العربدة وتوازن الردع
غالب قنديل
العربدة الأميركية المتجددة ضد سورية هي الغلاف الذي يعكس مأزق إدارة أوباما وعجزها أمام ملحمة الصمود السوري وهزيمة مشروعها لتدمير الدولة الوطنية السورية في سبيل تنصيب حكم عميل دمية في دمشق يلبي شروط الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة.
المفارقة المهزلة أن واشنطن تبني خطابها العدواني ضد سورية على حملة مزعومة ضد الإرهاب الذي تكفلت برعايته ودعمه واحتضانه وقامت باستحضاره إلى سورية من الغرب والشرق بمعونة حكومات تركيا والسعودية وقطر التي لا تزال حتى اليوم توفر الإمداد المالي واللوجستي والرعاية السياسية والإعلامية لعصابات التكفير الإرهابية.
إن التغاضي الأميركي الوقح عن أفعال تلك الحكومات يصب في تأكيد حقيقة أن حملة أوباما ترمي إلى ضبط الإرهاب والحد من خروجه على السيطرة لمواصلة استعماله وتوظيفه على غرار ما فعل قبل ثلاث سنوات كل من ديفيد بيترايوس وبندر بن سلطان وحقان فيدان وحمد بن جاسم بالتنسيق مع الاستخبارات الأردنية والموساد «الإسرائيلي» الذي يؤدي راهناً على جبهتي الجولان وشبعا والعرقوب قسطه باحتضان فلول النصرة وكتائب ما سمي الجيش الحر التي تتبع تعليمات المشغل القطري ولا يزال الرئيس الأميركي يدعوها بالمعارضة المسلحة المعتدلة على رغم طابعها التكفيري والإرهابي في الشكل والمضمون بينما يجاهر وزيره جون كيري أو «السيد بوتوكس» كما تدعوه الصحافة الأميركية في بيان جدة البائس بضرورة تمويلها وتسليحها ولم يجف حبر حديث سيده الذي نعتها بالفانتازيا وقال إن الرهان عليها كان إهداراً للوقت.
قبل سنة من الآن حبس العالم أنفاسه مع تهديد أوباما بالعدوان على سورية وكان تراجعه حصيلة توازن الردع المنطلق من إرادة المقاومة والدفاع السورية الثابتة ومن صلابة مواقف شركاء سورية وعلى وجه الخصوص روسيا وإيران وحزب الله والقادرين على رفع مستوى الشراكة وتطوير مفاعيلها وآثارها بقرار سياسي يقترب التوقيت المناسب لاتخاذه.
خلال العام الماضي تطورت قدرات الجيش العربي السوري وتعمقت شراكته مع الحلفاء وزادت خبراته الميدانية والقتالية وحقق إنجازات كبيرة ومرموقة في ساحات القتال وأظهرت الانتخابات الرئاسية تحولاً نوعياً كبيراً في وعي الشعب العربي السوري وخياره الوطني التحرري وثقته بدولته الوطنية وبالرئيس بشار الأسد وهو ما يرفع مستوى القدرة على ردع أي عدوان استعماري يستهدف سورية.
في حساب توازن القوى يتأكد أن العربدة الأميركية هي ظاهرة صوتية تعكس عنجهية الإمبراطورية العظمى التي تخشى حساباً مستحقاً على مساهمتها في توليد الإرهاب ورعايته بقدر ما تخشى ارتداد آلاف الإرهابيين الذين سهلت لهم الانتقال إلى المنطقة نحو دول المصدر وفي اتجاه الداخل السعودي المهدد بفالق داعش في قلب المؤسسة الوهابية.
إن الخيار الطبيعي الذي يفقد الولايات المتحدة زمام المبادرة يقتضي تطوير الحلف المشرقي المناهض للهيمنة الذي يضم روسيا والصين والهند وإيران وسورية مع جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية وانخراطه في خطة موحدة لمكافحة الإرهاب واشتراطه للحلف الدولي ما طرحه الوزير لافروف من انبثاق للتحالف عبر مجلس الأمن وشراكة سورية وإيرانية لا بد منها لسحق الإرهاب التفكيري بدلاً من تطويعه الذي هو غاية الولايات المتحدة وأذنابها وشركائها.
لسنا نخشى على سورية من العدوان فهي تمتلك ما يكفي من الإرادة والقوة لصد أي حماقة استعمارية وحلفاؤها لديهم من التصميم والثبات ما يجعل سيناريوات الحرب الكبرى التي عممت في مثل هذه الأيام قبل سنة نزهة استجمام مقارنة بما سيقع من ضربات مزلزلة تطاول المصالح الأميركية والغربية والكيان الصهيوني وجميع قوى العدوان الغاشم من حكومات وأدوات عميلة في المنطقة.