إدارة أوباما: اعتراف بعد خراب البصرة
حميدي العبدالله
مدير الاستخبارات الأميركية «سي أي آي» جون برينان اعترف قبل عشرة أيام من انتهاء ولاية أوباما بأمرين على جانب كبير من الخطورة. الاعتراف الأول، تمثل بقول برينان: «إنّ إدارة الرئيس باراك أوباما أخطأت في تقييم انعكاسات أحداث الربيع العربي» مشيراً «إلى أنّ واشنطن أملت بشكل غير واقعي في أن تؤدّي تلك الأحداث إلى الإطاحة بأنظمة الاستبداد وازدهار الديمقراطية». الاعتراف الثاني، تمثل بتأكيد برينان «أنّ تزويد المعارضة السورية بالسلاح كان يمكن أن يؤدّي إلى عواقب أسوأ» مضيفاً «أنّ المعارضة في سورية تضمّ مزيجاً من العناصر العلمانية والمتطرفة».
بالنسبة للاعتراف الأول بات واضحاً أنّ الولايات المتحدة كانت داعمة «للربيع العربي» وكانت تراهن على أنّ الربيع العربي سيقود إلى نتيجتين تصبّان في مصلحتها، الأولى تجديد شباب الأنظمة الموالية للولايات المتحدة، ولا سيما النظامين المصري والتونسي، والنتيجة الثانية التخلص من الأنظمة التي لا ترتبط بالولايات المتحدة، ارتباط تبعية، ولهذا ساهمت بإسقاط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، على الرغم مما أسماه هو «الاستسلام الوقائي» أمام الولايات المتحدة. ولكن عندما تقدم الولايات المتحدة على تغيير أنظمة موالية لها مثل نظام مبارك في مصر ونظام زين العابدين بن علي في تونس، فمن البديهي أن تفكر بتغيير نظام القذافي رغم «استسلامه الوقائي»، وفي هذا السياق تأتي حرب الولايات المتحدة على سورية المستمرة منذ ست سنوات. ولكن «الربيع العربي» قاد إلى الفوضى وازدهار الإرهاب، ولم يقد إلى «سقوط الأنظمة الاستبدادية وازدهار الديمقراطية»، وبالتالي الولايات المتحدة هي المسؤول الرئيس عما آلت إليه الأوضاع في البلاد العربية.
بالنسبة للاعتراف الثاني، واضح أنّ برينان يجانب الحقيقة، فالولايات المتحدة زوّدت بشكل مباشر وعبر الأنظمة الحليفة لها المعارضة السورية بكلّ أنواع السلاح، وكان هدفها الرئيسي إسقاط «النظام» أيّ الدولة السورية، ولكنها فشلت في ذلك بفعل صمود الدولة والشعب السوري، وبفضل دعم حلفاء سورية لها ولا سيما المقاومة وإيران وروسيا، وليس لأنّ الولايات المتحدة لم ترسل السلاح إلى الجماعات المعارضة.
ربما يقصد برينان بالأسوأ، هو فيما لو تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر عبر غزو عسكري شبيه بغزو العراق، أو عمليات جوية شبيهة بالعمليات التي استهدفت الجيش الليبي. بديهي أنّ ذلك سيقود إلى غوص الولايات المتحدة برمال حرب أشدّ تأثيراً عليها من حروبها في العراق وأفغانستان نظراً لوقوف حلفاء سورية إلى جانبها، وهذا ما قصده بالأسوأ وليس تزويد المعارضة بالسلاح.
الاعتراف الأميركي جاء متأخراً، وينطبق عليه المثل الدارج «بعد خراب البصرة».