الحرب على الإرهاب: استعادة لمسرحية مملّة

وليد زيتوني

يبدأ النص الأميركي بخطاب موجه إلى الشعب، يعرض فيه حال الأمة، مكرّراً مقولة، العدو الخارجي واستهدافه للأمن القومي على وقع نشيد القوة الأميركية المترامية الأطراف، القادرة على سحق هذا العدو، بالتناغم مع الكورس المرافق المشكّل من دول تابعة، يسمّيها تحالفاً دولياً. يكتمل المشهد الدرامي بخروج بعض عناصر الكورس، تحت مبررات «أخلاقية» أو غيرها، لتعارض بعض جوانب الأسباب الموجبة لهذه الحرب. هذا الخروج المدروس ليس إلا توزيعاً للأدوار بهدف التشويق والإثارة، وهو بالتأكيد لن يغيّر في السياق المسرحي العام.

المسرحية مملة، كونها عرضت سابقاً في أفغانستان، وعرضت في العراق، وعرضت في سورية. وفي كل عروضها لاقت فشلاً ذريعاً، ولم يحضرها إلا عرب البداوة المولعون بالويسترن الهوليوودي وأفراد طاقم الإخراج والإنتاج.

عناصر نجاح مسرحية «داعش» لم تكتمل بعد، لأن الكاريكاتور الأميركي تعدى حدود الربط المنطقي بين التهديد المفترض والواقع العملي على الأرض. «داعش» الذي تتكلم عنه التقارير الأميركية نفسه، لا يتجاوز عديد قواته مثلاً عديد الجبهة الإسلامية أو جبهة النصرة أو الفرقة الثالثة الأميركية التي اشتركت في الحرب على العراق. «داعش» لا يختلف من حيث إيديولوجيته عن شركائه في سفك الدم السوري والعراقي واللبناني. هو ينهل من النبع الوهابي نفسه، الذي يغذي التنظيمات والدول، بما فيها الدول التي تشكل الغالبية العظمى من التحالف المزمع إقامته لمحاربته. داعش لا يملك من الإمكانات المادية شيئاً بالمقارنة مع الدول التي تدّعي محاربته. ولم يقم «داعش» أصلاً لولا الدعم المالي السعودي ـ القطري، والسلاح الأميركي ـ الأوروبي، والتخطيط التركي ـ «الإسرائيلي». «داعش» الذي كان يُحرك من غرفة عمليات «أربيل» التابعة لقيادة الجيش الأميركي الوسطى في الدوحة. سيُحارب مسرحياً من غرفة العمليات نفسها التي يتلقى منها أوامر عملياته. الحقيقة إن الولايات المتحدة رسمت حدود دور داعش، لكن الأخير لا يدرك حدوده المرسومة. كما لا تدركها الدول العربية التي تشارك في هذا التحالف. وربما آخر ما يسوّق له، فصل جديد، هو «غزوة الأضحى» أو انتفاضة الحج للسعودية. ولأجل منعها ستستعين المملكة بجيوش «الكفرة» لحمايتها من داعش. هنا تبرز تساؤلات لا بد منها. أين ذهبت مئات مليارات الدولارات التي أنفقتها السعودية على تسليح وتجهيز جيشها، إذا كانت غير قادرة على حماية الأماكن المقدسة؟ وهل هناك مشروع لتدويل هذه الأماكن بعد أن دوّلت الفاتيكان والقدس؟ ومن هو المستفيد من هذا المشروع؟ هل تستعين السعودية بالجيش المصري تحت عنوان حماية حدودها؟ وهل ستكون هذه الاستعانة جزءاً لا يتجزأ من المسرحية التي تلعبها الولايات المتحدة في هذا المسرح من العالم للإجهاز على الجيش المصري بعد شرذمته ليتسنّى لأدوات أميركا الوهابية وضع يدها على مصر كمقدمة للسيطرة «الإسرائيلية» الكاملة على المنطقة؟

هل ستكون كل هذه العقد الثانوية في المسرحية تمويهاً وتضليلاً لحرف انتباه العالم المشاهد عن العقدة الرئيسة التي تحاول الولايات المتحدة سرد تفاصيل حلّها، عبر ضربة عسكرية كبرى في سورية؟ بعد أن عجزت في تطويع إرادة السوريين، وعجزت عن إشغال الدول الرافضة التدخل الأميركي مباشرة، إن كان في أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا، أو الملف النووي بالنسبة إلى إيران، أو تحريك الوضع الداخلي اللبناني بالنسبة إلى المقاومة.

قد تكون الأسئلة كثيرة بمحطات كثيرة، غير أن الواقع أثبت ضعف الولايات المتحدة وعدم قدرتها على قيادة العالم بعكس ما أوحى به «أوباما» في خطابه الأخير. إن أميركا تجري محاولة الأخيرة لاستعادة أنفاسها متكئة على الغباء العربي والتبعية الغربية. ونحن الآن نشاهد عرضها الفاشل الأخير.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى