الاستقرار اللبناني يأتي من تحرير حلب!

د. وفيق إبراهيم

ليس مستغرَباً أن يربط الخبراء الدوليون بين تحرير حلب من الإرهاب الوهابي والإخواني وبين عودة الاستقرار إلى لبنان.

هي بكل تأكيد إشكالية قابلة للجدل.. لكن مَن يعرف التاريخ يتأكّد له مدى الترابط بين الوضعين اللبناني والسوري. وللتذكير، فإنّ تحسّن الأوضاع في لبنان في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته على علاقة عضوية بالحدود السورية من جهة، وهجرة الرساميل من سورية واستثمارها في لبنان في تلك المرحلة. وسببها هي حالة الفوضى التي سادت سورية نتيجة عشرات الانقلابات العسكرية التي أساءت إلى التفاعلات الاقتصادية السورية.

ونجح القائد الكبير حافظ الأسد في وضع حدّ لها سنة 1970، أمّا عن العلاقة بين التحرير والازدهار فهي مسألة جدلية… فتحرير «الشهباء» معناه تقليص النفوذ التركي وقطع تواصله مع الانتشار الإرهابي في شرق سورية، وحصره ضمن الشمال السوري الحدودي حتى إدلب بشكل تصبح فيه مواجهات أنقرة مع الأكراد من جهة، والحلف السوري الروسي الإيراني والمقاومات اللبنانية والإقليمية من جهة ثانية. وبذلك يتم الربط بين حلب والساحل السوري وحماة وحمص ودمشق ومنطقتها بما يؤمن وجود نحو سبعين في المئة من السوريين كحدّ أدنى في مناطق موالية للدولة السورية.

ولا ننسى أنّه إذا ما حسمنا مساحة البوادي غير المأهولة في سورية، فلا يتبقّى للإرهاب السعودي والتركي المدعوم أميركياً إلّا أقل من عشرين في المئة من مساحة سورية.

ولا بدّ من التنويه بما يُحرزه الجيش العربي السوري من إنجازات على مستوى تحرير أرياف دمشق الملتفة حولها كالسوار في المعصم. بما يؤكّد أنّ منطقة واسعة هي قيد التبلور حالياً من درعا إلى تدمر ودمشق وحمص وحماة والساحل وحلب، وتتعجّل فرص التواصل لإعادة التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا لا يلغي أنّ الجيش العربي السوري مستمر في تحرير المناطق المحتلة مدعوماً من تحالفاته الإقليمية والدولية واللبنانية.

ولكن كيف يستفيد لبنان من هذه النجاحات السورية؟

العلاقة بديهية.. ينتفع لبنان على مستويات عدة: مكافحة الإرهاب، وهي مسألة تثير قلق اللبنانيّين لأنّ «حزب المستقبل» ابتدأ منذ سنوات عدّة بسياسات تأييد ما أسماه المعارضة السورية، مرغماً كل التيارات الدينية والمدنية بتأييد المعارضة السورية، متيحاً لها فرصة تشكيل خلايا في مناطق عرسال والبقاع الأوسط والشمال وطريق الجديدة والرابط بين الإرهاب التكفيري الفلسطيني ومثيله السوري المنتشر في لبنان، ونظيره اللبناني الكامن بين نوّاب حزب «المستقبل» في أكثر من منطقة ومتجذّراً في جمعيات مشايخ تبيّن أنّها الداعم الأول للإرهاب في لبنان. والدليل أنّ معظم الهجمات على الجيش اللبناني منذ سنوات عدّة وحتى اليوم هي من صناعة هذه الفئات بالذات، وآخرها ما جرى في بقاعصفرين الشمالية، حيث استشهد جندي لبناني بهجوم لداعش المختبئة بين العمامات والحزبيين المنتحلين صفات مدنية.

إنّ مئات الشهداء من العسكريين والمدنيّين سقطوا بنيران داعش وتفجيراتها المفخخة بتغطية من مدنيين لبنانيين لا يزالون حتى اليوم أبواقاً للإرهاب، ومستغلّين نفوذهم السياسي مع التلويح بحروب مذهبية لمنع تحرير عرسال وبعض مناطق الشمال ومخيم عين الحلوة وبعض الخلايا المنتشرة في البقاع الأوسط. ولولا جهود الجيش اللبناني وجبهة المقاومة لكان علي الحجيري وزعيم النصرة في عرسال ابن عمه «أبو طاقية» حكام لبنان اليوم ومن دون مبالغة.

لذلك يندرج تحرير حلب في إطار القضاء شبه الكلّي على الإرهاب في لبنان، لأنّ خطوطه قابلة للقطع من عرسال وجرودها حتى بقية أنحاء لبنان. فيتفرّغ الجيش اللبناني لضبط الأمن في الداخل قاطعاً الإرهاب من جذوره. ويستطيع لبنان بمرافئه وشركاته ومؤسساته أن يُساهم في إعادة بناء الجزء المحرّر من سورية، متحوّلاً إلى مطارها وبحرها وخطوط تموينها وشبكة غذائها.. ألا يعيد هذا الوضع الازدهار إلى لبنان؟ ألا يؤدّي تحرير حلب إلى استنهاض الاقتصاد اللبناني من كبوته؟ فكيف يكون الوضع الاقتصادي اللبناني مع تحرير أرياف درعا حتى الحدود الأردنية؟

يعود لبنان فوراً إلى مرحلة التسعينيات بإعادة إمساكه بالنقل البري إلى الأردن والعراق والخليج. لكن دون هذا الأمر مطبات كثيرة، ومقدمها التوصّل إلى ما يشبه «المانيفيست» الوطني بين القوى الداخلية بمختلف تنوّعاتها للتوصل إلى سياسات استراتيجية لبنانية عنوانها، كيف ننقذ الوطن مما ابتلي به؟ ويتبيّن أن المذهبية وباء خطير يدمّر الوحدة الداخلية، ويفتح ساحات لبنان لكل أنواع الإرهاب. والطائفية على شاكلتها وربما أخطر. لذلك فإنّ على هذا البيان التأسيسي أن يعلن إلغاء هذه الأوبئة متبنّياً قانون انتخاب يجمع بين اللبنانيين ولا يفرق شملهم فتذهب ريحهم كما يحدث الآن.

وهذا يتطلّب تطهير البلاد من الجمعيات الدينية المشبوهة. وهي معروفة من قِبل الاستخبارات العسكرية أنّها نوعان: وهابي وإخواني، أي سعودي وتركي. قد يتّفقان حيناً ويتقاتلان أحياناً، لكن مصادر التمويل معروفة وخلاياهم مكشوفة ومصادر حماياتهم بين النوّاب والمرجعيّات السياسية واضحة…

والدليل أنّ صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» في عددها لشهر كانون الحالي أقرّت بأنّ مصادر تمويل المعارضة السورية حوّلت كامل المعارضين في سورية ولبنان إلى حركات تكفيرية، وذلك بسبب بسيط مفاده أنّ السعودية وقطر لا تموّلان إلّا التنظيمات التكفيرية، ما دفع كامل التنظيمات في سورية ولبنان إلى ارتداء لبوس التكفير والاحتماء به على قاعدة تبنّي واحد من اتجاهين: تكفيري وهابي يقبض أموالاً من السعودية وبعض الاتجاهات في الكويت ودولة الإمارات. أما إذا كنت إخوانياً فتتلقى الدعم المادي من قطر وعشرات فروع الإخوان في الخليج وتركيا.

وتقول الـ «لوموند» إنّ عشرين ألف مسلّح ينتشرون في حلب هم أصوليون بشكل كامل يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية بموجب القراءات الوهابية والإخوانجية لها. أي لا وجود «للآخر» في عالمهم، و «مصيره القتل» مع سبي نسائه واسترقاقهم.

وبالعودة إلى إشكالية الموضوع، نجد أنّ هناك فرصة كبيرة لاستعادة الازدهار في لبنان شرط موافقة كامل الأطراف اللبنانية على القضاء الفعلي على الإرهاب الداخلي في أي ناحية كان. مع التسليم المسبق بأنّ دور حزب الله وحلفائه في الأحزاب اللبنانية والٌليمية إنما هو دور لمصلحة لبنان وازدهاره وإعادة الأمن إلى كامل ربوعه.

والعلاقات في خاتمة الأمر موازين قوى عنوانها استعادة حلب «الشهباء» والموصل «الحدباء» أمّ الربيعين. وبذلك سيوفّر المنتصرون على أنصار السعودية في لبنان خطورة تركهم لها، لأنّ هي التي قد تجد نفسها مضطرة لتغيير دعمها للإرهابيين والعودة إلى السياسة السوية التي تجزم أنّ العدو الأساسي لنا هو الكيان الإسرائيلي.

هل يستفيد اللبنانيون من الفرصة؟ نتائج الحروب كفيلة بإقناع داعمي الإرهاب أنّ أبناء وطنهم أبقى لهم من حركات إرهابية قد تبتلعهم ولا تقبل بمدنيّتهم، وعندها لا يعود للندم فائدة.. وأخيراً وعلى أمل أن تكون الرسالة قد وصلت إلى مَن يعنيه الأمر، ومفادها بأنّ المنتصر في حلب هي سورية ولبنان إذا أراد أهله، فهل يسمعون؟ اسألوا وليد جنبلاط فالجواب عنده.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى