عن جريمة ملهى اسطنبول… واستخفاف نظام أردوغان بالعقول

يوسف الصايغ

لا يمكن التعاطي مع ما أعلنته الشرطة التركية بخصوص الهجوم المسلح على الملهى الليلي في اسطنبول إلا بوصفه استخفافاً بالعقول ومحاولة للتعمية على الحقيقة. كيف لا، وهل هناك مَن يصدّق أنّ رجلاً مسلحاً وحيداً دخل إلى ملهى ليلي مفترض أنه مؤمّن بعدد من الحراس عند مدخله، وقام بإطلاق النار على الساهرين ما أدّى الى مقتل 40 شخصاً على الأقلّ، وجرح ستين آخرين وغادر بسهولة تامة من دون أن يتمّ توقيفه؟

المفارقة الغريبة أنّ المهاجم بدا أقرب الى أبطال أفلام «الأكشن» التي يتمّ إخراجها بدقة متناهية، فهل سأل أحدكم كيف يمكن لمهاجم أن يقتل وحيداً 40 شخصاً ويجرح ستين آخرين؟ فهل كان يمتلك سلاحاً خارقاً، ومن أين أتى بالرصاص الكافي للقيام بجريمته النكراء؟ والسؤال الآخر كيف قام المجرم الوحيد، بحسب رواية الشرطة التركية بهذه العملية، من دون أن يتمكّن أيّ شخص من ملاحقته أو منعه من استكمال جريمته؟

ووفقاً لما نقلته صحيفة «حرييت» التركية المحلية عن عبد الله آغار، أحد خبراء الأمن الأتراك، فإنّ «سفاح اسطنبول بدا محترفاً تدرّب جيداً على السلاح، يعرف كيف ينفذ مهمته»، مضيفاً أنه ركب سيارة تاكسي من منطقة «زيتينبورنو» إلى حيث يقع Reina في منطقة «أورطه كوي» عند الضفة الأوروبية لمضيق «البوسفور» في اسطنبول، ونزل منها بسبب ازدحام السير، ليمشي مدة دقائق إلى النادي الذي كان مكتظاً بأكثر من 700 محتفل بحلول رأس السنة الجديدة.

وكشفت التحريات أنّ المجرم وصل في الواحدة والربع فجر الأحد، فقتل شخصين كانا عند مدخل النادي، ثم اقتحمه صاعداً إلى طابقه العلوي، وبدأ بقتل الساهرين، ولما وجد عدداً من الساهرين في طابقه الأرضي «يرمون أنفسهم إلى مضيق البوسفور» نزل سريعاً ليتعمّد إطلاق الرصاص على رؤوس مَن وجدهم منبطحين أرضاً بشكل خاص، كي لا يفوته أحد من مجزرة، غيّر أثناءها 6 مخازن ذخيرة، وأطلق أكثر من 180 رصاصة، حيث استغرق ذلك 7 دقائق، قبل أن يدخل إلى المطبخ، حيث مكث هناك 12 دقيقة، غيّر خلالها زي «بابا نويل» الذي تنكّر به وخلع معطفاً كان يرتديه قبل أن يغادر المكان بسيارة أجرة.

جملة من الأسئلة التي تطرح والتي تؤكد في محصلتها شيئاً واحداً: رواية الشرطة التركية غير مقنعة، وتكاد تكون أقرب الى الرواية الملفقة التي لا يمكن لأيّ عقل بشري أن يستوعبها، ولعلّ ما يكشف زيف الرواية الرسمية التركية الإعلان عن اعتقال 8 أشخاص مشتبه في تورّطهم بالهجوم على الملهى الليلي في مدينة اسطنبول، ويبدو ذلك منطقياً لأنّ جريمة كهذه تحتاج الى فريق يرصد ويراقب، وتحتاج إلى المنفذ الذي قد يكون شخصاً وحيداً، لكن لا يمكن أن يقتل ويجرح كلّ هذا العدد من الأشخاص وفي وقت قياسي ويبقى على قيد الحياة، لا بل يفرّ من مسرح الجريمة بعد أن قام بتبديل ثيابه إلى جهة غير معلومة حتى الآن، فهل حصل كلّ ذلك دون وجود أشخاص أو جهات متواطئة مع الجهة المنفذة سواء أشخاص أم تنظيم إرهابي؟

إذاً، يأتي هجوم اسطنبول ليضع علامة استفهام كبرى عن وضع الشرطة التركية، خصوصاً بعد عملية اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة على يد الضابط السابق في الشرطة التركية مولود مرت ألطن طاش، والتي حصلت بأسلوب يشبه ما حدث في الملهى، لكن المجرم قتل شخصاً واحداً فقط، أما في حادثة الملهى، فالوضع يبدو أكثر تعقيداً والسيناريو لم يتمّ إعداده بالشكل المطلوب، وربما جاءت عملية تصفية منفذ عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا، لتخفف من وطأة التساؤلات حول كيفية تنفيذ الجريمة، لكنها لا تلغي فرضية تواطؤ جهات أو أشخاص من الأجهزة الأمنية مع منفذ الجريمة، وهو ما يشير الى إمكانية وجود جهات داخل جهاز الشرطة التركية على علم بالعمليات الإرهابية التي تحصل، وإلا لما كانت هذه العمليات لتنجح بهذا الشكل المستغرب، وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة الى المعلومات التي أوردتها صحيفة «إندبندنت» البريطانية، والتي أشار محرّرها لشؤون الدفاع كيم سينغوبتا في مقالة له الى وجود شبكة من المنشقين العاملين في الحكومة التركية أصبحوا على أهبة الاستعداد لتنفيذ عمليات وسط تجاهل من حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وعليه يبدو أنّ الشرطة التركية، والتي تمّ العمل على «تطهيرها» من قبل جماعة أردوغان بعد الانقلاب الأخير، تحاول التعمية على الحقائق من خلال استخدام شماعة الداعية فتح الله غولن، لكن هذا الأمر لم يعد ينطلي على أحد ولا يمكنه التعمية على الحقيقة الثابتة والأكيدة، التي تشير إلى وجود خرق واضح وفاضح داخل جهاز الشرطة التركية في أقلّ تقدير، أو ارتباط وتنسيق بين جهات في الشرطة التركية ومنفذي العمليات الإرهابية، وفي كلتا الحالتين فإنّ تركيا أردوغان لم تعد بمأمن من نار الإرهاب الذي رعاه نظام «إخوان تركيا» في سورية قبل أن يرتدّ عليهم، وما بات واضحاً أنّ الانعطافة في موقف أردوغان تجاه الأزمة في سورية وبداية خروجه من المعسكر المعادي لسورية، بدأ يترجم بتصعيد موجة الإرهاب في تركيا، وما سلسلة التفجيرات الأخيرة في تركيا، والهجوم على ملهى رينا في اسطنبول، إلا دليل على ذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى