جورج خبّاز لـ«البناء»: بالحبّ والحبّ وحده… نحيا في الإنسانية!

حاوره: أحمد طيّ

تتحدّث إليه، فتشعر بتلك الراحة المتأتّية من بشاشةٍ تهدم حواجز الكلفة، وما يتجشَّم من أَنواع المجاملات. فتجده هو هو، على شاشة التلفاز أو على خشبة المسرح، أو في الحياة اليومية العادية. فتطمئنّ لكونك أمام ممثل بارع، لا بل محترف حدّ الإبداع، كونك تلمس في جوّانيتك، الصدقَ المطلوب لأداء أيّ دور تمثيليّ.

هو جورج خبّاز، الفنان الشامل، والشيخ الحكيم في عزّ شبابه، استضافه منبر «البناء» قبيل عرض مسرحيته الجديدة بدءاً من الأربعاء المقبل 7 كانون الأول على خشبة مسرح «شاتو تريانو» ، والتي حملت عنوان «بالكواليس». ومعه ولجنا كواليس «بالكواليس»، لنلمّ ببعض ما قد يشوّق عشاق المسرح عموماً، وعشّاق مسرح جورج خبّاز خصوصاً.

عن المسرحية الجديدة يقول صاحب «مش مختلفين»: بالكواليس» مسرحية يشهد على أحداثها جناحٌ في أحد الفنادق، تسكن فيه مطربة مشهورة مع زوجها، إذ تغنّي في ذلك الفندق، ولا حياة زوجية صحّيةً سليمةً بين تلك المطربة وزوجها، بسبب توقيعها على عقد مع المنتج، يمنعها من إنجاب الأولاد لخمس سنوات. كما أنّها محاطة بأبناء السوء، من المنتج السيّئ، إلى الشاعر الرديء، والمخرج الرديء، إلى المسؤولة الإعلامية الرديئة، ومدير الأعمال الرديء.

في المسرحية، نتحدّث عن كواليس هذا الـ«كوبل»، خصوصاً أنّ الزوج أطلق ثورة على نفسه، وقرّر أنّه لم يعد يريد هذه الحياة البائسة المليئة بكلّ ما يجعل المرء حزيناً.

«بالكواليس»، مسرحية لا تتحدّث فقط عن كواليس الفنّ، بل عن كواليس المجتمع، كواليس النوايا، وكواليس ذهنياتنا المتخلّفة. المسرحية تعرّي المجتمع من قشوره ومن المصالح الضيّقة، وتسلّط الأضواء على أمور كثيرة في المجتمع، تخلق لنا التوتّر والضغط، ولا نشير إليها، إنما ـ بِصَمْتنا ـ نتركها تؤثّر على مجريات حياتنا اليومية سلباً.

هذه المسرحية فخور بها، وأشعر بأنها مميّزة ونقلة نوعية، إن كان من حيث سَكْب النصّ، أو من ناحية الإيقاع الذي سيكون بطيئاً أكثر من المسرحيات السابقة، أو من حيث الأغاني التي ستكون مختلفة كما الاستعراض، إضافةً إلى أنها تحوي جرعة زائدة من الكوميديا، لأنّه من المضحك المبكي أن كواليس مجتمعنا كافة، مضحكة، لأن هذا المجتمع مليء بالعبثية.

كثيرون يتّهمون جورج خبّاز بالتكرار، وقلنا مراراً إنّ صاحب مسرحية «الأول بالصفّ» لا يكرّر إلا حيث وجب التكرار، وذلك من أجل التركيز على مشكلة ما أو لوثةٍ تودي بالمجتمع إلى الدَّرك الأسفل. وعن هذه «التهمة» يقول خبّاز: هناك فرق بين التكرار والهوية. في التاريخ، الجميع اتّهموا شارلي شابلن بالتكرار، ورجموا شوشو علاء الدين بتهمة التكرار، ووصموا الأخوين الرحباني بالتكرار، ووُودي آلن بدوره لم يَسْلَم من هذه التهمة. ولكن هؤلاء المبدعين الخالدين جميعاً ـ وهنا لا أشبّه نفسي بهم بل أعدّهم مدارس فنية أنهل من مَعينِها دائماً ـ هؤلاء أثبتوا ـ مع الوقت ـ أنّ ما قدّموه من أعمال تُعَدّ تحفاً فنية، ليست تكراراً بل هويات حملوها. التكرار يكون في المضمون لا في الشكل. إذا كنتَ تعمل مع الفريق نفسه، وبالروحية ذاتها، فهذا لا يُعدّ تكراراً، بل إنّ ذلك ـ ومع الوقت ـ يثبّت هويّتك، يثبت شخصيتك الفنية.

ويتابع مَن أضحكنا حتّى الثمالة في «هلّق وقتا»: هنا تجدر الإشارة إلى أنّ قليلين من النقّاد «يقفشون» الفرق بين التكرار والهوية. علماً أن لا نقّاد حقيقيين محترفين متخصّصين لدينا، إلا في ما ندر. وبذلك، أجدُني فخوراً بما أقدّم إن اتُّهِمت بالتكرار، كون هويّتي في طريقها إلى الثبات.

وعن بطلة مسرحيته الجديدة يقول خبّاز: ثمة ضيفة جديدة اسمها ستيفاني عطا الله. وهنا أنوّه أنني متّهَم أيضاً بأنني لا أشجّع الوجوه الجديدة، وأنني أعمل مع مجموعة واحدة دائماً، ومع مبدعين مخضرمين مثل عمر ميقاتي وبطرس فرح. هذه المرّة وددت أن أثبت لدى الجميع أنني أدعم الوجوه الجديدة وأمنحها الفرص، مثلما دعمت في المسرحية السابقة «مع الوقت يمكن» الممثلة الشابة ناتاشا شوفاني بدورٍ أساسي. وهذه السنة، سيشاهد الجمهور موهبةً رائعةً في دور البطولة، هي الممثلة الشابة ستيفاني عطا الله. وستيفاني لم تعتلِ خشبة المسرح للمرّة الأولى، إنما هي المرّة الأولى التي تخوض دوراً بهذا الحجم، وأشهد لها أنها ستقدّم أداءً مميّزاً، بالتعاون مع فريق العمل ـ لا بل أخوتي ـ لورا خبّاز، غسان عطية، جوزف آصاف، وسيم التوم، مي سحّاب، جوزف سلامة، إضافةً إلى عمر ميقاتي وبطرس فرح.

جورج خبّاز، الذي نوّه بأن الجميع يستطيع حضور مسرحياته كون أسعار البطاقات «سوبر معقولة»، أكّد أنّ اللبنانيين من المحافظات كافة، يأتون إلى بيروت ليشاهدوا ما يقدّمه، وهناك من يأتي من سورية والأردن والعراق. أما بالنسبة إلى عرض مسرحياته خارج لبنان، فيقول نجم فيلم «غدي» ومخرجه: لا أستطيع عرض مسرحياتي خارج لبنان بسبب المانع اللوجستي، إذ إنّي أعرض على خشبة «شاتو تريانو» لستة أشهر، وأحضّر خلال شهرين، وفي الأشهر الأربعة الباقية أكون منهمكاً في كتابة نصّ جديد. وكثيراً ما أتلقّى دعوات للعرض في الخارج، وأتمنّى ذلك لولا عامل الوقت والتحضير اللوجستي، علماً أنني سابقاً، عرضت في دول عدّة منها أستراليا وكندا والولايات المتحدة، وفي الإمارات العربية المتحدة وأوروبا.

وبالعودة إلى المسرحية الجديدة «بالكواليس» يقول بطل فيلم «تحت القصف»: ثمة قصيدة في نهاية المسرحية، قصيدة حبّ. لا أقصد حبّ المرأة والأمّ والأب والأسرة والوطن فقط، إنما الحبّ بشكل عام. إذ ينقصنا الكثير الكثير من الحبّ، خصوصاً في هذا المجتمع. وهذه المسرحية هي دعوة إلى الحبّ. يجب أن ننظر إلى بعضنا بتجرّد، بإنسانية، وأنا مصابٌ بهاجس الاختلاف، وأبغض التخلّف في النظر إلى المختلف عنّا جسدياً وعرقياً ودينياً. ماذا ينقصنا كي نحبّ بعضنا؟ أيّ دين يحثّنا على اللاحبّ؟ أيّ معتقد يدفعنا إلى الكراهية؟ لا أريد أن أعظ، ولكن ثمّة سؤال: لماذا نتحارب ويقتل بعضُنا بعضَنا؟ بكلّ بساطة، لأن ما ينقصنا هو الحبّ، لأننا رُبّينا وفق ذهنيات متخلّفة، رُبّينا على كره الآخر الذي فينا. أنا إذا فتّشت عن الآخر الذي فيّ وأصلحه، تسير الحياة بكلّ حبّ ومحبّة وسلام.

تكاد لا تملّ من الحديث إلى جورج خبّاز، الإنسان المحبّ البشوش، البسيط الهادئ، القارئ النّهِم، النّاهل من معين الكتب كل فلسفة وفن وخير وجمال. وفي أيّامنا هذه، وإذا كان هو يقول إنّ ما ينقصنا الكثير الكثير من الحبّ، فإننا نقول له: ما ينقصنا فعلاً، فنّ راقٍ كفنّ جورج خبّاز، وإنسانية صادقة كإنسانية جورج خبّاز، وتواضع جميل كتواضع جورج خبّاز.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى