حلب… تكشف الكثير من خفاياها

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

حلب بعد عودتها إلى حضن الوطن بعد اختطافٍ زاد عن ثلاث سنوات… لم تكشف فقط عن حجم الدمار والخراب الذي حلّ بها نتيجة اختطافها من قِبل الجماعات الإرهابية التي زادت عن مئة جماعة وجبهة أكبرها ما يسمّى «النصرة» المتحوّلة إلى «فتح الشام»، تلك الجماعات الإرهابية التي وُظّفت ودُعمت بشرياً وعسكرياً ومالياً وأمنيّاً ومخابراتياً ولوجستياً من أكثر من دولة عربية وإقليمية ودولية، ومن دولة الاحتلال الصهيوني لتحقيق جملة من الأهداف والأجندات تقف في المقدّمة منها إعادة انتاج هويّة الدولة السورية، بما يضمن بناء سورية الجديدة، سورية المتخلّية عن هويّتها القومية وعن كرامتها وموقفها والفاقدة لاستقلالها وقرارها السياسي وإرادتها، سورية بدون القيادة السورية الحالية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد، والمشاريع المستتبعة لذلك تقسيم وتجزئة وتفكيك وتذرير جغرافيا سورية وإعادة تركيبها على أساس تخوم المذهبيّة والطائفيّة، مع اقتطاع أجزاء منها لصالح أدعياء الخلافة في أنقرة والانفصال عند الأكراد وغيرهم.

حلب كشفت عن الحجم الكبير لعمليات سلب ونهب قامت بها تلك الجماعات الإرهابية بالتعاون مع جهات إقليمية وعربية ودولية، وقفت في المقدّمة منها تركيا، حيث سرقة الآثار والمصانع الحلبية، وحتى منبر صلاح الدين في المسجد الأموي لم يسلم من السرقة، وكذلك هؤلاء الذين كانت تتباكى عليهم كلّ المنظومة المشاركة في الحرب والعدوان على سورية من واشنطن وحتى «تل أبيب»، تحت ذريعة قصف وقتل المدنيّين العُزَّل، وعدم إدخال المساعدات الإنسانية إليهم، والذين وظّفت جماعة الإخوان المسلمين كلّ طاقاتها وإمكانيّاتها ووسائل إعلامها والإعلام الخليجيّ، وبالذات قناتَي الفتن المذهبية والفيديوات المدبلجة والأخبار المفبركة «الجزيرة» و«العربية»، من أجل استعطاف الشعوب العربية ودول العالم، من خلال إظهار النظام السوري بالنظام الإرهابي والدموي الذي يقتل شعبه، وجرى نشر «هاشتاغات» بعنوان «حلب تحترق».

من بعد تحرير حلب أو قبل الانتهاء من عمليات التحرير، كانت الجماعات الإرهابية تراهن على التدخّلات العربية والإقليمية والدولية، التي تبقي على وجودها في حلب، فقد عملت على تخريب الاتفاق المتزامن مع خروج تلك الجماعات الإرهابية بأسلحتها الفرديّة ومع عائلاتها نحو إدلب وريفها، مقابل خروج المرضى والأطفال والحالات الإنسانية من بلدتَي الفوعة وكفريا المحاصرتين من قِبل تلك الجماعات الإرهابية في ريف إدلب، حيث عمدت إلى حرق العديد من الحافلات ومنعت البقيّة من الدخول، وقتلت اثنين من سائقيها، ولكنّ الموقف السوري حازم إمّا الالتزام بالاتفاق، وإمّا الاجتثاث لتلك الجماعات الإرهابية.

من بعد خروج الجماعات الإرهابية من حلب، كشفت حلب عن الكثير من الحقائق، جماعات إرهابية.. أموال وسلاح أُغدق عليها باعتراف قادة تلك الجماعات، كان كافياً لتحرير فلسطين مئة مرة ولتدمير سورية مئة مرة أخرى. أنفاق وقرى كاملة حُفرت بأحدث آلات الحفر الأوروبية الغربية وبالتحديد الألمانية، والتي لا يقلّ قيمة كلّ حفّار منها عن 6 ملايين أورو، ترسانات من الأسلحة وبأحدث الأنواع كانت تُستعمل في قصف المدنيّين في غرب حلب والمؤسسات المدنية، وكذلك مواد كيماوية وغازات سامّة استخدمتها تلك الجماعات الإرهابية أكثر من مرة في قصف المدنيّين والجيش السوري، تدمير متعمّد في البنى التحتية، طرقات، شوارع، خطوط كهرباء وماء وصرف صحي، نهب وسرقة للبيوت والمؤسسات الاقتصادية والمصانع، وتدمير ممنهج لكلّ شيء.

مقابر جماعية وُجدت لمدنيّين وأطفال أُطلق عليهم الرصاص في الرأس من قِبل تلك الجماعات قبل أسبوع واحد على خروجهم من حلب، والحكومة السورية ستعرض ذلك على شاشات التلفزة، كذلك كان هناك بنك معلومات تمّ الاستيلاء عليه يتضمّن تفاصيل عن تلك الجماعات الإرهابية، كأسمائها وبلدانها وانتماءاتها.

«أطفال» حلب، هؤلاء الذين بدأ الصراخ والعويل والبكاء عليهم في واشنطن، في لندن، في باريس، في أنقرة، في الدوحة، في الرياض وفي «تل أبيب».. الكلّ صرخ من أجل إنقاذ «الإنسانية» التي تتعرّض للذبح في حلب؟

صراخ وعويل ليس على حلب وأطفالها، بل على مشروعهم الذي سقط، مشروع تقسيم سورية، ومشروع إنتاج سايكس ـ بيكو جديد.

من بعد خروج تلك الجماعات المسلّحة والإرهابية، وجدنا السكان يهرعون بالعودة إلى حلب، وبالهتافات والرقص والغناء كانوا يعبّرون عن فرحتهم بالخلاص من تلك الجماعات الإرهابية وبعودة حلب لحضن الوطن.

أقاموا احتفالاتهم بأعياد الميلاد المجيدة على ما تبقّى من أنقاض الكنائس التي دمّرتها وخرّبتها الجماعات الإرهابية في حلب، انتهى مسلسل القتل والذبح في حلب.

ما تحقّق في حلب من نصر، سيكون له تداعياته ونتائجه ومتغيّراته وتحالفاته وطبيعة القوى التي ستتحكّم في المنطقة، حيث سيتمّ رسم معادلات جديدة، بناءً على نتائج هذا الانتصار. أميركا وحلفاؤها من عرب وإقليميّين و«إسرائيل»، لن يكونوا المتسيّدين في المنطقة أو أصحاب اليد الطولى في التحكّم بها وبقراراتها ومواردها وثرواتها، بل العالم سيكون أمام قطبيّة متعدّدة، سيكون لروسيا وإيران والصين ودول «بريكس» وسورية، ومعها كلّ قوى المقاومة العربية، دور بارز في رسم معالمها وتحالفاتها.

حلب كشفت عن عمق أزمة الجماعات الإرهابية وداعميها، فها هي تونس ترفض عودة تلك الجماعات الإرهابية التونسية التي شاركت في العدوان على سورية، وها هي تركيا تدفع ثمن رعايتها وحضانتها لتلك الجماعات الإرهابية، حيث تشهد حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وحتى الانهيار الاقتصادي، وكذلك وجدنا بأنّ أزمة تلك الجماعات وانهيارها دفعت بها للضرب في أكثر من مكان، حيث كانت الأردن هدفاً لها من خلال العمليات الإرهابية في الكرك.

التداعيات والتطوّرات المتوقَّعة لما بعد نصر حلب ستكون كبيرة وبحجم نصر حلب، وستكشف حلب عن الكثير من خفاياها وكنوزها الدفينة، وحتماً ستعود حلب عاصمة اقتصادية للشام.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى