ارتباك سياسة الغرب في المنطقة: الأسباب والنتائج
حميدي العبدالله
واضح أنّ سياسة الحكومات الغربية إزاء المنطقة وقضاياها المتفجرة تعاني من إرباك شديد، إنْ على مستوى التحالفات، أو على مستوى طبيعة السياسات المعتمدة لمواجهة التحديات. تجلّى هذا الارتباك في المواقف من جهود وقف العدوان على غزة، وفي مواجهة تمدّد «داعش» في العراق، وإزاء ما يجري في ليبيا، وأيضاً اضطراب السياسات الغربية في مواجهة الوضع في سورية، وتعاظم نفوذ التنظيمات الإرهابية.
هذا الارتباك تفسّره مجموعة من العوامل والأسباب أبرزها:
ـ أولاً، لا تزال أطراف في النخب الحاكمة الغربية، ولا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ترى أنّ الأولوية في سياستها في المنطقة لإضعاف الدول التي تعارض سياسات الحكومات الغربية، حتى وإنْ اقتضى ذلك التعاون مع الجماعات الإرهابية المسلحة، أو أدّى دعم بعض جماعات المعارضة المسلحة إلى تقوية التنظيمات الإرهابية المتفرّعة عن تنظيم «القاعدة».
ـ ثانياً، تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة نفوذها في العراق عبر خلق واقع يضغط على «التحالف الوطني» وعلى إيران لتقديم تنازلات لصالح القوى والكيانات السياسية التي تجسّد نفوذ الغرب ودول المنطقة التي تدور في فلك هذا النفوذ، ولهذا فإنّ الغرب لا يقوم بشنّ حرب شاملة على تنظيم داعش في العراق، بل يقصر حربه على المناطق التي تشكل تهديداً لحلفاء الولايات المتحدة في العراق.
ـ ثالثاً، رفض الولايات المتحدة والحكومات الغربية التعاون مع الدولة السورية لمكافحة الإرهاب، على الرغم من اعتراف الحكومات الغربية بأنّ سورية باتت المصدر الأساسي لقوة «داعش» وتنظيمات «القاعدة» الأخرى وفي مقدمتها «جبهة النصرة»، وعلى الرغم من أنّ الجيش السوري يمثل القوة التي يعوّل عليها في مواجهة «داعش» أكثر بكثير من جماعات المعارضة المرتبطة بالغرب، ولعلّ هذا العامل هو الذي يعيق حتى الآن ولادة ائتلاف إقليمي ودولي فاعل قادر على قهر «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
ـ رابعاً، الخلافات الحادة، وتعارض المصالح بين الدول والجماعات الحليفة للغرب، ولا سيما بين محور تركيا وقطر و»الإخوان المسلمين» من جهة، ومحور السعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، ويلعب هذا الخلاف دوراً كبيراً في إرباك السياسة الغربية، والحؤول دون ولادة استراتيجية واحدة لمقاربة ملفات كثيرة، وإنْ كانت مصالح بعض أطراف المحورين تتقاطع في قضايا مثل سورية والعراق، في حين تختلف في قضايا أخرى مثل ليبيا ومصر.
خامساً، ضغوط الكيان الصهيوني وجماعات النفوذ الموالية له في الغرب على الحكومات الغربية لمنعها من اعتماد سياسة واضحة وواقعية، وإصرارها على أنّ خطر التنظيمات الإرهابية خطر تكتيكي بينما خطر منظومة المقاومة والممانعة خطر استراتيجي.
هذه العوامل مجتمعة هي التي تفسّر ارتباك السياسة الغربية في المنطقة.