«بن علي» العربي و«يلدريم» التركي!؟
نظام مارديني
ينتقل بسرعة الأتراك من الجغرافيا الاستراتيجية إلى الجغرافيا السياسية، بعد الجدل الصاخب الذي رافق تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الوقحة تجاه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بشأن الاحتلال التركي لمعسكر «بعشيقة»، والتي كان لها أثر عكسي على المصالح التركية في العراق. ولعل الانفلات الأمني داخل تركيا كان له الأثر الأكبر في دفع أردوغان للانسحاب من عنترياته ضد العراق، وجاء اتصاله بالعبادي وإرساله رئيس وزرائه بن علي يلدريم إلى بغداد أول تحوّلاته العراقية التي لن تكتمل إلا بانسحاب القوات التركية من كل «بعشيقة» وبعض مناطق الشمال السوري.
كيف بدت اللوحة التركية الداخلية دافعاً لزيارة «يلدريم» إلى بغداد وما رافقها من تصريحات إيجابية؟
الواضح أن هناك ثلاثة خطوط رسمت صورة مستقبل تركيا الذي لن يتم دون تغيير السياسة الخارجية، والتي بدورها لا تتلاءم مع الصورة التي كان يطمح إليها «يلدريم» التركي على حساب «بن علي» العربي. وهذه الخطوط هي:
أولاً، لم يسقط مشروع أنقرة حتى الآن في أن يكون لها موطأ قدم في شمال العراق وتحديداً في الموصل، رغم تصريح «يلدريم» التركي بالانسحاب من معسكر «بعشيقة»، ولكن من دون أن يحدد الفترة الزمنية لذلك، خصوصاً أن الاجتماعات التي عقدها «يلدريم» مع المسؤولين ببغداد لم تكن بمستوى الطموح العراقي.
ثانياً، إن تصريحاته ضد حزب العمال الكردستاني تأتي في سياق تبادل مصالح بين تركيا و«إقليم كردستان». ولعل من الضروري التأكيد هنا أن وجود «العمال الكردستاني» في سنجار، وهو شارك في تحريره من داعش، يقلق البرزاني وينغّص عليه مشروعه المشترك مع أنقرة في تلك المناطق.
ثالثاً، هل يراد بزيارة رئيس الوزراء التركي كسر حالة العزلة التركية تكتيكياً وتقديم «بن علي» العربي للعراق، و«يلدريم» الإقليمي لروسيا وإيران على حساب «يلدريم» التركي، وذلك قبل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لمقاليد السلطة في البيت الأبيض؟ وما يشير إلى أن اللوحة التركية الداخلية والخارجية بدت متشابكة الآن، لا سيما بعد تصاعد الأعمال الإرهابية في تركيا، ولعل هجوم اسطنبول الدموي الأخير جاء يختزل «الورطة» التي أوقع أردوغان بلاده فيها؟
هكذا ينتقل الأتراك بسرعة من الجغرافيا الاستراتيجية إلى الجغرافيا السياسية، فمعايير الأمن القومي، ومواجهة الإرهاب، تجاوزت الحدود السورية العراقية، وها هو المدى السياسي يُقحم آفاق الحدود إلى مبادرات جديدة قد تدفع إلى تعاون أمني لاحقاً. وهنا كان للدور الروسي الأثر الأول في هذا التحول التركي تكتيكياً بعدما دفعت أنقرة إلى افتعال الأعداء واختراع قضايا وهمية تتصل بالتاريخ والجغرافيا.. فهل نقل «يلدريم» تركيا من مصطلح «الأعداء» إلى مصطلح «الأعدقاء» مختصر الأعداء والأصدقاء ؟
الجواب سيختصره ترامب الأميركي مادامت لعبة البدايات والنهايات هي اللعبة الدائرية واللولبية في المنطقة، وما دامت عاصمتا الهلال السوري الخصيب، دمشق وبغداد، تعيشان خارج الوحدة، بالرغم من أنهما داخل التاريخ والجغرافيا الواحدة؟