المرأة في رواية «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ وفق المنهج النفسيّ
رحاب القاضي
يقول إميل لدفج: كان الناس يسألون في أواخر القرن التاسع عشر: كيف لاءم الفرد بين نفسه وبين الدنيا؟ أما الآن فأوّل ما تسأل: كيف لاءم بينه وبين نفسه؟
ولأنّ العمل الأدبيّ هو المترجم غير المباشر لشخصية الفنان، فقد حاول أصحاب التحليل النفسي تحليل الشخصيات الأدبية على أنها أشخاص حقيقية مع الغوص إلى مكامن هذه الشخصية، سواء من خلال ارتباطها بالأديب، أو من خلال تحرّكها بين السطور مع الشخصيات الأخرى.
ولأنّ الكلام النظريّ يجلّله بعض الغموض، سنلقي الضوء على شخصية «نفيسة» في رواية: «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ.
أولاً: البداية، مات الأب ولم يترك وراءه إلّا عائلة لا عائل لها. الأمّ تحاول أن تُبقي الأسرة بحالة من الثبات قدر الإمكان. الابن الأكبر ـ «حسن» ناشز لا خير فيه. وصبيّان في التعليم الثانوي «حسين» و«حسنين»، وفتاة دميمة تدعى «نفيسة».
أمام حالة الفقر السيّئة التي أصابت الأسرة، تجد «نفيسة» نفسها مجبرة على تغيير نمط حياتها السابق والعمل بالخياطة لتحسين وضع العائلة إلّا أن هذا أثّر على «نفيسة» الفتاة ولذلك لم تجد سوى طريق البغاء.
ولأنّ لأيّ طريق نهاية، فقد كانت نهاية هذا الطريق انتحار «نفيسة» بعد افتضاح أمرها.
ثانياً: تحليل الشخصية.
العمليات النفسية تنقسم إلى:
1 ـ الشعور «الأنا»: التعبير الظاهري: «نفيسة» تعرف أنها قبيحة، والدها توفي
وأصبحت تعمل بالخياطة بعدما كانت هواية لها.
2 ـ «الأنا» العليا: تتشكل بفعل التربية والعوامل الثقافية والاجتماعية، تمنع أيّ تسرّب من اللاشعور إلى الشعور، بمعنى أنها «منطقة للمراقبة». «نفيسة» من بيئة مصرية متوسّطة الحال تهتمّ بالعُرف والتقاليد.
3 ـ منطقة اللاشعور «الهو»: منطقة الغرائز الفطرية. قبل وفاة والدها كانت في حالة ثبات، وبعد وفاة والدها خرجت عن المألوف.
ولأن اللاشعور ضدّ الأنا، استطاعت الخروج إلى السطح وهذا ما سيحدث عنه البحث: بطبيعة الحال، لا يعرف الشخص ما يجول في منطقة اللاشعور بل تؤثّر بطريقة غير مباشرة على شعور الإنسان، وما تنتظره فرصة لتحتال على الأنا العليا وتخرج إلى السطح. هذا الخروج يظهر على لسان الإنسان بخوف وتلبّك. والسؤال: ما هي الطريقة التي حاول بها الاحتيال على منطقة المراقبة عند «نفيسة»؟
«القوة»؟
«لا ترى لها قدراً إلا في نظر الناس إليها».
«نفيسة» تدرك أنّ دمامتها لن تزول، وأنّ والدها لن يعود، وأنّ عمل الخياطة أصبح حرفة لا هواية. هذا كله أدّى إلى ضعفها، فبحثت عن القوة. وما القوة بالنسبة إلى امرأة كهذه إلّا الرجل. هذه الأسباب جعلت الأنا في حالة اختلال توازن، ما سمح للاشعور بالاحتيال على منطقة الأنا العليا، بمحاولة منها إقناع نفسها، فكان هذا سبب شذوذ السلوك عند «نفيسة».
«واعتقدت أنه الحبيب الأول والأخير وليس لها سواه، ولن يكون لها سواه، فتعلّقت به بقوّة الأمل وبقوّة اليأس، وأحبّته بأعصابها ولحمها ودمها، ووجدت فيه غرائزها المشبوبة العارمة أداة نجاة تنتشلها من الأعماق».
وبمنطق فاوست: لا يسأل الإنسان نفسه عن الغاية المحدّدة، أما الخلاص فإنه يتحقّق لا بوصفه غاية تستقرّ عندها، بل يتحقّق خلال الحياة نفسها.
«نفيسة» سلكت طريقها رغماً عنها وبإرادتها. فقد وجدت به تحقيقاً لذاتها ولحظات من السعادة لن تستطيع الحصول عليها إلّا بهذه الطريقة الملتوية. فلم تسأل نفسها عن غايتها من هذا، ولا الخلاص، لأنها تعلم أنها ستسقط لا محالة.
«هل أدع نفسي تهوي، ولماذا أمنعها؟ لن أخسر جديداً، وليس ثمة ما أخاف عليه».
الواقع الذي يمثله الشعور لا يجلب لـ«نفيسة» السعادة التي تحلم بها، السعادة الكامنة في اللاوعي، والتي إذا خرجت ستكون منافية للمجتمع وسيتحتّم عليها الفشل. لذلك، عندما أتى الخلاص لـ«نفيسة»، كان صعباً. لكنه وكما ذكرنا نتيجة حتمية فالموت هو نهاية لكلّ إنسان، وما يغسل هذا الجسد المدنّس إلا مياه نهر جارية.
وقد نُرجع حالة «نفيسة» إلى «عقدة إلكترا» حبّ الوالد فقدت والدها فأدّى التعويض عنه بشخص آخر لم تجده بسبب دمامتها، وسوء الحالة المعيشية، فكان وجوده بطريقة غير شرعية.
ليس بالأمر اليسير الوصول إلى منابع السلوك الإنساني لولا اكتشاف منطقة اللاوعي واستغلال هذه الطاقة بما يجرّ بالنفع على المنتج والمتلقّي، بحيث تصبح لكلّ لفظ وظيفة تقوم بدورها في بناء شخصية الفرد، والتعرّف إليها بطريقة غير مباشرة.
كاتبة سورية