– أول اختبار لجدية الحكومة «أن تُحدثَ فرقاً»

ناصر قنديل

– يُكثر الوزراء في إبداء الثقة بأن هذه الحكومة مختلفة عن سواها، ويدعمهم كلام شديد التفاؤل بالحكومة وقدرتها على الإنجاز يصدر عن كل من رئيسَيْ الجمهورية والحكومة، ويستند الكلام عن الأهلية لإحداث فرق إلى درجة التوافق السياسي الداخلي الداعم لنجاح الحكومة، والذي أظهرته المهل القياسية لولادتها وولادة بيانها الوزاري وإقراره، مقارنة بما سبقها، ورغم وجود قضايا خلافية كبرى حول السياسات الإقليمية ونقاشات ستستهلك جهداً ووقتاً حول مبدأ القدرة على إنتاج قانون انتخاب جديد يجنّب اللبنانيين والحكومة والقوى السياسية إحباطات العودة لقانون الستين، ومن ثم حول مدى الفرق الذي ستستطيع الحكومة إحداثه في القانون الجديد، إلا أن الأكيد هو ما يجمع عليه الفرقاء بوصف مقارباتهم المختلفة بصفتها تعبيراً عن اجتهادات ومصالح متضاربة أو غير متقاربة بالحد الأدنى، ويجمعون على الابتعاد عن اتهامات النيات المتبادلة التي دأبوا عليها بالتناوب، متمسكين بمقولة، لا يوجد مَن يريد التعطيل.

– ليست قضية الصحف اللبنانية التي بدأت بالإغلاق أولوية تتقدم بنظر البعض على القضايا الأشد التصاقاً بحياة اللبنانيين كالنفايات والضمان الاجتماعي والصحي والكهرباء وتوسيع نطاق فرص العمل للشباب، وسواها من الهموم والاهتمامات، لكن ذلك لا يلغي حقيقة، أن مقاييس الجدّية واحدة في القضايا، لأن السؤال ليس حول مبدأ وجود حلول للمشاكل حتى المستعصية منها، بل حول وجود عقلية مختلفة في مقاربة المشاكل والقضايا، عقلية رفع العتب والخطابية العاطفية، أم عقلية البحث العلمي والإنجاز والعزم على المتابعة لبرامج الحلول. وهنا تستوي القضايا جميعها في كشف الذهنية والإرادة.

– بالمقابل قضية الصحافة المهددة بالتوقف والتي بدأت مع صحيفة «السفير»، ليست قضية تافهة في حياة لبنان. فهي من الزاوية الاجتماعية قضية تتصل بحياة مئات الأسر اللبنانية المهدّدة بضياع مورد رزقها، والأحرى بمن يَعِد بفتح فرص عمل جديدة أن يسارع للحفاظ على الموجود. ومن الزاوية السياسية والأمنية إقفال الصحف يعني وضع عشرات الكتّاب ذوي التأثير في الرأي العام تحت ضغط البحث عن فرصة عمل قد يسهل توفيرها بالتورط مع جهات محلية أو خارجية لا تريد الخير للبنان، وتحويل الأسماء الصانعة لسمعة لبنان في الخارج والمتصلة بالقوى النافذة إقليمياً ودولياً لقمة سائغة لتصيّدها وتجنيدها من موقع الحاجة المادية بحثاً عن مورد رزق وفرصة عمل، ومن يريد تحصين لبنان سياسياً وأمنياً بوجه لهيب المنطقة مطالب أولاً بإقفال هذه النافذة. ومن الزاوية التي قد يراها البعض أقل أهمية بينما هي الأهم، زاوية مكانة لبنان ودروه الريادي وتشكيله قيمة مضافة في العالم العربي، تبقى الصحف واجهة حضارية وواحة ثقافية بوجه التصحر الطائفي والعبثي، وميدان تدريب أجيال على التعاطي بالشأن العام خارج العصبيات الضيقة، وأطر إنتاج شبكات أهلية وعمل سياسي وحزبي يعتمد العقل، مهما كانت اجتهادات العقول متباينة، وليس من المبالغة القول إن إنقاذ الصحافة من الإقفال إنقاذ لدور لبناني ريادي مهدد بالانقراض، وإنقاذ لجامعات وطنية ومدارس وطنية من الإقفال. وينطبق عليها القول إن «مَن فتح مدرسة أقفل سجناً» معكوساً، أي مَن أقفل مدرسة عليه أن يزيد عدد السجون ويوسّع قدرتها على الاستيعاب.

– بالقياس بسائر الهموم والاهتمامات، فالفارق من الزاوية العملية كبير، حيث في كل الباقي لا حلول إجرائية سريعة تكشف النيات أو تحل المشكلة، بل الحاجة لخطط متشعبة متعددة المجالات طويلة الزمن، تضيع معها فرص الإنجاز السريع لنيل ثقة يفترض أن يستحقها أصحابها إن كانوا جادين مخلصين، أو تضيع فرصة الكشف السريع عن جدية السعي لإحداث فرق على الأقل، ولعل قضية الصحافة تمنح الحكومة فرصة إثبات هذه الجدية التي تتمسك بالتأكيد على وجودها، ليصدقها الناس في عزمها على ما يحتاج للانتظار. فالقضية هنا هي ببساطة، قضية توفير موازنة سنوية تتراوح بين عشرة وعشرين مليون دولار، تغطي نسبة كبيرة أو القيمة الكاملة لموازنات إنفاق الصحف الصادرة لتسطيع مواصلة الصدور، ومن دون تحميل المكلف اللبناني أعباء جديدة، ولا رسوم ولا ضرائب، وموردها هو ترجمة التضامن السياسي في الحكم والحكومة، بتضامن يلتقي عليه الفرقاء ويحضر له وزير الإعلام الجديد الآتي بعزم النية على الإنجاز، والحريص على تقديم صورة لحزبه عنوانها إحداث الفرق. تضامن يترجم بتوجّه جامع نحو قطاع المصارف، كقطاع وحيد مؤهل لتحمل كلفة هذه المساهمة دون أن تتأثر حركته المالية، وبمقابل تستفيد منه الدولة والمجتمع والمصارف، وفق تصوّر يُعدّه وزير الإعلام بدعم وشراكة مع رئيسَيْ الجمهورية والحكومة وبالتعاون مع وزير المالية وحاكم مصرف لبنان، لإنشاء صندوق دعم الصحافة اللبنانية، توزع أعباء تمويله وفق آلية ترتبط بهندسة مالية يتقنها مصرف لبنان عندما يشاء، وتفتح أبواب الانضمام للمساهمين أمام الشركات الكبرى الراغبة، وهي ليست بالقليلة، كشركات وكالات السيارات والتأمين والوكالات التجارية الكبرى أرباح المصارف العشرين الأولى في لبنان، أكثر من مئة وعشرين مصرفاً مرخصاً، تزيد عن مليار دولار سنوياً .

– تخصص كل صحيفة مستفيدة من برنامج الدعم الذي يقدّمه الصندوق، صفحة أسبوعياً تحت عنوان «بالتعاون مع المصارف اللبنانية»، مع فرصة تخصيص راعٍ بعينه للمادة المنشورة، منها ما هو مخصص للمصارف وموازناتها وبرامجها التوسيقية وإعلاناتها الترويجية، ومنها ما يتولى المجلس الأعلى للصحافة إدارة استخدامه لنشر مواد توجيهية حول البيئة والصحة ومواجهة ثقافة الإرهاب والتطرف والعنف، وترشيد الطاقة، وحقوق المرأة والطفل، والتدريب على تطبيق القوانين، وتستفيد منها الجمعيات الأهلية، والإدارات العامة، خصوصاً مؤسسة الجيش والقوى الأمنية، وتستفيد الوزارة منها للمادة التلفزيونية والإذاعية التي يعود لها بموجب قانون الإعلام المرئي والمسموع بثها عبر أثير المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية، وإقرانها برعاية الجهة المنتجة للمادة المخصصة للبث مجاناً من ضمن توزيع يتفق عليه على مدار أيام الأسبوع مع المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية، للساعة المخصصة أسبوعياً لهذا الغرض وفقاً لدفاتر الشروط، ويتم تنسيقها من قبل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.

– يبقى السؤال، أمام تفاصيل كثيرة يمكن أن تغني البحث، هل فعلاً تريد الحكومة إحداث فرق؟

– الحل أيضاً يمكن أن يكون حفظاً لدور ريادي للبنان عربياً في مواجهة الأزمة ذاتها التي تستعدّ لها بلدان عربية!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى