب – 2

صبحي فريح

لقد تأسّست الحركة القومية الاجتماعية على مبادئ الوجدان القومي والعدل الاجتماعي في النظرة المدرحية إلى الحياة والكون والفن.

أ ـ يقول الأمين حيدر حاج إسماعيل في مفهوم المدرحية:

مبادئ الحزب تركّز على فكرة موقع الأمة كما هي بالمبادئ الأساسية سورية للسوريّين والسوريّون أمة تامة، والقضية السورية قضية قومية مستقلة، وهي قضية الأمة السورية، وهذه الأمة هي وحدة الشعب السوري المتولّدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجليّ، ولهذه الأمة وطن هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها وهي مجتمع واحد. وتستمدّ هذه الأمة روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي ومصلحة سورية فوق كلّ مصلحة.

وما المبادئ الإصلاحية إلا تطبيقاً للمبادئ الأساسيّة، ممّا يجعل الدولة هي المطبّقة والمنفّذة لهذه المبادئ من فصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخّل، وإزالة الحواجز بين مختلف المذاهب والطوائف، وإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج وإعداد جيش قوي يكون ذو قيمة في تقرير مصير الأمة والوطن.

فالمدرحية هي فلسفة الأمة مادياً وروحياً.

المادية هي المزيج البشري التي اختفت فيها كلّ حدود السلاليّة وتحسين واقعها البشري.

أمّا روح الأمة هي ظهور علاقة الأفراد الشعورية، شعورها بذاتها، تحقيقها ضمن مصالح الأمة وهي الناحية الروحية.

ويقول سعاده: أن يضيف الفرد إلى شعوره بشخصيّته، شعوره بشخصية جماعته، أمته، وأن يزيد على إحساسه بحاجاته إحساسه بحاجات مجتمعه، وأن يجمع إلى فهم نفسه، فهمه نفسية متحده الاجتماعي وأن يربط مصالحه بمصالح قومه، وأن يشعر مع ابن مجتمعه ويهتم به ويودّ خيره كما يودّ الخير لنفسه.

إنّه الاتحاد في الحياة، الدورة الاجتماعية الاقتصادية هي عملية نامية متكاملة، فالأمة ليست الأرض والإنسان فحسب، وهما عاملا نشوء الأمة، بل هي أيضاً هذه الحركة الدينامية الاجتماعية المستمرة بالاتحاد بالحياة وبالوجدان الاجتماعي المشترك بين أبناء الأمة، فتولد القومية التي هي روح الأمة الواحدة أو الشعور الواحد المنبثق من الأمة من وحدة الحياة في مجرى الزمان.

ويفسّر الأمين حيدر المدرحية بكتابه «الفلسفة المادية المدرحية»، فيقول: «فلسفة سعاده المادية الروحية هي فلسفة نهضة الوجود الاجتماعي القومي، أيّ الأمة من حيث مادتها ومن حيث روحها، وليست فلسفة الروابط والعلاقات والمظاهر الاجتماعية الطبيعية، فالفلسفة المادية الروحية هي الفلسفة القومية الاجتماعية الموجودة في المبادئ، هي فلسفة الأمة لجهة نهضتها، والتفاعل هو تفاعل القوى الإنسانية التي تتألف منها الأمة، أو تتفاعل الأمة بقواها الإنسانية، كما هو تفاعل الأمة مع الأرض.

إنها وحدة التفاعل البشري المادي الروحي وبالشعور الموحّد، لذا يقول سعاده: «إنّ كيان النفس هو في الوجود، ولأجل الوجود مهما كانت طبيعة الوجود في ذاته، ومهما كانت علّته وليس لأجل الفناء في وحدة الوجود».

لذلك يعتبر التسامي وراء الوجود وحدة روحية والتسامي ضمن الوجود وحدة مادية.

إذن مفهوم المدرحية لدى الأمين حيدر هي:

الفكرة المركزية هي فكرة الأمة، وتكون المدرحية فلسفة نهضة الأمة مادياً روحياً ذلك لأنّ مادة الأمة عند سعاده ومن منظوره العلمي الاجتماعي هي الحقيقة المادية الاجتماعية.

وهذه حقيقة واقعية من خلال مزيج لسلائل بشرية ومجموعات إثنية، مزيج ينشأ عن تفاعلها عبر الزمان والمكان، وليس واقع سلالات واحدة.

والروح هي القومية، الشعور القومي المشترك، الفلسفة المدرحية هي الفلسفة القومية، وهي ذاتها المبادئ القومية الاجتماعية، وبفضل اعتناقها من قِبل السوريين القوميين وتطبيقها يتحقق النهوض القومي من جميع العقليات العنصرية أو الطائفية.

ب ـ ويجتهد الأمين الراحل إنعام رعد في تفسير المدرحية فيقول:

المدرحية هي القومية الاجتماعية في نطاقها الفلسفي، إذ إنّ انطلاقها من المجتمع وتفسير تطوّره يؤكد وحدة تفاعل القوى المادية الروحية النفسية في التطور الاجتماعي.

والتفاعل هو محور المدرحية ومحرّكها، فتنهض مقولة التفاعل كمقولة أم لكلّ الفلسفة القومية الاجتماعية. ورأيه هنا يخالف رأي الأمين حيدر.

فالتفاعل هو بين الجماعة والأرض، الجماعة المتفاعلة داخلياً مع البيئة الطبيعية المحيطة بها.

فالمدرحية هي وحدة العوامل المادية الروحية التفاعل هو الذي يجعل الأمة موحّدة المصالح والمصير، والعوامل النفسية المادية والنظام الاجتماعي هو دائماً حاصل تفاعل الناس والبيئة بطريقة معيّنة، ومسألة النظام الجديد عند سعاده أساسيّة، وهي فلسفة التاريخ والتطور الاجتماعي، ويعتبرها لازمة لكلّ مرحلة من مراحل تطوّر التفاعل بين الإنسان والبيئة، فكلّما خطا خطوة متقدّمة بهذا التفاعل احتاج إلى نظام جديد.

إذاً، نظرية التفاعل لدى مفهوم الأمين رعد هي النظرية المدرحية القائمة على قطبيّ الأرض والإنسان الذي يحتاج إلى نظام جديد ليستوعب خطوات التفاعل. ج ـ اجتهد الرفيق يوسف مروّة في مفهوم المدرحية، فيقول:

إنّ مدرحية سعاده تبدأ بالإنسان وتنطلق منه وتنتهي به ككائن موجود حيّ، أمّا المسائل التي تتعلّق بمصدر الحياة ومن أين جاء الإنسان إلى الأرض وما هو مصيره بعد الموت، فهي مسائل تقع خارج نطاق المدرحية.

فالمدرحية تركّز على حياة الإنسان في المجتمع من مهده إلى لحده، وهي تعتبر الكائن المدرحي متصلاً كاملاً من الحياة والمادة والروح والنفس والعقل والذات والإدراك والوعي، ولا يمكن تجزئته والفصل بين عناصره وظواهره.

فيرى المادة والروح مرتبطتان معاً برباط أساسي طبيعي لا يمكن الفصل والتمييز بينهما في مجرى الحياة الإنسانية، فالمادة في كيان الإنسان ليست لها كينونة منفصلة ومستقلة، كذلك الروح في هذا الكيان نفسه ليس لها كينونة منفصلة ومستقلة.

ولكن المادة والروح مجتمعتين ترتبطان معاً ارتباطاً أساسياً جوهرياً طبيعياً عميقاً، وتشكلان معاً المتصل المدرحيّ الموحد الجامع لقوى الإنسان الذي يشمل الحياة والإنسان والكون. المصدر حيدر حاج إسماعيل .

د ـ تفسير الأمين مصطفى عبد الساتر كما ورد في كتاب الفلسفة المادية الروحية للأمين حيدر، يقول:

إنّ النظام الاجتماعي هو دائماً حاصل تفاعل الإنسان والطبيعة أو البيئة، وهو تفاعل مجموعة من البشر التي تقطن أرضاً معيّنة محدّدة مع بعضها تفاعلاً حياتياً مشتركاً بشعور وحرص على وحدة المصالح والأهداف، فتتكوّن الأمة ضمن حدود الطبيعة التي يميّزها عن غيرها من الأمم، ويضيف:

«إنّ سعاده يقول بأسبقية العوامل المادية على العوامل الروحية العقلية، وإنّ موقعه هو وحدة روحية مادية غير منفصلين ايّ موقعاً مدرحياً .

فسعاده رفض المادية كنظرة في تفسير التاريخ.

إنّ المدرحية هي من جانب تفسير للتطوّر البشري التاريخي، وهي أيضاً عقيدة، فلسفة معيّنة للفعل المتفاعل في الأمة، وهي أيضاً نظرة في كيفية بناء وتنظيم المجتمع.

ويستشهد بقول سعاده: «إنّ سعاده الذي رفض التفسير الروحي والتفسير المادي لتطوّر الإنسان، وقال إنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس مادي روحي، وإنّ الإنسانية المتفوّقة هي التي تدرك هذا الأمر وتبني صرح مستقبلها عليه لتتمكن من تكوين فلسفة جديدة تنفذها من تخبّط الفلسفات الجزئية المادية منها والروحية.

وهذه الفلسفة هي فلسفة التفاعل الموحد الجامع للقوى الإنسانية.

فالمدرحية هي نظام يستلزم منّا من جهة أن نضع ترقية وجودنا على الصعيد الروحي النفسي العقلي كغاية أخيرة لترقية وجودنا على الصعيد المادي، ويستلزم من جهة ثانية أن يكون غايات اقتصادية ترفع مصالحنا الأساسيّة في الحياة ضمن الوجود.

إنّ التسامي بالوجود هو ضمن الوجود لا خارجه، وهذا التسامي هو شأن مادي بالقدر الذي هو فيه شأن روحي، سعاده.

وإذا كان سعاده يعطي أسبقية للعوامل المادية فهو لم يتبيّن النظرة المادية المنافية لأهمية العوامل الذاتية الشخصية ، فأسبقية العوامل المادية لا تعني أنّها كلّ شيء في عملية التطور، وأنّ علاقة الإنسان بالعالم هي علاقة تفاعلية جدلية.

وعلاقة الإنسان بالطبيعة علاقة جدلية، فالطبيعة تؤثر بالإنسان إيجابياً وسلبياً، وتقدّم له الإمكانيات فيأخذها ويطوّرها وتتحداه، أو يردّ التحدي فيخرج للسيطرة عليها وصانعاً أوضاعاً مادية جديدة لحياته فيصل إلى نظام جديد بغاية التقدم والتطور.

هـ ـ هشام شرابي كان عميد الثقافة ونشر بحثاً في عام 1953 في مفهوم المدرحية، فيقول:

إنّ الفلسفة القومية الاجتماعية هي خط واتجاه وقاعدة انطلاق في شتى المجالات الفكرية والثقافية والفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصف هذه الفلسفة المدرحية بالصفات الأربع التالية، ومن دون البحث في مفهوم المدرحية، وهي:

أ ـ اجتماعية:

إنّ الفلسفة القومية الاجتماعية تبدأ في المجتمع وتنتهي فيه، وكلّ ما هو خارج نطاق المجتمع وحياته وشؤونه ليس من اختصاصها، فهي تتناول كلّ ما يتعلّق بالمجتمع سواء في نشوء المجتمع وتطوّره ونظامه أو في كيفية نشوء الفكرة القومية، أو كيفية انبثاق النفسية الاجتماعية ونظرتها للنظام الأفضل.

والحركة القومية الاجتماعية تهتمّ بالقيم المناقبية أساساً للنهضة القومية التي لها نظرتها في الكون والفن والحياة، وهي حاصل نشأة الأمة تاريخياً في تفاعل اجتماعي ثقافي مادي روحي في جميع مجالات الحياة المشتركة، إنّ الحركة القومية تقول بالأمة والولاء القومي، واجتماعية لأنّ غايتها الاجتماع الإنساني في بيئته الطبيعية.

ب ـ عقلية الفلسفة القومية الاجتماعية:

لقد وضعت العقل والواسطة والمقياس والمرجح الأخير لجميع المسائل التي نواجهها، إنّه الشرع الأعلى وهو مرتكز الحياة وتطوّرها، والمنفتح علماً على التغيير والنمو والمتصاعد في شؤون الحياة بكاملها بالتوافق مع حاجات المجتمع.

إنّ فعل العقل في حياة الإنسان المبدع والخلّاق، وبالذكاء والثقافة في مكان وزمان معيّنين منسوباً إلى وقائع الأحداث هو صراع لتحقيق حياة أسمى وأفضل حياة مادية روحية.

إنّ العقل خلاصته الإبداعية الحضارة المتقدّمة. إنّه موقف ومجابهة وصراع، فقد نما العقل السوري في بيئته الطبيعية، فهو يحمل خضمّ التفاعل البشري صفات وخطوط النفسية والطبيعة السورية، لذا قال سعاده في المبدأ الأساسي: تستمدّ النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي.

لهذا كان للعقل السوري خصائص وميزات نبوغه بالفلسفات والأشعار واختراع الأبجدية وحرث الأرض ومخر البحر، وهذه مظاهر نشاط وفكر العقل السوري العميق.

ج ـ مناقبية الفلسفة القومية:

ليست المناقب السلوك الحسن والأخلاق الحميدة. فالمناقب أمر داخلي تنبثق عن تفتّح عميق في النفس، إنّها يقظة في صميم الإنسان تثير قوى مميّزة للقيم تسعى لتحقيقها.

في الوعي المناقبي عاملان اثنان، هما:

قطبا الاستجابة للقِيم الفعل والإرادة، الفعل هو النفس بكامل خصائص الإنسانية المدرّبة، والوعي العقلي ليس وقفاً على التحصيل وحسب، إنّه يتعدّى حدود المعرفة الفكرية.

النصر الحتمي

وأضيف، لقد برهن سعاده على صحة هذا المبدأ المناقبي عندما عمل لتنفيذه فأوقف نفسه على الحزب صراعاً ونضالاً واستشهاداً بالرغم من مرضه وفقره وخيانة بعض أعضائه، فقد واجه الموت وهو يبتسم وبوقفة عزّ لا مثيل لها في التاريخ.

فصارع المرض بقوة وعناد، وكان يعمل لوحده مع رفقاء قلائل، ومصارعاً الفقر لأنّه لم يكن يملك شيئاً، وهو القادر أن يملك كلّ شيء كما صارع الانحراف والحنث باليمين وخباثة بعض معاونيه، بهذه الصفات أسّس سعاده عقلية مناقبية جديدة مصارعة بإرادة حرة متجدّدة ومستمرة.

وكان لصراع سعاده وصفاته المناقبية التضحية وصبراً صراعاً مرضاً فقراً أعظم قدوة، فبثّ في القوميين روح الحياة «انكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ»، إنّه يبشّر القوميين الصابرين والمجاهدين المؤمنين بعقيدة سعاده بالنصر الحتمي.

د ـ الفلسفة القومية الاجتماعية قاعدة انطلاق:

هي فلسفة حركة ونمو وانطلاق، فالتعاليم القومية الاجتماعية تقدّم القواعد والخطوط العامّة التي تعبّر عن الحقيقة السورية.

إنّ النظرة إلى الحياة والكون والفن عند الأمم لا تحصل بعامل الصدفة، بل تحصل بعامل النشأة التاريخيّة التي مرّت بها كلّ الأمم المتحضّرة في تكوينها ونشأتها وسيرها في مجرى التاريخ تمرّ في تفاعل إنساني يسبغ عليها شخصية معينة وثقافة معيّنة وعقلاً معيّناً.

والقوميون هم أمل الأمة الوحيد، وهم الوحيدون الذين يحملون المثل العليا والنظرة إلى الحياة والكون والفن التي غرسها سعاده فيهم، وهم الذين تغلّبوا على الضعف والجبن والانخذال في وجه الضغوطات والآلام، وقد نزلت بالحركة نكبات عديدة منذ نشأتها ولنصف قرن من الزمن، فلو نزلت بغيرها لزالت من الوجود.

لقد جابه القوميون الموت في سبيل مبدأ وعقيدة إنها النهضة رمز الحياة الجديدة.

و ـ الأمين عدنان أبو عمشة في كتابه «سعاده الفلسفة القومية الاجتماعية»، يقول إنّ للعقيدة القومية تسع صفات هي:

قوميّتها، اجتماعيّتها، وأصوليّتها، وإنسانيّتها، وعقلانيّتها، ومدرحيّتها، وحركيّتها، ومستقبليّتها وعلمانيّتها.

لذا نجد أنّ المدرحية هي صفة للعقيدة لدى الأمين عدنان، ويقول: تضع المدرحية مذهب سعاده الفلسفي الوجود كتفاعل غير متناهٍ بين المادة والروح، لهذا يُفترض توضيح دلالة كلّ من مفهومي المادة والروح كما يفهمها سعاده، وأنّ استعمال سعاده للتعابير مادة ماديّ عوامل مادية يقصد بها الإشارة إلى طرق الإنتاج وطرق تنظيم العمل، ايّ الوسائل التي يستعملها الإنسان للحصول على ما يسدّ حياته، أمّا العوامل الروحية كما يرى، يدلّ عليها بتعابير الحياة النفسية الحياة العقلية نفسية المجتمع.

ويصف المدرحية:

إنها فلسفة واقعية غير غيبية، وأنها تنظر إلى الكون والعالم بأجمعه.

المدرحية ترى أنّ جوهر الوجود واحد، وأنّه سموّ وأنّ الأساس الذي يرتكز عليه الوجود هو جوهر الفرد الواحد العام، وإنّ لهذا الجوهر الفرد مظهرين يتّخذهما وهما المادة والروح. حيدر والفلسفة المادية الروحية .

ثانياً: الديمقراطية التعبيرية

هذا البحث طويل وقد نُشر في جريدة «البناء» بالعدد رقم 658 تاريخ 19/11/1988.

ثالثاً: المناقبية

شمولية النظام الجديد المناقبية:

المناقبية ليست الأخلاق العادية من صدق وأمانة وتديّن وحسن معاشرة وتعاون على الخير وحسب، وإنّما هي أكثر من ذلك بكثير. هي:

البطولة أي التضحية.

هي الغيرية ومحاربة النزعة الفردية.

هي الصراع لأجل الحياة المثلى وتحقيق النهضة القومية.

هي الصبر والإيمان بالقضية.

هي تحمّل الشدائد والنكبات بدون ضعف أو تخاذل.

هي إعلاء المصلحة العامة مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة.

إنّ النظام الجديد غايته تأسيس عقلية أخلاقية جديدة مناقبية قومية لمصلحة المجتمع وليس لمصالح ومنافع خصوصية.

وهو وسيلة لتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون، وتخليصها من العقائد المهترئة والسفسطات الخرافية.

وإنّ أول صفات النظام الجديد البطولة التضحية.

إنّ سعاده بأعماله وبطولته ونضاله وصراعه ضدّ الخوف والجبن، ضدّ الفقر والمرض، ضدّ الفئات الرجعية والطائفية والمتزمّتين فيها ضدّ الانحراف الإداري والعقائدي ضدّ الفساد الذي أصاب الحزب أثناء اغترابه القسري، والذي دأب على اجتثاثه أينما وجد وكيفما حدث.

سعاده كان قدوة في أعماله وأخلاقه ومسيرة حياته التي أوقفها كليّاً على الحزب كانت محور حياته ووجوده وعمله، هو حركة الحزب ولم يعرف طعم الراحة ولا ملذات الحياة كما يعرفها الإنسان العادي، كانت حياته مشدودة بخيط لا مرئيّ إلى هدف واحد استحوذ كلّ وجوده واهتمامه، كلّ طموح ورغبة أحسّ بها، كلّ أمنية رمى إلى تحقيقها، وكلّ علاقة أقامها ارتبطت بهذا الهدف الواحد. حياته لم تكن ملكه، ولم يكن يملك شيئاً، عاش فقيراً ومات فقيراً خلافاً لكلّ قادة الأحزاب والسياسيّين ولم يكن يملك العيش المريح والمركز المرموق لم يكن يعني له شيئاً، كان ثرياً برؤياه، لم يكن سعاده يملك حياة خاصة يفقدها فقد نسي نفسه لتحيا سورية. شرابي

لقد حرّك سعاده في أعماق قلوب القوميين وعقولهم ونفوسهم قيم البطولة، والصبر والقوة والعزّة والكرامة والصراع وإعلاء مصلحة المجتمع والإخلاص والتفاني لها.

إنّ إيمان سعاده العظيم بقضيّته وبأمته وبعقيدته التي قام عليها وجود الحزب هي قضية تساوي وجودنا، ولا وجود لنا إلا بها، وقد وقف أعضاء الحزب كلّ وجودهم عليها ومن أجلها، إنّها قضية الأمة.

فحمل تلامذته وجنوده هذه القضية التي آمنوا بها وبسعاده، وآمنوا أنّ كلّ عقيدة تضع على أتباعها المهمّة الرئيسية الطبيعية الأولى التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها، وكلّ ما دون ذلك باطل، فدعا سعاده القوميين لهذه المهمة، دعاهم وبروح المحبة والإيمان الذي غرسه في قلوبهم إلى البطولة التضحية إلى أن يمارسوا البطولة ولا يخافوا الحرب بل يخافوا الفشل.

إنّه يضع أمامهم قوة الرجولة والكرامة في عملية الفداء والإقدام على التضحية، وحذّرهم من الفشل الذي يمسّ صفات العزّة والإباء والكرامة.

نفخ سعاده في القوميين الروح الاجتماعية، الشعور الاجتماعي والإيمان التوحيدي بقضية الأمة التي فداها بدمه، فكان قوله: «إنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها»، هو فعل الإقدام على التضحية بدمه فسار إلى الشهادة برباطة جأش لا مثيل لها، لأنّ الحياة هي وقفة عزّ فقط، ولأنه تعاقد مع القوميين على أمر خطير يساوي وجودنا وهو النضال والجهاد.

وهو المؤمن بالنصر الآتي، حيث يرى أنّ شهداءنا يمثّلون أول انتصاراتنا الكبرى، انتصارات معنى الحياة على مجرّد الوجود، انتصارات أنّ الحياة في مبادئها وغاياتها.

وأكّد سعاده أنّ حزبنا قد افتتح عهد البطولة الشعبية الواعية المؤمنة المنظّمة، إنّها المقاومة الشعبية العقائدية التي تسير إلى الحرب ومقاتلة الأعداء هي المنتصرة، وهي عماد الوطن وحصنه، وهي مُستقاة من القوة الحقيقية التي برزت في مسيرة الحزب التاريخية والتي سطّرت فيها البطولات والتضحيات.

ويرى سعاده، أنّ «الشهادة ضرورة وجوبية لتحقيق أهداف الأمة حيث يشاهد بعينه الثاقبة وببصيرته النافذة وبمعرفته الواعية أنّ حالة الأمة والوطن لا تزال عينها أمام الاستعمار، والتي تستدعي التوجيه الكلّي إلى ميزة أولية سابقة هي ميزة الحزب الدائمة في حياته ونهضته العظيمة، هي ميزة البطولة».

لهذا نجد البطولات القومية والصمود والصبر على التشريد والملاحقات والسجون، وبالشهداء من عام 1635 إلى عام 1949 إلى عام 1955، إلى عام 1958 إلى عام 1962، ثم في أعوام الحرب الأهلية في لبنان منذ عام 1975 حتى عام 1989، إنّ هذه البطولات عزَّ نظيرها في تاريخ هذا الشعب وفي الحركات السياسية بالعالم.

فالأخلاق المناقبية هي فعلاً وجود الوجوب البطوليّ ووجوب الوجود الإيمانيّ.

إنها فلسفة الحياة والموت، إنّها فلسفة التضحية والفداء لمصلحة الأمة نحن نبذل أنفسنا أفراداً في سبيل تحقيق الغايات السامية لأمتنا.

لهذا قال وبإقدام وجرأة المقاتل المؤمن الذي لا يهاب الموت: «نشأنا نبحث عن القتال ولا يبحث القتال عنّا، نشأنا وفي نفوسنا عزّ هو كلّ معنى وجودنا ولسنا بمتنازلين عن معنى وجودنا لشيء في العالم».

إذاً، إعلان الحرب والقتال والمقاومة هي وسيلتنا وسلاحنا القويّ الأمضى لاسترداد حقوقنا وأرضنا المغتصبة في الشمال والجنوب ووسط سورية الطبيعية، وسعاده يبعث في نفوس القوميين العزّة والكرامة ويثير فيهم وبنفوسهم الصراع والاستمرار بالجهاد لاسترداد هذه الحقوق التي لا يمكن لأيّ فئة من الشعب التنازل عنها.

إنّ توجّه سعاده للقوميّين بالإيمان المنتصر وبالقتال المعاند وبالصبر حتى استرجاع الحقوق يحرّك في الأعماق ناراً هائلة تحمل إلى النفس كلّ معاني الصبر والقوة والبطولة والتضحية، فما أعظم قوله المثير والمحرّك لقدرة الإنسان، «إنّكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ». إذاً، هنا حرب وقتال وتضحية وصبر حتى الانتصار الذي لا مفرّ منه.

وقد اعتمد سعاده في قتال الأعداء ولتحقيق النصر على القوة التي هي القول الفصل في إحقاق الحق أو إنكاره.

لأنّ استرجاع الحقوق وتقرير مصير الأمم لا يحصل إلّا بفضل البطولة المؤمنة التضحية .

وقد ثبّت سعاده مقولة القوة والجهاد وقتال الأعداء بقوله: «نحن حزب قتال قبل كلّ شيء، أيّ لتحقيق مطالبنا القومية ومن حيث أنّنا حزب قتال نحن حزب رويّة في القتال، نملك أعصابنا فلا يستفزّنا مستفزّ ساعة يشاء».

هذا الكلام هو استراتيجية الحرب التي يتقيّدون فيها ويعتمدون عليها في فنون الحرب، حيث لا يستجرّ الجيش إلى القتال في زمن أو مكان يعيّنه الأعداء، إنما نحن الذين نحدّد ساعة الحرب ومكانها وغايتها وبرويّة وتعقّل وفهم للواقع والأحداث ولمواقف الدول، فالحرب نتيجتها الشهادة بـ»أننا نحب الموت متى كان الموت طريقاً للحياة»، ايّ موت الأفراد استشهاد المحاربين لأجل مجموع الأمة.

فالقوميون المقبلون على الشهادة كان لهم سعاده قدوة سابقة على التضحية، لهذا كانت قوّتهم وتضحيتهم تعتمد على هذه البطولة والمزوّدة نفوسها بالعقيدة الصحيحة وبشدّة الإيمان فيها وصلابة الإرادة ومضاء العزيمة، هذه المناقب التي أراد سعاده بثّها في نفوس القوميين وفي قِيمهم المثالية التي تتسامى في الروح والإيمان على جسدها الذي يفدي الأمة بدمها، فقال: «نحن جماعة لم تفضّل لا أنا شخصياً ولا واحد من هذه الأمة الناشئة كلّها يوماً أن تترك عقيدتها وإيمانها وأخلاقها لتنقذ جسداً بالياً لا قيمة له».

وفعلاً، قدّم سعاده دمه ولم يفضّل العيش وبإغراءات كبيرة على ترك عقيدته وإيمانه فأبى وأقدم، لهذا آمن أنّ موته شرط لانتصار القضية، وآمن أنّ حزبه سيحقق النصر، أنا أموت أمّا حزبي فباقٍ لأنّ الحياة كلها وقفة عزّ، ولأنه أتمّ رسالته وختمها بدمه.

هذه الصفات التي يتحلّى بها سعاده هي مراتب التضحية والثقة والإيمان بعقيدته وبالقوميّين، هي صفات عالية لا مثيل لها ويندر من الرجال بالتاريخ أن يكونوا مثل سعاده العظيم.

هذه هي المناقب التي تحلّى بها سعاده، وكان قدوة لجميع القوميين فأسّس عقلية أخلاقية إيمانية تضع مصلحة الأمة فوق المصالح الخاصة وتضحّي في سبيلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى