الانعطافة التركية «فرصة ذهبية» بحجم الوطن: هل يضيّعها الحريري؟

روزانا رمّال

أظهرت السلطات اللبنانية والأطراف مجتمعة مشهداً تضامنياً واعداً خلال اليومين الماضيين أرخى أجواء من شكل الدولة المتماسكة القادرة على الوقوف لحظات الملمات، بعدما وحدت دماء شهداء حادثة اسطنبول اللبنانيين بين بعضهم البعض ورفعت مسألة مكافحة الإرهاب في «أذهانهم» الى سلم الأولويات فاتحة إطارها لأبعد من حدود الوطن، خصوصاً بعدما جهد العهد السابق لإدراج لبنان في عديد الدول «المحايدة» النائية بنفسها على الرغم من التصاقها مع بؤرة اللهب التي تحيط فيه من الجانب السوري والأهم، تواجد الارهاب في جروده حيث «عرسال» التي لا تزال محتلة فعلياً ولو بدت ظاهراً تعيش حياة طبيعية إلا أنها بقعة مهددة باجتياح الأرهاب في اي وقت، كيف بالحال وان الحركات المتطرفة تشهد إخفاقات مشهودة في الأشهر الماضية المتعاقبة منذ ما قبل تحرير حلب حتى ما بعدها ابتداء من سورية وصولاً للعراق؟

الصورة الجامعة التي وحدت المسؤولين اللبنانيين انتجت تواصلاً وتنسيقاً «عالي» المستوى مع السلطات التركية التي كشفت، حسب المصادر، «اهتماماً شديداً بالوفد اللبناني وبكل ما طلبته الجهة اللبنانية المتابعة من أجل التعاون في هذه الحادثة الاليمة، ما حمّل الدولة اللبنانية مسؤولية مضاعفة الجهد في ما تبقى من استحقاقات إنسانية تشكل تركيا «نواتها» بالنسبة للبنانيين المعنيين ونقطة «الحل والربط» ليحضر ملف العسكريين المتبقين لدى داعش بعدما احتفظت بهم إثر إطلاق اول دفعة من العسكريين الذين اختطفوا معهم في التوقيت نفسه على يد جبهة «النصرة».

تعاونت قطر عبر «وساطة خاصة» في ذلك الوقت مع لبنان واستطاعت التوصل الى نهاية سعيدة بإخراج 16 عسكرياً كانوا مختطفين في جرود عرسال في آب عام 2014، وكانت هذه الوساطة تلبية لطلب من الحكومة اللبنانية، حيث قامت الأجهزة المعنية القطرية بدور وازن من أجل إطلاق سراح الجنود اللبنانيين بالتعاون مع الأمن العام اللبناني.

لبنانيون آخرون كانوا قد اختطفوا قبل عامين من حادثة عرسال أي في عام 2012، وهم زوار كانوا عائدين من زيارة الاماكن المقدسة في إيران عرفوا حينها بـ «الزوار الشيعة» حيث مكثوا وقتاً طويلاً في اعزاز السورية الحدودية. لم تستطع الجهود حينها إخراجهم حتى لحظة اعتقال مسلحين في لبنان لطيارين «تركيين»، فنجحت المبادلة بجهود من الدولة التركية والتي كانت قد نفت في مجمل تصريحاتها في ذلك الوقت قدرتها على التأثير على الجماعات المسلحة في حلب، حتى تبيّن أنها تتمتع بنفوذ كبير. وهو الأمر الذي ترجمته معارك الشهر الماضي الأخيرة والدور التركي في رفع الغطاء عن بعض المسلحين ووقف الدعم المباشر لهم.

ينتظر اللبنانيون اليوم من حكومتهم طلباً مماثلاً لذلك الدور القطري الذي لا يمكن اعتباره قطرياً بقدر اعتباره «تركياً». فالدور العسكري القطري في سورية، يغيب بحضور الدور التركي الذي يشكل «الأصل» لا «الفرع» في المنهجية العسكرية والأمنية للنظام القطري المتفرع من نظام وعقيدة الحزب الحاكم في تركيا.

مصدر سياسي متابع لـ «البناء» يؤكد «ارتفاع نسبة الإيجابية اليوم التي تحوم حول ملف العسكريين بعد «الانعطافة» التركية السياسية نحو مكافحة الإرهاب والتخلّي عن مجموعات مسلحة نافذة في سورية وحلب تحديداً، حيث حسمت المعركة لمصلحة النظام السوري وحلفائه. ويتابع «يجب على الحكومة اللبنانية المتمثلة برئيسها سعد الحريري الكشف عن موقف واضح من تموضع لبنان في هذه المرحلة، واستغلال فرصة التقارب التركي الروسي لجهة التعاون في سورية لفتح ملفين أساسيين الأول «عودة السيادة الى منطقة عرسال وجرودها وبحث شكل العملية الأمنية المفترضة بالتنسيق مع القوى التي قررت المضي في مكافحة الإرهاب، وهي قوى كانت خصمة وباتت حليفة اليوم». والثاني «مطالبة تركيا بالتعاون مع الحكومة اللبنانية للكشف عن مصير العسكريين أحياء كانوا أو أمواتاً»، ويختم المصدر «إنها فرصة ذهبية لكي يتمكن لبنان من اللحاق بركب القوى الإقليمية لمكافحة الإرهاب واسترجاع هيبته وسيادته. وأول والغيث موقف رسمي حكومي واضح».

بهذا السياق كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قد كشف في تصريح سابق عن أن «وسيطاً لبنانياً جديداً وجدياً يقوم بعمل شاق في ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش»، متأملاً أن يحقق شيئاً ما قياساً بحجم ما يبذله من جهد وما يكلف به من مهمات، واعداً بعدم ترك الملف حتى الوصول الى الخواتيم التي «نريدها».

المشهد الجامع الذي يحيط بالحكومة اللبنانية وبشخص رئيسها سعد الحريري وكل القوى التي تكاتفت من أجل النجاح في عهد توافقي بامتياز، ومستوى التنسيق الكبير بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والأجهزة التركية في الـ 48 ساعة الماضية تضع الحريري الذي يتمتع بأطيب العلاقات مع رجب طيب أردوغان أمام مسؤولية استثمار الظروف الإقليمية التي أصبحت مؤاتية للعمل على ملف وطني بهذا الحجم، واذا كان الحريري عاجزاً عن قراءة السياسة الإقليمية في هذه اللحظات، فانّ هذا لن يقنع أهالي العسكريين الذين باتوا مقتنعين بانّ مصير أبنائهم ليس استعصاء على قوى استطاعت مسبقاً التوصل لنتائج ملموسة في محطات سابقة في اعزاز وراهبات معلولا وجنود عرسال، فهل يستغل الحريري فرصة وطنية بهذا الحجم؟ أم أن حسابات أخرى «خارج الحدود» لا تزال تطغى على مواقفه، ولو جاءت على حساب ملفات وطنية كبرى؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى