مشروع قانون الإعلام … لتعديلات رادعة تضبط التفلت

معن حمية

حرية الرأي والتعبير قيمة كبرى يجب أن تكون مُصونة. هذا أمر لا يقبل النقاش من منظورنا، فنحن أبناء مدرسة تؤمن بأنّ «مشكلة الحرية لا تحلّ إلا بالحرية»، والحرية غير المنقوصة هدف ننشده.

لكن، ماذا عن التفلّت الذي يُمارَس باسم الحرية؟ وماذا عن العبودية باسم الحرية؟ وماذا عن استهداف وحدة المجتمع وتقويض القيَم تحت عناوين الحرية؟ وماذا عن تلفيق الأكاذيب وترويج الشائعات باسم الحرية؟

أسس الحرية، قيَم اجتماعية، دفاع عن الحق، انتماء لقضية، ومن دون هذه القواعد تصبح الحرية شعاراً أجوف وداء فتاكاً يهدم المجتمعات، وينطبق عليها قول أحد الفلاسفة الأجانب: «أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك».

مناسبة الحديث عن الحرية، هي هذه الاستباحة اللا قيمية التي نشهدها على بعض المواقع الإلكترونية، وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، استباحة نشهدها في أحايين قليلة على بعض محطات التلفزة والإذاعات والصحف!

حتى الآن، لا يوجد روادع حقيقية تحدّ من حجم التفلّت القيمي، ومن تزايد الانغماس في منظومة «الفوضى الهدامة» التي تقف وراءها دول كبيرة. حتى أنّ اقتراح القانون الجديد للإعلام في لبنان، لن يضبط هذا التفلّت الإعلامي الخطير، خصوصاً أنّ القانون المقترح يستثني المواقع الإلكترونية من تسجيل «علم وخبر» في الدوائر المعنية، وبذلك تبقى هذه المواقع «متحرّرة» من أية ضوابط قانونية، وهذا يفاقم التفلّت، ويفرّخ آلاف المواقع التي تعمل لصالح جهات وأجهزة متعدّدة الجنسيات والأهداف.

بعض المواقع التي هي محلّ شبهة، تستسهل نشر أخبار كاذبة ومقالات تحريضية، تصل إلى حدّ إطلاق الاتهامات جزافاً بحق أفراد وجماعات وقوى سياسية، وتأخذ بعض هذه المواقع دور الحكم والديّان، فتبرئ مجرمين وخونة حقيقيين، وتتهم الوطنيين والشرفاء والمقاومين بما يحلو لها من الاتهامات. فأيّ إجراءات رادعة سيلحظها القانون الجديد للإعلام بحق هؤلاء؟

على أهمية ما رشح عن مشروع القانون الجديد لجهة التشديد على إلغاء احتكارية الامتيازات، إلا أنّ هناك أموراً يجب أن تكون محلّ نقاش جدّي، ليس على صعيد لجنة الإعلام النيابية والمجلس الوطني للإعلام ونقابتي الصحافة والمحرّرين، بل على المستوى الوطني العام.

ومن الأمور التي يجب أن تناقش، هي أنّ الوسائل الإعلامية المكتوبة امتيازات الصحف والمجلات ، لا تزال بمعظمها تلتزم القانون، وتحرص على التزام الضوابط القانونية، فهل سيؤثر إلغاء الامتيازات في القانون المقترح على هذا الالتزام، وما هي القواعد التي ستحدّد لإصدار أيّ مطبوعة جديدة؟

على أية حال، لا نعتقد أنّ إلغاء الرخص للمطبوعات والاكتفاء بالعلم والخبر يحلّ مشكلة، فالإعلام المكتوب لا يزال بمعظمه محافظاً على القيم، يمارس المهنية، والموضوعية إلى حدّ مقبول، مع بعض التجاوزات أحياناً، في حين نرى خلاف ذلك في الكثير من المواقع الالكترونية وصفحات التواصل، لذلك لا بدّ من إدخال تعديلات ضرورية على مشروع قانون الإعلام الجديد، تضبط هذا الانفلات الهدّام في مادة المواقع الالكترونية وتشكل رادعاً للقائمين عليها، خصوصاً أنّ هناك مواقع عديدة تموّلها سفارات وأجهزة استخبارية متعدّدة الجنسيات.

وعليه، حذار من أيّ تشريع يستثني المواقع الالكترونية من شرط الترخيص بموجب «علم وخبر» ومعرفة هوية أصحابها وتحديد مسؤول عن كلّ موقع تجاه الدولة. وذلك بغية الحدّ من الانفلات والتفلّت.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى