من دروس تحرير أحياء حلب الشرقية
حميدي العبدالله
ثار جدل كبير حول كيفية تحرير المدنيين القاطنين في الأحياء الشرقية من حلب. الدولة السورية وروسيا، بعد إحكام الحصار على هذه الأحياء، عرضا ما عرف «بالحلّ الإنساني» والذي يتضمّن هدنة وتحديد معابر لانسحاب المسلحين من الأحياء الشرقية إلى أيّ جهة يريدون، والسماح للمدنيين بالخروج لمن يريد أن يخرج وإلى أيّ جهة كانت مع ضمانات من الدولة السورية وروسيا وحتى بإشراف الأمم المتحدة، وبقاء من يريد البقاء في هذه الأحياء ودخول أجهزة الدولة المختلفة إليها.
لكن الإرهابيين، والدول الداعمة لهم، بما في ذلك الأمم المتحدة، رفضوا الحلّ الإنساني، وعطلوا مبادرات استمرّت أكثر من ثلاثة أشهر، وشنّوا هجمات كبّدت المدنيين في الأحياء الغربية والشرقية مئات الضحايا وآلاف الجرحى، وعلى امتداد أكثر من شهر عطلت الجماعات المسلحة خروج المدنيين وأطلقت عليهم الرصاص، وقامت بتكثيف الحواجز على الطرق المؤدية إلى الممرات التي حدّدها الجيش السوري وحلفاؤه.
وجادلت الأمم المتحدة كثيراً، وبالغت في تصوير الخطر الذي يمكن أن يتعرّض له المدنيون إذا ما قام الجيش السوري وحلفاؤه بعملية عسكرية لتحرير الأحياء الشرقية.
لكن ما جرى خلال الساعات الأخيرة وبعد تحرير حوالي ثلث الأحياء الشرقية وخروج حوالي عشرة آلاف مواطن من هذه الأحياء، حسب إحصاءات المرصد السوري المعارض، تبيّن أنّ العملية العسكرية التي قام بها الجيش السوري وحلفاؤه، هي أقصر الطرق وأقلها كلفة لتحرير المدنيين الذين احتجزوا كدروع بشرية من قبل الإرهابيين. وحتى لو كان ثمة من يجادل بحقيقة احتجاز المدنيين كدروع بشرية من قبل الإرهابيين، فإنّ النتيجة العملية التي برهن عليها تحرير الأحياء الشرقية وخروج هذا العدد الكبير من المدنيين، أكد أنّ العملية العسكرية التي نفذها الجيش السوري وحلفاؤها قلصت معاناة سكان حلب، سواء في الأحياء الشرقية أو الأحياء الغربية، وأنها أقلّ الوسائل كلفة في ظلّ الظروف المعقدة القائمة في هذه المدينة.
والأرجح أنّ تحرير الأحياء الشرقية قاد ليس فقط إلى تحرير أكثر من عشرة آلاف مواطن، بل إنه أنضج شروطاً تجنّب الأحياء المتبقية العمل العسكري، واحتمال قبول المسلحين ومن يدعمهم لعرض الدولة السورية وحلفائها، انسحاب المسلحين إلى خارج مدينة حلب. وإذا ما حدث ذلك وهو احتمال مرجح، فعندها يصبح الخيار العسكري هو الأسلم بشكل مطلق لهذه القضية، أو قضايا أخرى مشابهة في المستقبل.