قرار مجلس الأمن «2334»… تحليل ومعانٍ

كتبت بنينا شربيت باروخ في صحيفة «نظرة عليا» العبرية:

يوم 23 كانون الأول 2016، تبنّى مجلس الأمن في الأمم المتحدة القرار رقم «2334» في موضوع المستوطنات بعدما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت وكلّ باقي الدول الـ14 الأعضاء في المجلس صوّتت إلى جانبه. ويدور الحديث عن القرار الأول لمجلس الأمن الذي يتضمّن تنديداً بهذا القطع لسياسة الاستيطان لحكومة «إسرائيل» منذ قرار «465» عام 1980.

لازمة مركزية في القرار، كما شدّد في المادة «4»، هي واجب وقف كلّ نشاط يتعلق بالمستوطنات للحفاظ على إمكانية الوصول إلى حلّ الدولتين. في مقدّمة القرار ورد تنديد بإجراءات تنطوي على تغيير الطابع والمكانة للمناطق الفلسطينية المحتلة والإعراب عن التخوّف من أن سياسة الاستيطان تهدّد حلّ الدولتين استناداً إلى خطوط «1967». كما تقرّر أنه ينبغي اتخاذ إجراءات لتغيير الميول السلبية على الارض والتي تمسّ بإمكانية تحقيق هذا الحل. هذه الأقوال، وكذا أيضاً معاينة الشروحات التي عرضتها محافل الإدارة الأميركية لامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، تفيد بأنها تتركز على محاولة منع خطوات «إسرائيلية» تعتبر من شأنها أن تحبط تطبيق حلّ الدولتين. والمقصود أيضاً الخطوات المتعلقة بالبناء في المناطق التي توجد خارج الكتل الاستيطانية ومبادرات التشريع «الإسرائيلية» التي تعتبر تستهدف تغيير المكانة القانونية للمنطقة. وذلك، إلى جانب اقوال محافل رفيعة المستوى في حكومة «إسرائيل» عن نهاية عصر الدولتين.

ومع أن القرار يعبّر عن قدر ما من الأخلاق المزدوجة لدول العالم تجاه «إسرائيل»، يمكن الاعتقاد أن هذه الخطوات لحكومة «إسرائيل» هي التي أدّت إلى اتخاذ هذا القرار، وذلك إضافة إلى العلاقات المهزوزة بين حكومة «إسرائيل» والإدارة الأميركية.

في القرار تعليمات سبق أن ظهرت في قرارات سابقة لمجلس الأمن قرارات «446»، «452» و«465» عامي 1979 1980. بل أنه يذكر بالنصّ مشروع قرار عام 2011 بادر إليه الفلسطينيون في موضع المستوطنات، واستخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضدّه. ولاحقاً سنطرح تحليلاً قانونياً قصيراً لعدد من الجوانب المركزية في القرار ومعانيه من الزاوية القانونية:

يقول القرار أن لا للمستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك شرق القدس، أساس قانوني، وأنها تشكل انتهاكاً فظّاً للقانون الدولي وعائقاً خطيراً لتحقيق حلّ الدولتين وتسوية النزاع المادة 1 . كما تقرّر في مقدّمة القرار أن «إسرائيل» ملزمة كقوة احتلال باحترام تعليمات ميثاق جنيف الرابع. وإضافة إلى ذلك، يذكر القرار الفتوى الاستشارية للمحكمة الدولية في لاهاي في قضية جدار الفصل.

إن القول إن المستوطنات تشكل انتهاكاً فظّاً لميثاق جنيف، ظهر من قبل في قرار «465» عام 1980. وتضمّن هذا القرار هو أيضاً مطالبة بوقف النشاط الاستيطاني، لا بل تفكيك المستوطنات التي أقيمت. وبالمقابل، فإنّ هذه هي المرّة الأولى التي يتوجّه فيها مجلس الأمن إلى الفتوى الاستشارية، التي وجّهت انتقاداً شديداً إلى «إسرائيل» وقالت إن سياستها الاستيطانية تشكّل انتهاكاً للقانون الدولي الذي ينطبق عليها.

إن القول القانوني في القرار بشأن عدم قانونية المستوطنات لا يعني القضاء على كل حجة مضادة من جانب «إسرائيل» في هذا الشأن، وذلك لأن قرارات مجلس الأمن ليست في مكانة قانون دولي. ومع ذلك، فان مثل هذا القرار هو أحد المصادر التي تدرس عند تحديد القانون الدولي، وعليه فإن لهذا القول في القرار كفيلاً بأن يكون وزناً في إطار كلّ بحث قانوني في قضية قانونية المستوطنات.

هذا البحث ذو صلة بشكل خاص بالنسبة إلى الفحص الأوّلي الذي تجريه المدّعية العامة في محكمة الجنايات الدولية بهدف التحديد إذا كانت ستفتح تحقيقاً ضدّ «إسرائيل» على جرائم حرب ارتكبت في فلسطين ابتداءً من حزيران 2014. وذلك، استمراراً لانضمام فلسطين إلى المحكمة في بداية عام 2015. ويتناول الفحص ضمن أمور أخرى سياسة الاستيطان التي من شأنها أن تعتبر كجريمة حرب تتمثل بنقل سكان دولة الاحتلال إلى الارض المحتلة، بحسب مادة في ميثاق روما على أساسها أقيمت المحكمة. ومن شأن قرار مجلس الأمن أن يشكّل اعتباراً آخر لفتح تحقيق ضدّ الجهات المسؤولة عن سياسة الاستيطان، لا بل التأثير لاحقاً على القرار لرفع لوائح اتّهام ضدّهم. ومع ذلك، كما أسلفنا، ليس معنى الامر أنه لن يكون ممكناً عرض حجج قانونية في أن هذه ليست جريمة حرب.

إضافة إلى ذلك، من شأن القرار أن يشكّل أيضاً أساساً لمحاولة تحريك إجراءات جنائية في دول مختلفة تحت مبدأ «الصلاحيات الكونية»، الذي يسمح برفع لوائح اتهام على جرائم حرب حتى في ظل غياب صلة للدولة حيث يتم الاجراء. ومع ذلك، فإن تجربة الماضي تفيد بأن هذه المبادرات لا تؤدّي بشكل عام إلى إجراءات عملية تديرها سلطات الادّعاء الرسمية في الدول الأجنبية ضدّ محافل «إسرائيلية».

يقول القرار: على «إسرائيل» أن توقف فوراً وبشكل كامل كلّ نشاط استيطاني في المناطق في ظل احترام القانون المادة 2 . ولا يُجري القرار تمييزاً بين مستوطنات منعزلة في عمق الارض وبين كتل المستوطنات وشرق القدس، ولا حتى بين البناء على أراضي دولة والبناء على أرض خاصة. وعلى رغم ذلك، فإن حقيقة أن القرار يشدّد بشكل واضح على أن سياسة الاستيطان تحبط إمكانية تحقيق فكرة حلّ الدولتين تفيد بأنه سيكون عملياً فرقاً في الردّ المحتمل على انتهاك القرار كنتيجة لنشاط بناء في الكتل الاستيطانية مقابل البناء في عمق الارض او الاستيلاء على اراض خاصة لغرض اقامة مستوطنات. أقوال بموجبها تعتبر «إسرائيل» على أيّ حال كمنتهكة للقانون الدولي وبالتالي لا معنى لمثل هذه التمييزات هي أقوال مضللة. ومثلما في كل جهاز قضاء، ثمة فرق بين درجات مختلفة من الشدّة للافعال من ناحية الردّ الذي تستدعيه. وبالتالي، يمكن التقدير بأنه إذا كانت سياسة الاستيطان «الإسرائيلية» منضبطة أكثر، بشكل يزيل الخوف الدولي على إحباط حلّ الدولتين، سيتقلّص جدّاً الخطر في أن يؤدّي القرار إلى إجراءات عملية تضرّ بدولة «إسرائيل».

يشدّد القرار على أن مجلس الأمن لن يعترف بأيّ تغيير في خطوط 4 حزيران 1967، بما في ذلك القدس، إلا بموافقة الاطراف من خلال المفاوضات المادة 3 . هذه المادة لم تندرج في قرارات ومشاريع قرارات سابقة. هذه الصيغة أخطر من الصيغة التي توجد في قرار مجلس الأمن «242» عام 1967، والذي يشكّل الأساس المتفق عليه للتسوية الدائمة، والذي تحدّث عن «حدود آمنة ومعترف بها». وفضلاً عن ذلك، ففي مسودّات سابقة لمشاريع قرارات حاولت تحديد مبادئ لإنهاء النزاع مثل المشروع الاردني عام 2014 والمشروع الفرنسي عام 2015 جرى الحديث عن خطوط «1967» كخطوط مرجعية لترسيم الحدود، «مع تبادل الاراضي».

بحسب القرار «2334»، إن نقطة المنطلق هي خطوط «1967» ليس إلا. كل مطالبة بتحديد خط حدود آخر، بما في ذلك من خلال تبادل الاراضي ستطرح كمطالبة «إسرائيلية» تخرج عما ورد في القرار. ناهيك عن أن القرار يعترف بإمكانية الاتفاق بالمفاوضات على خطوط أخرى، ينبغي الافتراض بأنّ هذه المادة ستشكّل ورقة لدى الطرف الفلسطيني في المفاوضات. إضافة إلى ذلك، فإنّ صيغة المادة التي تشدّد على الاتفاق من خلال المفاوضات، كفيلة بأن تفسّر كمانعة للاعتراف بالحدود التي تقرّرت بخطوات أحادية الجانب، حتى في وضع تكون فيه «إسرائيل» مستعدّة لأن تنسحب من أجزاء واسعة من الأرض إلى الكتل الاستيطانية، وحتى إذا كان انعدام الامكانية لبلورة الاتفاق عبر المفاوضات يكمن في الرفض الفلسطيني.

يدعو القرار كلّ الدول إلى التمييز في سلوكها بين «أراضي دولة إسرائيل» وبين المناطق التي احتلت منذ 1967 المادة 5 . هذه التعليمات، التي لم تظهر في صيغ سابقة، من شأنها أن تؤدّي إلى تعاظم الإجراءات القائمة منذ اليوم، لمقاطعة منتجات المستوطنات وطرح مطالب على الأعمال التجارية للامتناع عن النشاط في المناطق بما في ذلك شرق القدس كشرط للتعاقدات معها. ومن شأن هذه التعليمات أن تشكّل أيضاً أساساً لمحاولات إدارة إجراءات مدنية في المحاكم في الدول المختلفة ضدّ جهات لا تحترم المطلب المذكور. من جهة أخرى يوجد في هذه التعليمات أيضا قول أن لا مكان لمقاطعة دولة «إسرائيل» كلها، بل المستوطنات فقط.

يقول القرار: ستُدرَس سبل عملية لضمان تطبيق القرار المادة 11 . هذه المادة تفتح ثغرة لقرارات أخرى وإجراءات تتّخذ من جانب جهات مختلفة في الأمم المتحدة وخارجها، بهدف ضمان تطبيق «إسرائيل» القرار. ولما كان القرار يقول إن الامين العام للأمم المتحدة سيرفع تقريراً للمجلس كلّ ثلاثة أشهر على تطبيق القرار المادة 12 ستنشأ آلية رقابة متواصلة، على أساسها قد تطرح ادّعاءات ومطالبات لاتخاذ إجراءات لوقف الانتهاكات للقرار.

إن قرار 2334 هو قرار ضمن الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة ولا يشمل عقوبات تفرض على «إسرائيل» على تطبيقه، ولكن انتهاكه يمكن أن يشكّل أساساً لقرار آخر، يتّخذ ضمن الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، والذي يشمل عقوبات كهذه. هذه الامكانية تبدو بعيدة في هذه المرحلة. ومع ذلك يجب عدم الاستخفاف بالأضرار التي قد يلحقها القرار بـ«إسرائيل» على المستوى الدولي وعلاقاتها مع الدول والهيئات، بما في ذلك في الساحتين القانونية والاقتصادية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى