كيف تستقيم محاربة الإرهاب بتحالف يضمّ دولاً تسلّحه وتموّله وتدعمه؟

نور الدين الجمال

يرى مصدر دبلوماسي عربي أن التحالف الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الإرهاب وتنظيم «داعش» من خلال المؤتمر الذي عقد في جدة هو تسمية جديدة لمؤتمر ما يسمى بـ«أصدقاء سورية»، الذي قام في مراحل سابقة بأدوار سيئة وسلبية أدت إلى تفشي الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية خصوصاً في سورية تحت مسميات مختلفة، بهدف إسقاط النظام أو تدمير الدولة الوطنية السورية والاستمرار في مخطط تفتيت المنطقة وإعادة تركيبها على أسس عرقية واثنية ومذهبية.

وتنظيم «داعش» هو من الإفرازات الإرهابية والتكفيرية التي دعمتها الولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى دول وجهات ما زالت حتى اللحظة تشارك في تحالف ما يسمى بمحاربة الإرهاب، وهذه الدول باتت معروفة للقاصي والداني وتدعم «داعش» وتنظيمات إرهابية أخرى ومنها جبهة «النصرة»و«جيش الإسلام» الذي يحاولون إضفاء صفة «معارضة معتدلة» عليه وما تبقى من «الجيش الحر» ومجموعات إرهابية أخرى تحت مسميات وعناوين متنوعة.

يضيف المصدر: أن هذا التحالف هو محاولة لإفراغ القرار 2170 من مضمونه والمتعلق بمكافحة الإرهاب والصادر عن مجلس الأمن الدولي بهدف قيام تعاون دولي وإقليمي ثنائي أو جماعي لمحاربة «داعش» في سورية والعراق ومناطق أخرى، ولكن ضمن مبدأ احترام سيادة واستقلال كل دولة واحترام القوانين الدولية التي تقضي بعدم القيام بأي عمل عسكري على أرض أي دولة من دون موافقة حكوماتها.

ويقول المصدر: هناك محاولة لاستغلال القرار 2170 من قبل الولايات المتحدة الأميركية على غرار ما حصل في ليبيا واستبعاد الجهات التي تريد مكافحة الإرهاب جدياً وليس فولكلورياً وإعلامياً على طريقة خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهذه الجهات تتمثل في كل من روسيا والصين وإيران وسورية، وهذه تعتبر خديعة أميركية جديدة تأتي في إطار تحجيم دور روسيا كقوة دولية، ولذلك أعلنت روسيا أن هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للتغطية على دعمها للجماعات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» وإظهار نفسها بأنها الدولة المنقذة لدول المنطقة من إرهاب «داعش»، لن ينجح في مكافحة الإرهاب لأن منطلقاته الأساسية ليست جدية وليس هدفها القضاء على «داعش» والحركات الإرهابية الأخرى، والدليل ماثل أمامنا، ما حصل في الموصل ومحافظة الأنبار وكيف غزا «داعش» تلك المساحات الكبرى من العراق خلال ساعات قليلة ومن دون قتال، هل من الممكن أن يحصل هذا لو لم تكن الولايات المتحدة الأميركية متورطة في ذلك؟!

ويشير المصدر إلى ما ورد في خطاب أوباما حول القضاء على «داعش» في حرب طويلة الأمد فمثل هذا الكلام هو مؤشر واضح على أن الحرب على الإرهاب الذي تدعيه الإدارة الأميركية غير جدي، وهو إعلامي وصوري. وهو مؤشر على الاستمرار في استنزاف سورية والعراق انطلاقاً من الرهان الأميركي الدائم بإمكان حصول تسويات تصب في نهاية المطاف في مصلحة الكيان الصهيوني، إضافة أيضاً إلى الاستنزاف المالي المستمر لدول الخليج العربي، ناهيك عن عامل أساسي لعب دوراً في اللهجة التصعيدية التي أظهرها أوباما في خطابه الأخير وهي الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي التي ستجرى في تشرين الثاني المقبل.

ويضيف المصدر: تقول روسيا وتعتبر في الوقت نفسه أن الموقف الأميركي الذي جاء على لسان أوباما لا يشير جدياً إلى مكافحة «داعش» والإرهاب بل على العكس سيؤدي إلى تقوية قوى وتنظيمات إرهابية أخرى تحت شعار تسمية قوى معتدلة خصوصاً في سورية، وفي العراق الإدارة الأميركية لا تتعاطى مع الدولة العراقية كدولة مركزية بل التعاطي يتم بشكل أفعل مع إقليم كردستان، ولذلك لم يأت خطاب أوباما بجديد، هو يكرر الكلام نفسه عن ضرب الإرهاب ويريد تحجيم «داعش» وليس هزيمته بصورة كلية، لكي يقول إنه ما زال موجوداً في المنطقة وحتى يطمئن المملكة العربية السعودية، وليقول لدول الخليج الأخرى نحن لن نتخلى عنكم حتى لو تحاورنا مع إيران.

ويختتم المصدر: هذا التحالف الإعلامي ـ السياسي الهادف أميركياً لن يحارب الإرهاب بل سيكون سبباً لانتشاره. هو تحالف للدول الداعمة للإرهاب والدليل نوعية الدول المشاركة فيها باستثناء دول عدة لم تدعم الإرهاب، وما تبقى ارتباطاتها ودعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة أصبح علنياً وباعتراف الإعلام الغربي والعربي أيضاً. فكيف يمكن لتحالف هو في الأساس من أنشأ هذه المجموعات الإرهابية وغذّاها وموّلها وسلّحها ودرّبها لأهداف معروفة تخدم مصالحه السياسية في المنطقة والعالم أن يكون في الوقت نفسه محارباً لها؟ ولذلك فإن خطاب الرئيس أوباما عن محاربة «داعش» والإرهاب هو كذبة كبيرة على العالم وعلى الشعوب العربية وهو يعمل لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية وليس لمصلحة العراق أو سورية أو حتى السعودية وما يهم الإدارة الأميركية أولاً وأخيراً مصالحها الاستراتيجية في العالم ومصالح «إسرائيل» في الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى