قالت له
قالت له: ألا يشعرك بالبرد ابتعادي، وتستطيع الصمود مثلي والتعوّد على التفرّد ولا يضنيك سهادك، أو تتساءل عن سهادي؟ فأنا بألف خير بعيدة عن التعب والاشتعال بالشوق والانشغال بالفرق. أرتّب أوراقي من جديد وأعصابي مثل الحديد، أحاورك من جديد كرجل جاء من الجليد، يضرب بلا هدى ولا يسأل عن الصدى.
فقال لها: أفرح ليقينك بالصواب، ولا أريد منحك الردّ لألقى الجواب. فليس لديّ مقدرة وموهبة السجال في المحال، ولا الطاقة على الجدال. وأبشع المشاعر البقاء في دائرة الاتهام وفقدان الشعور بالسلام، والوقوف بين يديّ محقّق والدخول في تبريرات لمدقّق، وانتظار حكم قاض لا يظهر الرضا مهما كان راضياً. فلنتفق أن السكينة لكلينا تحقّقت، وأن كلّ منّا بعد طول محاولات التراضي توافقنا على وقف التقاضي وأن فسحة الهدوء ليست استراحة محارب ولا القلوب حقل تجارب، فقد نلنا ما يكفي من جمال التشارك ومرارات التعارك، وصار الزاد مليئاً بالعِبر، كلّ من طرفه يرى فيها المبتدأ والخبر. ويجد لنفسه أسباباً وأعذاراً وينسب لنفسه بذل التضحيات وتحمل الأضرار. وربما يكون صحيحاً أننا قلنا كلاماً صريحاً في زمان مختلف تبادلنا الأدوار. فلم نختلف وقد نال كلّ منّا وجع الوجود على لائحة الانتظار، والشعور بضيق الصدر من أن يكون في شغف ويسمع عن تبدل في الهدف. وها أنت اليوم في سكينة ولست حزينة، وهذا يكفي وليس مهماً ما يخفي، ولو كان مرادك التجنّي، فكلّ الخير لك التمنّي وكلّ الدفء منّي.
فقالت: لا أريد منك إلا المضيّ بعيداً. فالوقت يجعلني سعيدة ويبيقيك سعيداً. وهو الوقت الذي أحتاج إليه وأريده وليس الوليمة كي لا تكون مجرّد ذكرى أليمة، أو تتهمني بالمشاعر اللئيمة، فدع الوقت يكتب ما سيأتي ودعني في فرح التجوال والتسوّق والتشارك في الحياة مع الأهل والأصدقاء والشعور بالاستقلال. ولا تدع نهايتنا حزينة، فالأهم أنك كما قلت نريد السكينة.
فمدّ يده وسحبت يدها، ولوّح لها من بعيد على أمل اللقاء من جديد.