اللغة العربية… بين نقاء الماضي وهجران الحاضر!

رانيا مشوّح

«اللغة العربية لغة لا نخاف عليها منها، بل نخاف عليها منّا». بهذه الكلمات، بدأت ندوة «الاحتفاء باليوم العالمي للّغة العربية» التي نظّمتها وزارة الثقافة السورية ـ الهيئة العامة السورية للكتّاب، بالتعاون مع اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية، وذلك في مكتبة الأسد في دمشق.

حضر الندوة عدد من الشخصيات الثقافية، وتركّزت أعمالها على الدوافع وراء إصدار منظّمة الأمم المتحدة قرار تحديد اليوم العالمي للّغة العربية، واستجابة الدول العربية له، والكلمات الفصحى في العامية.

تحدث في الندوة مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور ثائر زين الدين، وذلك عن مخاطر تراجع حضور اللغة العربية في الدول العربية وفي المحافل الدولية والمؤتمرات العالمية المختلفة. مبيّناً وجود عاملين أساسيين وراء ذلك، الأول موضوعي «خارجي» الهدف منه غزو الهوية الثقافية العربية ليتم نسفها من الداخل نتيجة خوف المخطّطين الاستراتيجيين في دوائر غربية من تزايد الوزن الحضاري للعربية.

وأشار زين الدين إلى أن العامل الثاني هو ذاتي «داخلي» ويتمثل في اللهجات العامية التي لا تحصى والتي اكتسحت الفضاء الحيوي للفصحى حيث غزت العاميات المنابر الإعلامية والحوارات الثقافية المختلفة والمجالس الفكرية وقاعات التدريس والجامعات. مؤكداً أن اللغة هي الحامل الضروري اللازم والمواكب لكلّ إنجاز تنموي. داعياً إلى تبسيط قواعد اللغة وإملائها وتسهيله.

من جهته، أثنى مستشار المدير العام لشؤون التراث في هيئة الكتاب الدكتور محمد عبد الله قاسم الذي أدار الندوة، على انتهاج سورية سياسة تمكين اللغة العربية وتعليمها وترسيخها على ألسنة أبنائها، لافتاً إلى أن هذه السياسة تطبّق عبر مؤسسات راعية لها كاللجنة العليا لتمكين العربية واللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية في وزارة الثقافة، ومجمع اللغة العربية في دمشق الذي كان يعرف بالمجمع العلمي العربي سابقاً، وهو أقدم مجمع عربي في العالم العربي أسّسه اللغوي محمد كردعلي عام 1919.

وأكد قاسم حرص المؤسسات السورية على تعلم اللغة العربية حيث يتم تخصيص ساعات لتعلم اللغة العربية في المدارس والجامعات وتبني الإعلام السوري اللغة الفصحى في كل ما ينشر عبر وسائله إضافة إلى ما تنشره وزارة الثقافة من اعمال ترسخ وتؤكد تمسك سورية بهذا اللسان كونه عنوان الهوية الوطنية.

وقال الدكتور موفق دعبول خلال محاضرته أن أول احتفال بهذا اليوم تم عام 2000 إضافة إلى الاحتفال باليوم العالمي للّغة العربية ويوم لغة الأمّ حيث أصدرت الجامعة العربية قراراً دعت فيه إلى الاحتفال باللغة العربية في 21 آذار من كل سنة.

ولفت إلى المخاطر التي تهدّد اللغة العربية من أبنائها كالتدريس في الجامعات العربية بلغات أجنبية والاتكاء على الكلمات الأجنبية محل العربية وتقليد الأجانب في شؤونهم، ما جعل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونسكو» تميل إلى الاعتقاد بأن اللغة العربية متجهة نحو الاندثار.

من جهته، قال الدكتور محمد رضوان الداية خلال محاضرته إن أيّ لغة في العالم يجب أن تنمو يومياً، وإن لم تنمُ تكون قد قصرت عن أخواتها، ونحن لسنا مقصّرين بحق اللغة إنّما بحق الحضارة التي تصنع اللغة. مبيّناً أننا نملك مستودعاً من الكلمات العربية التي لا يتم استخدامها.

وتحدث الداية عن وجود اختلاف في وجهات النظر حيال اللغة. موضحاً: نريد من العربية أن تكون لغة حيّة. فلغة اليوم تحتاج إلى التعريب والترجمة من قبل الأساتذة في المنابر العلمية بصورة قابلة للحياة، إضافة إلى التوسع عن طريق الاشتقاق والتعريب والارتجال، رغم أن التوسع والاحتواء لأيّ لغة سيفقدها بعضاً من خصائصها.

ويحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول من كلّ سنة، ذكرى إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

وفي تصريح أدلى به إلى «البناء» قال الدكتور ثائر زين الدين: هذه الفعالية تقيمها الهيئة العامة السورية للكتاب برعاية وزارة الثقافة احتفاءً باليوم العالمي للّغة العربية. اللغة العربية منذ فترة ليست بقصيرة مهدّدة، وبالتالي العرب مهدّدون بهويتهم تحديداً. نحن نأمل من خلال هذه الندوة أن نحرّض جهات كثيرة، ليس في سورية لأن سورية تجربتها رائدة في تمكين اللغة العربية، إنما في الدول العربية الأخرى. نحرّض على طرح مشاريع في هذا المجال للحفاظ على اللغة العربية وتمكينها والعمل على إعادة الوهج إليها. إنها إحدى اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة، فلماذا إذاً نلحظ هذا التراجع الذي تعيشه اللغة في بلادها؟ لقد تراجعت كثيراً حتى في مدرجات الجامعة. أصبحت اللهجة المحكية هي التي تطغى على محاضرات الأساتذة. لقاءات ثقافية كثيرة تشهد اللجوء إلى المحكية. نحن لسنا ضدّ المحكية لكن لها مجالاتها. اللغة العربية تتراجع وهي الرابط الأهمّ في ما بيننا سواء في سورية أو ما بين سورية والدول الأخرى. من هذا المنطلق نحن نقيم هذه الفعالية.

كما تحدّث إلى «البناء» الدكتور محمود عبد الواحد المستشار الإعلامي لوزير الثقافة، عن ضرورة العمل على تمكين اللغة العربية، وقال: ينبغي العمل في اتجاهين. أولاً ينبغي توسيع التوعية بأهمية اللغة العربية وبأهمية المحافظة عليها لأننا عبرها نحافظ على جذورنا وأصولنا التراثية والفكرية والثقافية. ثانياً ينبغي تطوير اللغة نفسها لتجاري العصر. ينبغي تحديث المصطلحات والعمل باستمرار على المصطلحات الأجنبية الوافدة وإيجاد معادِل مقبول لها، لا مقابلَ معقداً أو مقعّراً. هذان الجانبان هما اللذان يجب العمل عليهما من أجل تمتين علاقة الناس مع اللغة العربية.

بدوره، حدّثنا مدير الندوة الدكتور محمد عبد الله قاسم مستشار المدير العام لشؤون التراث في الهيئة العامة السورية للكتاب: نحن نحتفل باليوم العالمي للّغة العربية الذي أقرّته الأمم المتحدة، لكننا نحتفل بلغتنا العربية في كل يوم عندما نتبنّاها ونغار عليها وندفع أبناءنا إلى تعلّمها. ولا ننتظر من الأمم المتحدة أن تحدّد لنا يوماً بعينه لنحتفل بلغتنا. فكل أيامنا يجب أن تكون احتفالاً بهذه اللغة وهذا اللسان العربي المبين الذي تنتهج الدولة سياسة التمكين له وتعليمه وترسيخه على ألسنة أبنائنا. العربية تعيش بين جوارحنا وفي نفوسنا ولا ننتظر أيّ جهة لتحدّد لنا يوماً للاحتفال بلغتنا الأمّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى