من الذئب المنفرد إلى العائلة المستذئبة
د. رائد المصري
مَن يراقب عملية الاغتيال المقزّزة والوحشية للسفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف، يدرك جيداً أنّه لا يمكن الاستئمان وإدارة الظهر لجماعات الإخوان، ولكلّ من يستظلّ بفيئها ويعيش في كنفها. خصوصاً تلك العبارات التي أطلقها منفّذ العملية، ولاقت الاستحسان عند الأغلبيات العربية التي لم تخرج بعد من عقدها التاريخية والموروثة جيلاً بعد جيل، في عقل جمعي ندر أن وصلت مجتمعات إنسانية الى هذه الحالة من البؤس والخنوع والفهم الضيّق لمعاني التحرّر.
إذن، تتلازم مسيرة داعش التضليلية والقاتلة ومرادفاتها من التنظيمات التكفيرية مع الاستبداد أو ما أسموه بالثورة المضادّة، أيّ بعد عام 2011 وانتشار اليمين المتطرّف في العالم. يمين يقارب الفاشية بوحشيته وإلغائه وتضليله المريب.
فالهزائم المتتالية لمشاريع التقسيم والسطو والاستعمار الإمبريالي المتعولم، جعلت أصحاب هذه المشاريع يتحوّلون في كيفية الاستفادة قدر الإمكان، ويحوّلون هؤلاء الرّعاع من ذئاب منفردة الى عوائل مستذئبة، وفي كلّ الأحوال سبق ذلك تبليغ ودعوة وحرب إبادة ووجود ضدّ شعوب المنطقة بأكملها من خلال هذه العناوين والأضاليل.
عملية إدراج الطفولة في مؤسّسات الهياكل الناظمة للقتل والتدمير جاءت تعبيراً كجزء من الأدوات المتاحة في المعركة المستمرة، عبر صناعة الجهاديين الصغار من خلال قدرة إنتاجية لتلاقي طموحات التنظيمات التكفيرية وحاجاتها الجديدة في ساحات وميادين الانخراط المتعدّدة، ومن خلال الاعتماد على النصوص التاريخيّة والدينيّة الملتبسة في سياق عمليات الأدلجة للصراع ولأدواته.
فعمليّة اغتيال السفير الروسي في تركيا وعملية تفخيخ الأطفال وإرسالهم للتفجير عن بُعد وعمليات الدهس الجارية في أوروبا، جاءت لتعلن فصلاً جديداً من فنون القتال والحروب وتكتيكاتها الصادمة، إلاّ للعقل العربي الجمعي، هو فصل يتجاوز كما تبيّن، نظريّة الذئب المنفرد إلى العائلات المستذئبة في أبشع صناعة للجرائم الأخلاقيّة عبر التاريخ الإنساني.
فها هو رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يتقدّم بـ»عروض مغرية» يطرح فيها من جديد تطبيب الإرهابيين التكفيريين الذين أصيبوا في سورية. عروض قوبلت بصمت عربي يعدّ الأكثر تخاذلاً وذلاً. وهنا تكمن المهانة الكبرى للكرامة العربية أكثر، حين يعتقد ويؤكّد بعض هذا العرب أنّ كيان الاحتلال ليس عدواً بل «حليف» يمكن الاعتماد والاتّكال عليه يوم المصاعب، ويسعون للتطبيع معه. لن يشكّل ذلك استهجاناً عرض نتنياهو المهين والمخجل هذا، إنّه فعلاً زمن الردّة التي قتلتنا وزمن السقوط المدوّي الذي نبحر فيه.
في مجمل القول والحديث عن تبدّل التكتيكات الإرهابية، تكمن الخشية في أن تكون مرحلة تفجير المخيمات الفلسطينية في لبنان في الداخل وفي الخارج بهدف إرباك المقاومة، بغية استيعاب جحافل التكفيريين الفارّين من سورية، وكي لا يتعرّض لبنان للإرهاب ثأراً لهزيمة المشروع الأميركي والتكفيري في سورية وتعويضاً للعدو الإسرائيلي، وكي لا يتمّ تحريك شبكات العملاء، وجب الحذر الشديد كي لا يستدرج في ما لا يريده اللبنانيون والمقاومة.
مَن يعدّ ضحاياه بالأرقام… لا يمكن له أن ينتصر… ومن يعدّ لنا ضحايانا هو موبوء وفاشل وعميل صغير… مصيره مزبلة التاريخ أو الباصات الخضراء التي باتت تشكّل عنواناً للانتصارات الاستراتيجية على الإرهاب المموّل والمدعوم استعمارياً ورجعياً…
فويل لأمة تفرح وتبتهل لمقتل سفير روسيا في الوقت الذي يوزع أبناؤها الحلوى المجانية على الطرقات ابتهالاً بما يعتبرونه نصراً، وهم لا يملكون ثمن الطعام والأدوية لأنّ الامبريالي والاستعماري وخدمه من المتأسلمين قد شلّحوهم كلّ ما يملكون… ولا زالوا يسبّحون بحمدهم…
فلمن يقرأ التاريخ، لأنّ العرب لا يقرأون أبداً بسبب تاريخهم المجبول بالغدر: الروس دفعوا ثمن تحرير فنلندا من النازية في الحرب العالمية الثانية 13 ألف جندي روسي لا تزال قبورهم إلى اليوم… هذا يعني أنّ اغتيال سفير لها بعمل جبان لن يؤثر على أدائها وموقفها في تحرير ما تبقى من أمة نائمة من النازية الإسلامية الجديدة…
العقل الجمعي العربي يعتبر اغتيال السفير الروسي في أنقرة هو بسبب تدخل روسيا في سورية ومعركة حلب… ومعلوم أنّ الإرهابيين الذين دعمتهم وموّلتهم أميركا وقطر والسعودية لتدمير ليبيا، قتلوا وسحلوا السفير الأميركي في شوارع بنغازي…
ربّما بل من المؤكّد أنّ العملية الروسية ساعدت في وضع حدّ لتوسيع نطاق سيطرة التنظيمات الإرهابية التكفيرية في المنطقة، بالإضافة إلى ضرب المنظومات التي تغذي العصابات الإرهابية بالأموال والإمدادات وقطع سلسلة الثورات الملوّنة في الشرق الأوسط وفي أفريقيا، كما صرّح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، لتتحوّل الرصاصات التي اغتالت السفير الروسي في أنقرة… الى رصاصات بلا رحمة على هؤلاء المجرمين من السلفيين التكفيريين الإسلاميين… وسيلاحقهم القيصر إلى داخل حماماتهم… فاسألوا قطر وأميرها ماذا فعل بقادة وإرهابيّي الشيشان في الدوحة…؟