عون: لتحرير القضاء من التبعيّة السياسيّة

شدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ضرورة تحرير القضاء من التبعيّة السياسيّة، وطالب القضاة برفع صوتهم في وجه من يضغط عليهم، مؤكّداً وقوفه إلى جانبهم لحمايتهم من أيّ ضغط. وأشار إلى أنّ العدالة المتأخّرة ليست بعدالة، داعياً إلى الإسراع في إصدار الأحكام.

كلام عون جاء خلال استقباله أمس، في حضور وزير العدل سليم جريصاتي، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد وأعضاء المجلس الذين أقسم سبعة منهم اليمين أمام رئيس الجمهورية، كونهم عُيّنوا في العامَين 2014 و2015 في ظلّ الشغور الرئاسي، وهم: رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل مروان كركبي، الرئيس الأول لمحكمة استئناف بيروت طنوس مشلب، رئيس الغرفة التاسعة لدى محكمة التمييز جان عيد، رئيس الغرفة الخامسة لدى محكمة التمييز ميشال طرزي، رئيس الغرفة الثامنة لدى محكمة التمييز غسان فواز، رئيس الهيئة الاتهاميّة في جبل لبنان عفيف الحكيم، رئيس الغرفة الثالثة لدى محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان محمد وسام عدنان مرتضى.

بعد أداء القسم، ألقى القاضي فهد كلمة، جاء فيها: «العدل على ما تعلمون يا فخامة الرئيس، هو أساس الملك وأساس الجمهورية توق إلى العدالة، وقد سلّطتم الضوء في خطاب القسم على سلامة القضاء ودوره في قيام دولة المواطنة واطمئنان المواطن إلى يومه وغده ومصيره، ولطالما ناديتم منذ سنوات بأن يكون لدينا قضاء موثوق، قضاء نطمئنّ إلى عدالته ونعتزّ بنزاهته ونفتخر بكفاءته وفعاليّته واستقلاليّته.

هذا هو سعينا، هذا هو دأبنا وهذه هي نيّاتنا، بل طموحاتنا وأمانينا، نبذل في سبيلها كلّ جهد وعزم وتضحية، لنضمن انتظام العمل القضائي وتفعيل إنتاجيّته كمّاً ونوعاً، ونؤمّن للمواطن حقه كاملاً، ونمنح القاضي الحصانة التامّة والاستقلالية الناجزة.

هكذا تؤدّي السلطة القضائية واجبها ودورها إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية في خدمة الوطن والمواطن. وكلّنا ثقة يا فخامة الرئيس، أنّكم ستولون السلطة القضائية الدّعم المطلق والثقة الكاملة».

أضاف: «تنتظرون منّا الكثير، ونحن لن نكون إلّا جادّين مخلصين في تحقيق هذه الانتظارات، بالتعاون مع معالي الوزير البروفسور سليم جريصاتي. ونحن مصمّمون على أن نكون على مستوى الحالة التاريخية التي يعيشها لبنان في ظلّ عهدكم الميمون المبشّر بالعدالة والسلام والتعاون والاتحاد.

فخامة الرئيس، لا يبقى إلّا أن نجدّد أمامكم ما عاهدنا الله به من أن نسهر على حسن سير العدالة وصيانتها من كلّ شائبة. ولنا في سيرتكم الذاتية، وفي خطاب قسمكم القدوة والمثال في العمل الدؤوب والمثابرة والإصرار على تحقيق ما أقسمنا على احترامه في سبيل قضاء نزيه عادل شفّاف، يكون ركيزة أساسيّة في عهد واعد حافل بالعدل والأمن والازدهار».

وردّ الرئيس عون مرحّباً برئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، مركّزاً على الأهمية التي يعلّقها على عمل القضاء الذي قال عنه في خطاب القسم أنّه يجب أن يكون محرَّراً من التبعيّة السياسيّة.

وأشار إلى أنّه سبق أن أورد في برنامجه في انتخابات العام 2009 ضرورة أن يكون القضاء سلطة منتخبة، وهذا الأمر يحتاج إلى تعديلات في القوانين القائمة حالياً.

وأضاف: «منذ اليوم، إنّ جميع القضاة محرَّرون من تبعية السلطة السياسية، وعليهم أن يرفعوا صوتهم في وجه من يضغط عليهم، وأنا سأكون إلى جانب القضاة لحمايتهم من أيّ ضغط. لا يجوز بعد اليوم أن تكون سمعة القضاة سيّئة، كما لا يجوز تعميم ذلك، لأنّ القضاء في مجمله نزيه وشريف وفعّال».

ودعا إلى «الإسراع في إصدار الأحكام، لأنّ العدالة المتأخّرة ليست بعدالة»، لافتاً إلى ضرورة تعديل قانون أصول المحاكمات على نحو يساعد في تقليل عدد الدعاوى التي لا تزال عالقة لدى المحاكم.

كذلك شدّد عون على الاهتمام بأوضاع قصور العدل، ووضع برنامج يؤدّي إلى تحسين بيئة عمل الجسم القضائي والمحامين، وكذلك الاهتمام بالسجون وبظروف الموجودين فيها لجهة مراعاة النواحي الإنسانية.

وبعدما أعرب رئيس الجمهورية عن أمله في إنجاز هذه الإصلاحات قريباً لتمكين القضاء من القيام بمهامّه، أكّد «مسؤولية القاضي في أن يحافظ على سمعته ويبقى بمنأى عن التجارب، لأنّ هناك الكثير من التدخّلات لدى القاضي لكي يتجاوز القانون لصالح الأشخاص، وهذا ما يجب أن يتحاشاه. وعلى الجميع أن يتحمّل المسؤولية، فهناك مجلس تأديبي وتفتيش قضائي للقيام بمهامّهم في هذا المجال».

وفي ختام اللقاء، تحدّث الوزير جريصاتي شاكراً رئيس الجمهورية على مواقفه حيال الجسم القضائي، ووجّه له دعوة لرعاية وحضور افتتاح السنة القضائية خلال الشهر المقبل، وقال: «إنّ مجلس القضاء الأعلى لم يجتمع كهيئة مقرّرة طالما أنّ الفراغ كان قائماً في سدّة الرئاسة، واعتباراً من هذه الساعة فللمجلس سلطة التقرير والاجتماع بعد حلف اليمين. فلكم الشكر لتمكينه من هذه السلطة».

أضاف: «لقد طلبنا، بناءً على رغبة فخامتكم، إجراء تشكيلات عامّة في القضاء، قائمة على معايير الجدارة والاستحقاق والاختصاص والكفاءة إلى جانب معايير أخرى يجب مراعاتها. وإنّنا نعاهدكم بأن نسعى جميعاً إلى أن يكون القضاء على ما تأملون، والإنسان يحاسَب على الأعمال. ونحن نأمل في خلال عمر هذه الحكومة أن نستطيع طبع علامة فارقة، هي علامة فخامتكم، في القضاء اللبناني.»

واستقبل الرئيس عون وفد «هيئة دعم المقاومة» برئاسة الحاج منيف أشمر، الذي ألقى كلمة حيّا فيها رئيس الجمهورية، مجدّداً العهد «بالدفاع عن كلّ حبّة تراب من لبنان في وجه العدويّن «الإسرائيلي» والتكفيري مهما غلَتِ التضحيات».

وشكر عون الوفد، مؤكّداً أنّ الوحدة الوطنية هي الأساس في المقاومة ضدّ «إسرائيل»، داعياً إلى «المحافظة على البيئة اللبنانية الحاضنة للمقاومة من خلال المحافظة على الأمن والاستقرار وضبط الحدود، ومحاربة الإرهاب استباقياً، ما ساعد في اعتقال إرهابيّين كُلِّفوا القيام باعتداءات في الداخل».

وفي قصر بعبدا، رئيس حزب الوفاق الوطني بلال تقيّ الدين، الذي تداول مع رئيس الجمهورية في الأوضاع العامّة في البلاد والمشاورات القائمة للاتفاق على قانون انتخابي جديد على أساس النسبيّة بهدف إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها.

قدّاس الميلاد

وكان عون حضر قدّاس عيد الميلاد في بكركي يوم الأحد الماضي، واستقبله البطريرك الماروني بشارة الراعي والكاردينال نصرالله صفير.

وبعد التقاط الصور في صالون الاستقبال الكبير، رحّب الراعي بزيارة الرئيس، لافتاً إلى «الارتياح الذي عمّ لبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة وما ينتظره اللبنانيّون من إنجازات».

وأكّد عون من جهته، أنّ «العمل الحكومي سيأتي على خُطى سريعة غير متسرّعة ومدروسة، لتكون على ما يتمنّاه اللبنانيّون».

بعد ذلك، توجّه والراعي إلى المكتب المُحاذي للصالون، حيث عقدا خلوة استمرّت نحو عشرين دقيقة عرضا خلالها المستجدّات المحليّة بعد إقرار مجلس الوزراء البيان الوزاري، إضافة الى التطوّرات الإقليمية.

وبعد الخلوة، عايد رئيس الجمهورية الصحافيّين المتواجدين في الصرح، متمنّياً أن يُعيد الله عليهم، وعلى لبنان، عيد الميلاد المجيد والسنة الجديدة بالخير والسلام. وقال: «في هذه المناسبة، نعدكم بأنّنا سنعمل بكلّ جهدنا لتكون سنة خير وسلام».

واعتبر أنّ «الوعود كثيرة وكذلك هي الانتظارات، وإن شاء الله لن تُصدموا بأيّ من هذه الوعود، لأنّنا سنعمل بجدّ وجهد لكي نحقّق هذه الأمنيات والانتظارات التي يحتاجها لبنان»، لافتاً إلى «فراغات كثيرة سُجّلت بكلّ ما للكلمة من معنى في المدة الطويلة الأخيرة، وحتى يومنا هذا».

وتمنّى ملء هذه الفراغات في الإنجازات وفي السلطة بما يلزم أن تُملأ به، من أشخاص، وصفات الكفاءة و«الآدمية، وأن تكون التقنيّات سليمة ويتمّ احترام الوقت لتكون مفخرة لجميع اللبنانيّين».

وردّاً على سؤال عن العيد الذي سيصدر قانون الانتخاب فيه، أجاب: «في عيد الانتخابات».

وبعد القدّاس، انتقل عون والراعي إلى صالون الاستقبال الكبير، حيث تقبّلا التهاني بالعيد قبل أن يغادر رئيس الجمهورية الصرح البطريركي.

وكان الراعي ألقى عِظة خلال القدّاس، قال فيها: «فخامة الرئيس، ظلمات كثيفة تكتنف الشعب والوطن. إنّ عهدكم، مع معاونيكم في المجلس النيابي والحكومة والمؤسسات العامّة، يُنتظر أن يكون عهد الاستنارة من أجل تبديد الظلمات عن الوطن والاقتصاد والأمن الاجتماعي. فالوطن في حاجة إلى مصالحة وطنية شاملة تشدّد عراه بروح الشركة والمحبة، فتزول معه ظلمة الخلافات والنزاعات على حساب الخير العام».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى