مؤتمر «أستانة» مَن سيُنقذ هذه المرّة؟
جمال العفلق
مع بداية العام الجديد والأمل بأن يكون حاملاً معه بوادر إنهاء الحرب على سورية، ومع التسارع الملحوظ لدى تركيا في إنجاز اتّفاق وقف إطلاق النار الذي تبنّاه مجلس الأمن كورقة روسيه تركية، وإعلان القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة وقف العمليات العسكرية تحضيراً لمؤتمر سيُعقد بين الحكومة السورية ومعارضة تمّ توصيفها بين معتدلة أو موافقة على المشاركة، ليكون هذا المؤتمر مؤتمراً تحضيرياً لمؤتمر متوقّع أن يُعقد في جنيف خلال هذا العام وتحت رعاية أمميّة. هذه الرعاية التي ترفض فصل الجماعات الإرهابيّة، ولم تستطع جمع المعارضة، إنّما دائماً تخرج علينا بكيانات هزيلة وعنوانها معارضة سورية، هذه الكيانات التي تتشتّت وتنشقّ عن بعضها البعض بعد انتهاء المؤتمر واستلام بدلات السفر والتعويضات من الراعي والمموّل لها.
وأيّ يكن، سنقول إنّ مؤتمر «أستانة» عاصمة كازخستان سيكون بداية تحوّل سياسي لدى المعارضة، أو بالتعبير الأدقّ لدى مشغّلي المعارضة، لأنّ الجيش السوري ليس في موقع المدافع ليطلب هدنة أو وقف عمليات، والجيش السوري منتصر على كلّ الجبهات التي دخل فيها بمعارك مباشرة مع الجماعات الإرهابية. لكن، وحسب المتَّبع لدى الحكومة السوريّة، أنّ كلّ دعوة لوقف المعارك سوف يُستجاب لها إذا كان الهدف هو إنهاء الحرب على الشعب السوري وإعادة الاستقرار الأمني للبلاد بعد ست سنوات تقريباً.
وبالعودة للمؤتمر الذي يلمّع صورة الوجه التركي بالتحديد، ويقدّم تركيا على أنّها دولة جارة تريد إنهاء النِّزاع في سورية بعد أن كانت الدولة الدّاعمة، وما زالت، للإرهاب والجماعات الإرهابية، وما زالت تركيا تحتضن القيادات الإرهابية لِما يسمّى «ائتلاف الدوحة» الخائن، كما أنّ الأراضي التركية ما زالت العمق المنقذ للجماعات الإرهابية الفارّة من المعارك، وهذا بحدّ ذاته يتناقض مع التغيّر الذي تتحدّث عنه تركيا. ورغم فهمنا أنّ هذا التغيير جاء نتيجة طبيعية لخسارة الجماعات الإرهابية معاركها في حلب، وفشل مشروع المنطقة الآمنة وتحويل إدلب القريبة من تركيا إلى خزّان بشري يجمع القوى الإرهابية، والتي قد تنقلب في أيّ لحظة وتحوّل بنادقها باتّجاه الجيش التركي الذي تورّط في معارك الباب، وما زال هناك يحاول تسجيل أيّ نصر يُرضي تبجّح أردوغان وعنجهيّته، وبنفس الوقت يقنع الشعب التركي بصوابيّة إقحام الجيش في حرب على الحدود، ما كانت لتحدث لولا الدور التركي في عملية دعم الإرهاب والانقياد الكامل للسياسة الأميركية في دعم الجماعات الإرهابية وتمويلها، وأطنان الأسلحة التي تركها الإرهابيّون خلفهم في حلب، والتي يكفي أن ندّعي أنّ نصفها وصل عبر تركيا وحزب العدالة والتنمية الحالم بإقامة خلافة إسلامية.
فمؤتمر أستانة، وإنْ كان أمل للسوريّين، ولكنّ جوهره لا يحمل الكثير. فمن يتابع التناقضات الكبيرة لدى المعارضة السوريّة، ومنهم لم يعلم بعد بموعد المؤتمر رغم إعلان الموعد، ومنهم مَن ينتظر الجهة المشغّلة ليُعلن موافقته أو رفضه، لهذا يبقى هذا المؤتمر مرحلة من مراحل الحرب على سورية إذا ما تمّ الاتفاق فيه فسيكون الاتفاق مع مشغّلي المعارضة، لأنّنا وبكلّ بساطة أصبحنا على ثقة أنّ كلّ المعارضة في الخارج لا تملك شيئاً من أمرها، وأنّ أيّ تشكيل أو فصيل أو تجمّع معارض لا يستطيع فعل شيء سياسي على الأرض، فالمطلوب من مؤتمر أستانة أن يعلن وقف الدّعم وبشكلٍ نهائي عن الفصائل الإرهابية، وحينها سنجد من يمكن أن يبقى تحت سقف المفاوضات، وإذا ما كان المؤتمر يهدف بالفعل إلى إنهاء الحرب على سورية، فلا بُدّ من إعلان أسماء الدول الداعمة للإرهاب والمرتبطة بالفصائل الإرهابية العاملة في سورية، وعلى هذه الدول أن تختار إمّا التخلّي عن هذه الجماعات، أو يمكنها نقل العناصر الإرهابية إلى بلادها.
لقد جرّبنا جنيف الأول والثاني، ودائماً كنّا نقول إنّ أيّ مؤتمر وطني يجب أن يُعقد في دمشق لا خارجها. ومن يريد مصلحة الشعب السوري ويدّعي الخوف على مستقبل أطفال سورية، عليه أن يقبل بمؤتمر سوري سوري وفي العاصمة السوريّة دمشق، تلك العاصمة التي تحاول الجماعات الإرهابية حرمانها من الماء، وتحاول محاصرتها لقتل سبعة ملايين سوريّ، وذلك بدعم علَني من أعداء الشعب السوري ومموّلي الإرهاب. كما أنّ إعادة اسم الجيش الحرّ إلى واجهة الأخبار، وخصوصاً لدى الإعلام المعادي لسورية، لن يغيّر من حقيقة واحدة أنّ من سيتمّ جمعهم تحت هذا المسمّى هم بقايا الجماعات الإرهابية، فحتى اليوم لم نسمع أحد من الفصائل التي تحمل السلاح يُدين العمليات الإرهابية للجماعات التكفيرية، حتى جريمة استغلال طفلة في عملية إرهابية لم تحرّك ضمير أيّ من المسمّين علينا قادة المعارضة، ولو بسطر إدانة أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
قد يكون لدى الروس هدف سياسي من عقد مؤتمر في دولة محايدة، وهو فصل الجماعات الإرهابية، فمن سيشارك سوف يُستبعَد عن قائمة الإرهاب، ولكن من سيضمن أنّ المشاركين من المعارضة قادرين بالفعل على الالتزام؟ فدائماً للمال دوره في الحرب على سورية، وهو أكثر ما يشغل بال القاطنين في فنادق تركيا وأوروبا. وهذا ليس اتّهاماً، لأنّ الأرقام التي يتحدّث بها الإعلام المعادي لسورية هي أرقام كبيرة إذا كان نصفها وصل إلى أيدي من يمثّلون أعداء سورية وشعبها. ولكنّنا مؤمنين بالنصر، وسيكون هذا العام هو عام الحصاد لسنوات الصبر والمقاومة.