قرار مجلس الأمن… صفعة للكيان والمسؤولية الفلسطينية
رامز مصطفى
ما أن انتهى رفع الأيادي بالموافقة والامتناع داخل قاعة اجتماع مجلس الأمن حتى علا التصفيق، مُشكلاً العلامة الفارقة في حياة الأمم المتحدة، الذي صوّت مجلس أمنها وبالأغلبية الساحقة 14 دولة وامتناع الولايات المتحدة على مشروع القرار، الذي تقدّمت به كلّ من ماليزيا والسنغال وفنزويلا ونيوزيلندا لوقف الاستيطان «الإسرائيلي»، وعدم شرعية إنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة بما فيها القدس، ويعدّ إنشاء تلك المستوطنات انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، والمطالبة بالوقف الفوري لكلّ الأنشطة الاستيطانية خطوة غير مرتقبة فلسطينياً أو «إسرائيلياً»، لأنّ الإدارة الأميركية التي اكتفت مندوبتها بالامتناع عن التصويت فقط، جاء من خارج السياق التقليدي للولايات المتحدة التي تلجأ في قرارات كهذه وكما عوّدتنا إلى إشهار حق النقض الفيتو في وجه أية قرارات تمسّ أو تدين «إسرائيل»، وهذا ما عبّر عنه السفير الإسرائيلي لدى المنظمة الدولية داني دانون انّ كيانه توقع أن تلجأ واشنطن الى الفيتو «ضدّ هذا القرار المشين». وبالتالي فإنّ اعتقاداً ساد الأوساط في مجلس الأمن بعد أن لجأت مصر إلى سحب مشروعها، هو إعطاء «الإسرائيليين» هامشاً زمنياً من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على الدول الأعضاء بهدف تغيير مواقفها المؤيدة للمشروع وتنوي التصويت لصالحه. ولكن المفاجأة هي مبادرة الدول الأربع إلى أخذ المشروع المصري، والذي لم يلزمها سوى تغيير اسم الدولة المقدّمة للمشروع لتضع أسماءها، وتقدّمه إلى رئاسة مجلس الأمن، من دون إدخال أية تعديلات عليه.
وبغضّ النظر عما سُرّب في وسائل الإعلام والمستندة إلى اتهامات «إسرائيلية»، عن أنّ الرئيس أوباما ووزير خارجيته هما من وقفا وراء المضيّ في مشروع القرار ليصبح قراراً محققاً بعد امتناع المندوبة الأميركية عن التصويت بدلاً من استخدام الفيتو في وجه القرار. والخلفية التي استندت إليها الاتهامات «الإسرائيلية»، هي رغبة إدارة أوباما الراحلة قريباً، أن تسدّد جزءاً من فاتورة الحساب الطويلة بينها وبين نتنياهو، الذي جاهر معبّراً في أكثر من مناسبة عن خلافاته وامتعاضه من إدارة الرئيس أوباما، هذا من جهة ومن جهة ثانية هي رغبة إدارة الرئيس أوباما وضع إطاراً محدّداً أمام الرئيس ترامب القادم إلى البيت الأبيض للتعاطي مع ما يسمّى ملف الصراع «الفلسطيني الإسرائيلي»، وخصوصاً بما يتعلق بالإستيطان. فإنّ قرار مجلس الأمن بالقدر الذي مثلّ انتصاراً سياسياً لفلسطين، هو في المقلب الآخر صفعة لـ»إسرائيل» وسياساتها وممارساتها، وفرصة جدية لوضع تلك السياسات والممارسات الإجرامية أمام المساءلة القانونية والأخلاقية من قبل المجتمع الدولي ومنظماته ومؤسساته، خصوصاً الحقوقية. وبالتالي إلى رفع المزيد من المداميك في جدار عزلته المتنامية في مختلف دول العالم بما فيها أوربا وأميركا. وبالتالي من شأن القرار الذي جاء ليُعرّي الكيان ويُدين جرائمه التي تقف قضية مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان في المقدمة منها، أن يُعطي دفعة جديدة في ملاحقة ومقاضاة الكيان وقادته أمام المحاكم الجنائية الدولية، ويُعطي مؤشراً بالغ الأهمية إلى أنّ الكيان يفقد وبوتيرة متسارعة قدرته في التأثير على الساحة الدولية. والقرار الذي أتى على مسافة زمنية ليست بعيدة من تسمية الإدارة الترامبية القادمة في العشرين من الأول من العام الجديد لديفيد فريدمان سفيراً جديداً لها هناك، وهو الذي أي ديفيد فريدمان أكد تطلعه العمل من القدس التي وصفها بـ»العاصمة الأبدية لإسرائيل»، من خلفية أنه من أبرز المشجعين على الاستيطان والمؤيدين لضمّ الضفة الغربية إلى الكيان «الإسرائيلي»، من شأن القرار فرملة اندفاعة السفير فريدمان وإدارته نحو تغطية الأعمال الاستيطانية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية.
على أهمية القرار الأممي، ولكن الأمر لا يجب أن يقف عند حدود اتخاذ القرار، بل تكمن في الآليات التي تجبر وتفرض على الكيان الصهيوني تنفيذ القرار بمتعلقاته. وهذه مسؤولية فلسطينية أولاً وقبل كلّ شيء، مما يستلزم وضع خارطة طريق سياسية من أجل إنجاز ذلك الهدف الوطني من سلسلة أهداف من الواجب العمل عليها. خصوصاً أنّ ردود الأفعال «الإسرائيلية» على القرار أصبحت واضحة لجهة ليس فقط عدم الالتزام والانصياع لمتطلبات قرار مجلس الأمن، بل في رفع وتيرة الاستيطان والمصادقة على بناء البؤر الاستيطانية ومصادرة المزيد من الأراضي، في ظلّ وعود أطلقها الرئيس الأميركي ترامب، أنه سيصلح الخلل في مجلس الأمن والقرار الذي اتخذه بوقف الاستيطان واعتباره غير شرعي، ويهدّد السلام في المنطقة، وهذا ما أكد عليه داني دانون بالقول عقب التصويت في مجلس الأمن «إنّ الإدارة الاميركية الجديدة، والأمين العام الجديد للأمم المتحدة، سيبدآن مرحلة جديدة على صعيد العلاقة بين الأمم المتحدة وإسرائيل».
يبقى أن نتوجه بالتحية الكبيرة لكلّ من ماليزيا والسنغال وفنزويلا ونيوزيلندا، التي تقدّمت بمشروع القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن بالأغلبية الساحقة، وبالتالي، الترحيب بالقرار الأممي على الرغم من تأخره عقوداً من الزمن أولاً، والذي لا يلبّي التطلعات الفلسطينية على كامل أرضنا الفلسطينية ثانياً.