التاريخ الأميركي الأسود في التعاطي مع القضية الفلسطينيّة!

أسامة العرب

كانت منطقتنا والمنطقتان العربية والإسلامية، بسبب موقعها الجغرافي المميّز، وبسبب ما يوجد في باطن أراضيها من مخزونات بترولية ضخمة، تعتبر أنها مناطق صراع دائم على النفوذ بين الدول الغربية. وكان من الضروري على الغرب أن يجد حليفاً استراتيجياً له و«كلب حراسة أمين» في المنطقة، وهذا ما يشكّل خرقاً نوعياً له في مواجهة أيّ مشروع وحدة من الممكن أن يهدّد مصالحه الاستعمارية فيها. ولهذا، عمل الاستعمار على استخدام منطق تأجيج الصراعات الإثنية والطائفية ودعمها بقوة «إسرائيل» بهدف سحق الحركات التي قد تهدّد مصالح الإمبريالية بالشرق الأوسط، ولهذا قامت «إسرائيل» بحروب عدة في الأعوام 1948، 1967، 1973، 1978، 1982، 2006، 2009 مع الدول العربية.

فضلاً عن ذلك، فإنّ سيطرة اللوبي اليهودي على توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية دعّمت كثيراً موقف «إسرائيل»، فالقراءة التحليلية للواقع الأميركى، تكشف أنّ الموراد المالية التي يمتلكها الأيباك الأميركي، تجيّر له 20 من أصوات الناخبين الأميركيين بهدف دعم أيّ من المرشَّحَين الرئاسيّين، ومن ثم ترجيح كفّة مَن يقدّم له أفضل الوعود. وخير دليل على ذلك، انتقام أوباما المتأخّر من نتنياهو، والذي جاء قبل أقلّ من شهر من مغادرته البيت الأبيض، بامتناع الإدارة الأميركية وللمرة الأولى عن اللجوء إلى الفيتو في مجلس الأمن لحماية «إسرائيل»، فصدَر القرار الرقم 2334 والذي طالب بوقف الاستيطان «الإسرائيلي» في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة «هآرتس» «الإسرائيلية»، افتتاحية لافتة تحت عنوان: «انتقام أوباما»، ولاحقاً أكّد نتنياهو على ذلك بنفسه بعد التصويت على القرار، إذ جاء في تصريحه: «إدارة أوباما لم تكتف بعدم الدفاع عن «إسرائيل» ضدّ هذه الملاحقة في الأمم المتحدة وحسب، وإنما تعاونت ضدّها من وراء الكواليس».

ويُشار إلى أنّ أميركا استخدمت الفيتو في تاريخها 79 مرة، منها 42 من أجل حماية «إسرائيل». ففي العام 1967 استخدمت واشنطن الفيتو لأول مرة للحيلولة دون صدور قرار وقف إطلاق النار أثناء حرب حزيران وانسحاب القوات المتحاربة إلى خطوط الهدنة السابقة. وفي 26/7/1973 اعترضت الولايات المتحدة على مشروع قرار يؤكد حق الفلسطينيين ويطالب «إسرائيل» بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها. وفي 25/1/1976 استعانت واشنطن بالفيتو لمنع صدور قرار ينصّ على حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حق تقرير المصير وفي إقامة دولة مستقلة. وفي 29/6/1976 استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضدّ قرار يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة إلى وطنه وحقه في الاستقلال والسيادة. وفي 20/1/1980 استخدمت الفيتو ضدّ قرار يقضي بفرض عقوبات على «إسرائيل» لضمّها مرتفعات الجولان السورية. وفي 25/2/1980 استخدمت الفيتو ضدّ قرار يطالب بإلغاء كل الإجراءات المطبقة في الضفة الغربية. وفي 20/4/1980 استخدمت الفيتو ضدّ قرار يقضي بإدانة حادث الهجوم على «المسجد الأقصى». وفي 9 و25 من شهر حزيران 1980 استخدمت الفيتو ضدّ قرارين بشأن «الاجتياح الإسرائيلي للبنان»، وفي 12/3/1980 استتخدمته ضدّ قرار لبناني في مجلس الأمن يدين الممارسات «الإسرائيلية» في الجنوب اللبناني. وفي 17/1/1986 استخدمته ضد قرار يطالب «إسرائيل» بسحب قواتها من لبنان. وفي 30/1/1986 استخدمته ضدّ قرار يدين الانتهاكات الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى ويرفض مزاعم «إسرائيل» باعتبار القدس عاصمة لها. وفي 20/2/1987 اعترضت الولايات المتحدة بالفيتو على قرار يستنكر سياسة القبضة الحديدية وسياسة «تكسير عظام الأطفال» الذين يرمون الحجارة خلال الانتفاضة الأولى. وفي 18/1/1988 استخدمت واشنطن الفيتو ضدّ قرار يستنكر الاعتداءات «الإسرائيلية» على جنوب لبنان. في 10/5/1988 استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لنقض قرار يقضي بإدانة الاجتياح «الإسرائيلي» لجنوب لبنان. وفي 1/6/1990 استخدمته ضدّ قرار في مجلس الأمن الدولي تقدّمت به دول عدم الانحياز لإرسال لجنة دولية إلى الأراضي العربية المحتلة لتقصّي الحقائق حول الممارسات القمعية «الإسرائيلية» ضدّ الشعب الفلسطيني، وفي 21/3/1997 استخدمت الفيتو عندما اعترضت على مشروع قرار يدين بناء «إسرائيل» المستوطنات اليهودية في شرق مدينة القدس المحتلة. وفي 27/3/2001 استخدمت الفيتو لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار يسمح بإنشاء قوة مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. وفي 16/7/2003 استخدمت الفيتو أيضاً ضدّ قرار لحماية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عقب قرار الكنيست «الإسرائيلي» بالتخلص منه. وفي 14/7/2003 استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضدّ قرار يطالب بإزالة الجدار العازل الذي تبنيه «إسرائيل» والذي يقوم بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وينتهك أبسط الحقوق الإنسانية للمواطنين الفلسطينيين. وفي 25/3/2004 استخدمته ضدّ قرار يدين «إسرائيل» لاغتيالها مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين. وفي5 /10/2004 استخدمته ضدّ قرار يطالب الاحتلال بوقف عمليات الاستيطان والانسحاب من قطاع غزة. وفي 13/7/2006 استخدمته ضدّ قرار يطالب بوقف عمليات الاستيطان في قطاع غزة، وإطلاق سراح جلعاد شاليط الجندي مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وفي 11/11/2006 استخدمته ضدّ قرار يدين المجزرة التي ارتكبتها «إسرائيل» في بيت حانون بقطاع غزة وأسفرت عن استشهاد 20 وإصابة العشرات. وفي 18/3/2011 استخدمته ضدّ قرار يدين عمليات الاستيطان منذ عام 1967 في الضفة الغربية والقدس ويعتبرها غير شرعية، وفي 30/12/2014 استخدمته ضدّ قرار عربي يدعو إلى إعلان الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» خلال عام 2017…

وعلاوة على ذلك تمنح الولايات المتحدة «إسرائيل» مليارات الدولارات سنوياً لتطوير أنظمة تسلح مثل طائرة LAVI التي تفتخر بها وزارة الدفاع الأميركية، كما تزوّدها بمروحيات بلاك هوك ومقاتلات أف16. وفي نهاية المطاف تتيح لها الاطلاع على معلومات مخابراتية لا توفرها حتى لأهمّ حلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي، كما تغضّ النظر عن حيازة «إسرائيل» أسلحة نووية، فضلاً عمّا توفره لها من دعم دبلوماسي متواصل.

وعليه، يبدو واضحاً بأنه ليس للدول العربية والإسلامية إلا خيار المقاومة لاستعادة الحقوق المسلوبة ولمواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت التي تجتاحها من كلّ صوب وجانب، باعتبار أن من ينتظر مجلس الأمن ليلجم الغطرسة «الإسرائيلية»، فإنه سوف ينتظر كثيراً. ولهذا، فإننا ندعو العقلاء من أصحاب القرار الإقليمي لأن يعوا مخاطر التأزيم العبثي للوضع في الشرق الأوسط، ذلك أنّ مواجهة المشاريع الغربية التآمرية علينا هي سبيلنا الوحيد للوصول إلى حلّ نهائي لكافة الأزمات التي تهدّد منطقتنا بالتفتيت ابتداءً من الأطماع «الإسرائيلية» الشرق أوسطية وصولاً إلى تمدّد الإرهاب التكفيري. باعتبار أنّ مشاريع تقسيم المقسّم لا تستثني أحداً، ناهيك عن أنّ كراهية الإمبريالية الصهيونية للشعوب المستضعفة وصلت إلى حدّ لا يمكن حتى تخيّله، سواء أكان ذلك من حيث استعباد الشعوب أو من حيث التواطؤ على احتلال الأراضي ومحاولات هدم المقدّسات أو من حيث تشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف والإساءة للخلق العظيم الرسول. ولهذا، لا نخطئ إنْ قلنا بأننا نواجه اليوم مرحلة مصيرية، فإما أن تكون بوصلتنا جميعاً فلسطين والعودة للتوحّد حول المشروع المقاوم، وإما أن نقول بأنّ على أمتنا السلام، وهذا هو بالضبط مشروع «فرّق تسد» الصهيوني الجديد للمنطقة والذي يعمل بشكل حثيث لتحقيق الحلم اليهودي التاريخي بإقامة «الدولة اليهودية الكبرى» التي تتزعّم كافة الدول الشرق أوسطية المفتّتة والمتناحرة.

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى