تركيا.. مفترق طرق
نظام مارديني
يوماً بعد يوم ستكثر الحاجة إلى التحليلات حول ما يحصل في تركيا، وعما إذا دخلت في المجهول بعد رسالة تفجير اسطنبول المدوّية، ولكن حصيلة هذه التحليلات تخلص إلى التوقف أمام توجّهات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المقبلة لا سيما بعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض.
من الطبيعي القول إن انتصار حلب على قوى الظلام جعل المراقبين يعيدون قراءة الحدث مرات عدة، قبل أن يحللوا الواقع على الأرض، وما وصلته أحوال «اللاعبين» الإقليميين، وعلى رأسهم تركيا في هذه المدينة، التي أعدّها إعلام الدول الداعمة للإرهاب المعقل الأول لهم قبل الموصل والرقة، وهم لم يتوقعوا حتى أن تنهار جماعاتهم التكفيرية بتلك السرعة، رغم ذرفهم أنهار من دموع التماسيح على هذه المدينة.
في ضوء هذه الوقائع يمكننا رؤية التوجّهات التي يضعها أردوغان أمامه والتي تتلخّص بالنقاط التالية:
أولاً، شكل الاتصال الذي أجراه أردوغان برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نقطة تحوّل في العلاقات بين الرجلين، خصوصاً بعد الوقاحة الأردوغانية الشخصية بالتهجم على العبادي. والسؤال الذي طرحه المراقبون عما إذا كان أردوغان يتهيأ للاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد للاعتذار منه، ومن السوريين الذين كان قد شارك مع القتلة من الإرهابيين في ذبحهم وتهجيرهم خلال سنوات ست؟
ثانياً، يدرك أردوغان أن تفجير اسطنبول جاء في سياق تفجيرات سابقة بعد الخطوة الأولى التي اتبعها، بالانفتاح على موسكو وطهران، وقد فتحتا الباب أمامه لانتشاله من مأزق جنونه الأخواني الذي وصل إليه وأوقع تركيا فيه، من خلال تجميع للإرهابيين في بلاده، واتباعه بتفجير الحقد العنصري ضد الأكراد، وانتهت سياسته بهروب اقتصادي واستثماري إلى الخارج، وتقاعس حلفائه عن دعمه وانتشاله من الغرق الذي وقع فيه. وجاء كشفه للدور الأميركي في الانقلاب العسكري الفاشل عليه عاملاً مساعداً بدفعه إلى ولوج الباب الروسي الإيراني لإعادة ترتيب سياسته الخارجية من جديد، رغم أن ذلك سيحتاج إلى وقت، خصوصاً منها المتعلّق بنتائج دعمه للإرهابيين، حيث شكلت تركيا مقراً وممراً لهم إلى سورية والعراق.
في هذا التحوّل التركي كان لا بد للحلف الغربي الخليجي من الضغط على أردوغان الذي سبّب له انفتاحه على خصومه في الساحتين، السورية والعراقية، غضباً وتوتراً، فهو يُفشل مشروع هذا الحلف في هذه المنطقة وعليه كان لا بد للحلف من توجيه رسالة دموية لأردوغان في ليلة رأس السنة. وهي رسالة ترهيب له على الصعيد الشخصي من جهة، ورسالة تحذير من أنهم سيستهدفون المواقع السياحية، ولذلك دلالات اقتصادية من جهة ثانية..
ثالثاً، سيُحدِث تسلم ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة اهتزازاً على المستوى العالمي، وهذه الشعبوية «الترامبية» ستمثل دافعاً للتأمل فيها من قبل أردوغان كما في مراكز صنع القرار التركي، خصوصاً بعد الموقف الذي أعلنه ترامب من الانقلاب واتهامه إدارة أوباما بتدبير هذا الانقلاب. لذا يمكن القول، إن تركيا، مقبلة على «وظيفة» أميركية جديدة في عهد ترامب، رغم تصريحات الأخير العنصرية ضد المسلمين.. فهل سيستدرك أردوغان موقعه الجديد ويشن حملة أمنية على الجماعات الإرهابية التي توسّعت بيئتها في المجتمع التركي، وقبل أن تتحول تياراً جارفاً يقتلع كل مَن يقف في وجهها، بحسب آخر استطلاع في تركيا الذي أشار إلى أن 14 من هذا المجتمع لا يعتبر «داعش» و«النصرة» من المنظمات الإرهابية!؟
وهل سيدفع ترامب بعلاقته القوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالتعاون مع أردوغان إلى إنهاء هذا العدوان الكوني على سورية؟