الفيتو المزدوج الأخير
عامر نعيم الياس
عادت الصين إلى استخدام الفيتو إلى جانب موسكو بعد انقطاع دام لأكثر من عامين عن الدخول في مناوشات السياسة وكسر العظم بين الدول الكبرى في مجلس الأمن، محاولة واحدة يتيمة لأجل سورية لم يستخدم فيها الفيتو المزدوج، بل اقتصر على موسكو شهر أيار الماضي ضدّ مشروع قرار بريطاني حول سورية.
الفيتو الخامس الذي جاء أمس يعدّ الحلقة الأخيرة في سلسلة فيتوات مزدوجة بدأت في 4 تشرين الأول 2011، ومن ثم في 4 شباط 2012، وفي 18 تموز 2012، وصولاً إلى الرابع وهو ما قبل الأخير، في مسيرة الرفض الصيني الروسي المشترك لأيّ اعتداء على السيادة السورية، في 23 أيار 2014.
لقد مهّد استخدام الفيتو المزدوج الروسي الصيني حول سورية إلى إرساء معادلة نوعية جديدة في إدارة العلاقات الدولية يستند إلى وضع حدّ لما يسمّى الهجمات الوقائية والتدخل العسكري الأحادي من جانب واحد، كما تستند على التوازن الدولي الجديد الناشئ إثر الصعود الروسي الصيني المشترك على الحلبة الدولية وضرورة توحيد القوة السياسية والاقتصادية للأنظمة الراسمالية في مواجهة استفراد نظام رأسمالي غربي وهو الولايات المتّحدة لقيادة العالم وفق مصالحها ورؤاها. دون أن نغفل محورية الموقف الداعم للدولة السورية حتى النهاية في حربها على الإرهاب وفي جهدها لاستعادة وحدة البلاد، ما ظهر أمس الأول في عودة الفيتو المزدوج للعمل على إيقاع معركة حلب وهي الأهمّ في الحرب السورية والتي ستصيغ شكل المعادلات الجديدة في الداخل، ولكن هل يكون هذا الفيتو المزدوج هو الأخير في سلسلة الصراع الدولي في أروقة مجلس الأمن حول سورية؟ ماذا عن مرحلة ما بعد الفيتو المزدوج؟
لا يمكن في سياق مناقشة الخيارات السياسية في الأزمة السورية التي أضحت محرقةً للتحليل السياسي وحتى لسياسات النخب الحاكمة على المستوى العالمي، أن نتوقع مساراً واحداً ونجزم حصوله، لكن الأرجح في سياق المناخ السياسي العام أن يكون ما حصل في الخامس من الشهر الحالي في مجلس الأمن هو الفيتو الأخير المزدوج وذلك للأسباب التالية:
ـ معركة حلب وأثرها على خارطة العمليات الميدانية، فالمعركة في حلب هي معركة الأطلسي من جهة وروسيا وإيران وسورية من جهة أخرى، واحتمالات التصادم بعد معركة حلب تكاد تكون شبه معدومة نظراً لخارطة توزّع القوى على امتداد ما تبقى من الجغرافيا السورية، سواء في مركز الثقل الرئيسي لما يسمّى جيش الفتح في إدلب، أو على مستوى تواجد دعش في المنطقة الشرقية في دير الزور والرقة.
ـ التغيّر الذي طرأ على المشهد الدولي والذي تكرّس في الولايات المتّحدة الأميركية بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما يحمله ذلك من تداعيات على مستوى العلاقة مع موسكو وأولوية الحرب على الإرهاب لدى النخبة اليمينية الأميركية الحاكمة والتي تشكّل سورية أحد ساحاتها ومرتكزها، فضلاً عن التغيّر في أوروبا تجاه اليمين المحافظ بدءاً من فرنسا وليس انتهاءً بإسبانيا وإيطاليا، هذا اليمين الذي يحاول الانكفاء للحفاظ على الهوية المسيحية لأوروبا، وعند هذه النقطة تحديداً يتمّ تعويم مركزية الحرب على الإرهاب الوهابي للحفاظ على الهوية الأوروبية.
ـ التوجّه الأوروبي الذي دشّنته فيديريكا موغريني، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وصادق عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والقاضي بالعمل على دمج المجالس المحلية لما يسمّى المعارضة السورية بأجهزة الدولة السورية المركزية، وهذا يعني مقاربة ملف المصالحة من زاوية مختلفة، حيث يمكن في هذه النقطة الوصول إلى تسويات محدّدة بين الأطراف الدولية الفاعلة، لكن بعد الانتهاء من مدينة حلب.
إنّ احتمالات الصدام بين القوى الكبرى في سورية واللجوء إلى تسجيل النقاط في مجلس الأمن نهج استمرّ منذ العام 2011، لكن التغيّرات الحاصلة وخطورة استمرار الحرب السورية وفق النمط الحالي، من شأنه أن يدفع إلى تسويات في مجلس الأمن، ومن شأنه في أدنى الأحوال أن يجمّد المعركة السياسية في مجلس الأمن حول سورية في المدى المنظور.
كاتب ومترجم سوري