مختصر مفيد تركيا تتموضع تحت الجناح الروسي

لا تستطيع تركيا المرتبكة أن تضع بيض الدور الإقليمي الذي تبحث عنها في السلة الأميركية المرتبكة بين ولايتين، واحدة تبدأ وواحدة تنتهي، في ظل سياسة يبدو الثابت الرئيسي فيها لدى الرئيس القادم إلى البيت الأبيض دونالد ترامب هو السعي للتفاهم مع روسيا. وطالما لم يعد الخيار بالنسبة لتركيا بين دور في صناعة التفاهمات والتسويات في سورية يمنحها بعض الدور الذي حلمت به وعملت له، وبين فرص نيل الدور كاملاً كما كانت قراءتها قبل الحرب في حلب، واختارت الذهاب للحرب أملاً بذلك الدور، وقد صار الاختيار اليوم بين خيار مواصلة التصعيد الذي يكلّف غيرها كلاماً ويكلفها مواجهة مرهقة، أطرافها موجودة في جوارها الجغرافي المباشر من روسيا شمالاً وسورية جنوباً وإيران شرقاً، أو القبول بالانخراط من موقع الشريك في رعاية التسويات.

منذ عودتها من خيار القطيعة مع موسكو كانت تركيا تحتاج معركة حلب ونتائجها لترسم خيار الخطوة الحاسمة، ورمت تركيا بثقلها لتفوز بها وتضع قواعد التفاهم التفصيلي مع موسكو من موقع جديد، لكنها كانت قد رسمت قواعد الاستعداد للانخراط في الخيار المعاكس، وسريعاً عندما تقول حلب كلمتها المعاكسة، وقد قالت، فسارعت تركيا للمشاركة في تفاهم يلبي الشروط السورية لإخلاء المسلحين من الأحياء الشرقية في حلب، ولسان حالها مع الجماعات المسلحة التي خاضت معارك حلب وهزمت، هو: ماذا ستتوقعون أفضل مما توفر لكم في حلب للحديث مجدداً عن الخيار العسكري، فسقف ما يمكن للغرب أن يقدّمه قد ظهر في حلب، وسقف ما يمكن للجغرافيا أن تقدّمه في الحرب قدّمته في حلب، وسقف ما يمكنكم فعله فعلمتوه في حلب، في حلب سقط الخيار العسكري للمعارضة وليس موقعاً عسكرياً ولا مجرد مدينة مهمة، وصار البحث عن كيف وما هي سقوف الخيار السياسي؟

المظلة المتاحة والمفتوحة أمام تركيا للخيار السياسي والدور الذي تناله ضمنه هما في هذا الوقت الضائع بين إدارتين أميركيتين، وتحت عنوان جلب الجماعات التي تعمل تحت المظلة التركية وضبطها في خطة الهدنة والمسار السياسي بالتشارك مع روسيا وإيران، والتسليم ضمناً بأن سقوف هذا الخيار لا مكان فيها للحديث الجدي والفعلي عن إسقاط النظام واعتبار الفرصة متاحة للخطابات الغوغائية فوق طاولات التفاوض، فالمعادلة الجديدة لا تتيح أكثر من محادثات تنتهي بتشكيل حكومة تمهّد لانتخابات، معلوم سلفاً بعد كل الذي جرى أنها ستكون لصالح مؤيدي الرئيس السوري، وأن الجائزة التي ستنالها تركيا هي الحلول مكان أميركا والسعودية، ريثما تلتحقان بالتسوية التي تكون تركيا قد حجزت فيها المقعد الإقليمي الأهم.

تُنهي تركيا مع التفاهم الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووقّعته الحكومة السورية والفصائل المعارضة التي جلبتها تركيا إلى طاولة التفاوض، المسار الذي بدأته منذ ست سنوات، وغامرت لأجله بكل شيء ووصلت حافة الحرب لتحقيقه، وقد تحتاج تركيا وقتاً لإنهاء الاستدارة لكنها تدرك عميقاً أن الخطوة التي لا يمكن تخيّل مكانة إقليمية جديدة بعد كل الخراب الذي تسبّبت به من موقع أوهامها وأحلامها، لا يكتمل دون التطبيع مع سورية الدولة والرئيس، اللذين يتصدّران الحرب على الإرهاب، الذي جلبته ورعته واستخدمته تركيا لضرب سورية وإسقاطها، وترتضي اليوم جعله عنوان الحرب التي تنخرط فيها..

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى