المارد السوري لا يحتاج إلى حماية القزم التركي

اياد موصللي

قال جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا:

«إنّ الأخبار عن قبول تركيا بقاء الأسد في ولايته وضمان أمنه بعدها غير صحيحة! وعملية الاتفاق السياسي مع وجود الأسد مستحيلة… وإن دخول القوات التركية إلى الموصل غير وارد حالياً».

ونحن نقول لأوغلو وأردوغان انّ هذا الكلام صحيح… فبقاء الاسد وأمنه واستمراره ليس شأناً تركياً ولا هو شأن خارجي… إنه قرار وطني يصدر عن إرادة شعبية في الشام، وما يقرّره السوريون، وقد قرّروه في بلادهم، هو الذي ينفذ، ولعلّ تركيا وحدها تعرف ذلك كما نعرف نحن أنّ الاتراك وقبولهم او رفضهم، كلام يطلقونه لتكبير حجمهم ودورهم.. لقد قرّر السوريون موقفهم واختاروا قيادتهم موحّدين وراءها ووراء جيشهم…

إنّ الموقف التركي الحالي ليس وليد قناعات سياسية ونظرة جديدة وسلوكاً جديداً، إنه موقف ناجم عن الفشل السياسي العسكري… فشل الأحلام والأوهام..

منذ ستة أعوام حتى الساعة حضنت تركيا الحركات الإرهابية وأرسلتها للقتل والتدمير في الشام، وطعنت جيرانها في ظهرهم بسلاح الغدر والخيانة، وهدفها إسقاط النظام وإحلال نظام عميل لها ولـ»إسرائيل» بما يكفل السيطرة على أجزاء من البلاد والتمدّد وتحقيق حلم مستحيل… في الشام والعراق.

وأثبت السوريون أنهم أهل الملمات وأصحاب وقفة العز وإرادتهم هي القرار وهي القول الفصل.. بعد ست سنوات من قتال شرس غدار وتدخل تركي «إسرائيلي» سعودي وتوابعه.. قال السوريون في الشام والعراق كلمتهم.. ولقنوا المعتدين الدرس بثبات وطني وتلاحم وسخاء في العطاء هم وقيادتهم وجيشهم.. اندحر العدوان وتلقّت تركيا درساً ذكّرها بماضيها الذي لم ننسَه…

وتريد اليوم وبعد هزيمتها أن تستفيد من مركزها الجغرافي وأن تستعيد موقعاً فقدته.. تريد أن تستغلّ الموقف الروسي والإيراني وتظهر نفسها أنها تلعب دوراً فاعلاً، وأن تقول للعالم إنها صاحبة قرار لا مجرد ملحق أو رديف أخذت دورها لكونها كانت الممرّ والمموّل للجماعات الإرهابية وتريد أن تستبدل هذا الدور بدور إيجابي، وأن تنضمّ للدول المحاربة لإرهاب سُحق في الشام والعراق…

إنّ التأييد الروسي الإيراني للسلطة في الشام هو موقف استراتيجي متولّد من عوامل عديدة جعلت هذه المجموعة موحدة الأهداف تستمدّ قوتها من إيمانها بأنّ هذا العدوان هو إرهاب ذو أبعاد تكفيرية تدميرية لا تستهدف سورية وحدها، بل المنطقة والعالم كله.. فاتخذت موقفاً واضحاً صريحاً ودعمت الجهود السورية سياسياً وعسكرياً في محاربة الإرهاب التكفيري، في الوقت الذي كانت تركيا تضع كلّ قدراتها وإمكانياتها بدعم الإرهاب ورعايته..

بعد 400 سنة من حكم عثماني تركي لبلادنا باسم الدين وتقبّل شعوب المنطقة له إيماناً بأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.. بعد هذه الحقبة الطويلة من الزمن كفرت شعوبنا بأخوة الإيمان، وبحثت عن أخوة الانتماء، وعملت بكلّ قواها من أجل ان تتخلص من هذا الاستبداد المقيت، فإذا عدنا لكلّ مراحل السيطرة التركية البائدة في بلادنا التي انتهت دون ان تترك أثراً ايجابياً نفسياً أو حضارياً. وإنّ ما مرّ على أمتنا يدلّ على أنهم يكرهون شعبنا والشعوب العربية، لأنهم عاشوا في بداية سيطرتهم مماليك أتراكاً، عرفوا بهذا طيلة فترة وجودهم ثم الانكشارية. كذلك كانوا جنوداً مخصيّين يعملون في خدمة السلطان ويكرهون الأكراد، لأنّ الأكراد كانوا أسياداً وأصحاب مكانة ووجود، والأكراد وحدهم لم يكونوا مماليك بل آغوات وقادة وحكام قبل أن يبرز العرق التركي المملوكي ويستولي على السلطة متسلحاً بالحق الديني..

كان السلوك التركي طيلة فترة وجوده في بلادنا سيئاً ظالماً مجحفاً، فليس في كلّ تلك الفترة مرحلة مشرقة تذكرنا بهذا العنصر البغيض… الذي لا ننسى مجازره والمشانق التي نصبت للأحرار في دمشق وبيروت. واليوم تحديداً يناور الأتراك حول الموقف في سورية، يضعون قدماً في الحقل وقدماً في البيدر بانتظار تبلور الوضع الدولي والمحلي والإقليمي كي يكفشوا أوراقهم كاملة..

ونحن ما وثقنا ولا مرة بهم وبمواقفهم الاستغلالية المعادية والمتناقضة مع مصالحنا.. ونعود فنذكر بقول الزعيم أنطون سعاده:

«اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين والمعتدين.. وإنّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير.. والثاني هو الخطر التركي». ففي بلادنا مارس الأتراك القتل والذبح بحق الأرمن الموجودين على أرضنا، وحاولوا وما زالوا حتى اليوم يحاولون القضاء على الوجود الكردي، لأنّ الأكراد جزء أساسي وأصيل من الشعب في الشام والعراق، ويتخذونهم ذريعة للاعتداء على بلادنا.

ونذّكر بالمقال الذي كتبه هـ سايد بوتون ونشره في جريدة «الديلي سكتس» في 25 أيار 1938 وأعادت نشره «الديلي تايم».. منذ ذلك التاريخ وقبله الى اليوم لم تتغيّر المواقف التركية المعادية لبلادنا..

فقد كتب تحت عنوان:

«أعز صديق لنا في الشرق الأوسط.. أنّ تركيا القديمة قد ماتت.. وأنّ تركيا القوية المزدهرة هي صديقة لانكلترا.. إنّ الأهمية الكبرى لصداقتنا مع تركيا وخاصة اليوم الذي برهن فيه العرب عن عدم قدرتهم السياسية ونأمل من وزيرنا الى المستعمرات أن يرتب المسألة الفلسطينية بخلقه دولة يهودية قوية تصبح معها حيفا القاعدة المتينة للسلام…».

من هنا نلاحظ كيف كانت ولا تزال مصالح دول الغرب قائمة على الثنائي التركي اليهودي.. إنّ دخول قوات تركية الى الشمال السوري في الشام واحتلال منطقة جرابلس ومحيط بلدة الباب بعنوان «درع الفرات» وتحت ذريعة إبعاد الخطر الكردي عن الحدود التركية.. وإرسال قوات الى منطقة الموصل في العراق، حيث كانت تحلم ولا تزال بضمّ الموصل الى تركيا.. كلها محاولات لتحقيق ما تستطيع من أحلامها البائسة، ولكنها جوبهت برفض حازم لوجودها الذي أراد استغلال التباين السني الشيعي في العراق والكردي في الشام..

هذه هي تركيا التي تواجه شعباً شعاره الدائم «نحن قوم لا نلين للطغاة الطامعين».. ولن يكون قبر التاريخ مكاناً لنا في الحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى