الإدارة الأميركية وتغيير السيناريو العسكري
عامر نعيم الياس
تغيير تدريجيّ في المهمة قبل أن تبدأ. هذه العبارة توصّف تصريحات وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي في مجلس الشيوخ الأميركي الثلاثاء الفائت. تناقض صارخ مع الموقف الرسمي للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أعلن استراتيجيته للحرب على ما يُسمّى «الدولة الإسلامية» فقط قبل خمسة أيام من تصريحات رئيس أركانه الذي طرح علناً احتمال فتح باب التدخّل العسكري البرّي الأميركي في العراق، وربما في مناطق أخرى، وفقاً لتكتيك «مرحلة بمرحلة». وقال حرفياً: «وجهة نظري اليوم، أنّ هذا التحالف هو الطريق الصحيح للمضيّ قدماً… لكن إذا لم تكن الحال كذلك، وإذا كانت هناك تهديدات ضدّ الولايات المتحدة، سأعود إلى الرئيس وأقدّم له توصية يمكن أن تشمل استخدام قوّات برّية». مشيراً إلى أنه في المعارك لاستعادة المدن الكبرى يمكن أن يُدفَع بالمستشارين العسكريين الأميركيين إلى القتال «في حالة كالموصل يجب أن يكون المستشارون العسكريون الأميركيون في المعركة».
وفي الجلسة ذاتها، أعلن وزير الدفاع تشاك هاغل أنّ «داعش» سيُستهدَف في سورية وهذا يشمل «مراكز القيادة والبنى التحتية والقدرات اللوجستية»، فما سرّ هذا النزوع إلى تطوير الاستراتيجية قبل أن تبدأ؟
الصراع القائم داخل أجنحة الإدارة الأميركية ليس بالأمر الخفيّ على أحد، كما أن تردّد أوباما القائم على تجربة كافة الخيارات واستنفادها إلى الحدود القصوى واختيار الأنسب له، هو الذي يفسح في المجال أمام الاعتماد على تقديرات موقف متعارضة في بعض الأحيان والرهان على عامل الوقت. وعليه، فإنّ تصريحات الجنرال ديمبسي يمكن أن تندرج في أحد سيناريواتها في سياق الخلاف بين العسكر والساسة في واشنطن حول الاستراتيجية الواجب اتّباعها في محاربة الإرهاب. وهنا تقول مراسلة صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية في واشنطن: «إن تصريحات ديمبسي تؤكد مدى الصعوبة التي يواجهها الأميركيون في التزام مقاربة النأي التي يعتمدها الرئيس باراك أوباما»، الأمر الذي يندرج في سياق الصراع الداخلي حول الخيارات الواجب اتّباعها للحرب في العراق وسورية بين أركان الإدارة الأميركية.
أما الاحتمال الآخر لتصريحات رئيس الأركان الأميركي فيمكن وضعه في سياق التمهيد الإعلامي كمرحلة أولى لمراحل حرب طويلة الأمد يمكن أن تصل إلى حدود العودة الأميركية إلى المستنقع العراقي. فجميع المهتمّين بالشأنين السياسي والعسكري يدركون أنّ الضربات الجويّة من دون تدخّل برّي فاعل على الأرض لا تؤتي بالنتيجة المطلوبة. فضلاً عن أنّ الأصوات المتسائلة عن بدائل أوباما على الأرض في سورية والعراق تتحجّج بعدم أهلية أيّ طرف لملء الفراغ الذي قد يخلقه انكفاء تنظيم «الدولة الإسلامية» عن بعض المناطق التي سيطر عليها، إضافةً إلى التخوّف من وقوع الأسلحة الأميركية في أيدي المتطرّفين كما حصل في الموصل العراقية، من دون إغفال العامل الإقليمي في المنطقة غير المستعدّ لأيّ مشاركة عسكرية رمزية لواشنطن في حربها الجديدة. عوامل يبدو أنها تصبّ جميعها باتجاه استعادة سيناريو المحافظين الجدد في المنطقة على رغم محاولات أوباما ترك مسافة تفصل استراتيجيته في حربه على الإرهاب «الداعشي»، عن استراتيجية سلفه الرئيس جورج دبليو بوش في حربه على «القاعدة».
وهنا تنقل صحيفة «لو فيغارو» عن الكولونيل بيتر منصور مساعد الجنرال ديفيد بترايوس قوله: «إنّ أيّ محلّل عسكريّ يعرف أنّه من غير الممكن هزيمة الدولة الإسلامية من دون عنصر أرضيّ فاعل… هذه القوة ليست بالضرورة أن تكون أميركية، يمكن أن تكون عراقية من العشائر السنّية، أو من الدول العربية، لكن بجميع الأحوال تتطلب التزام المستشارين العسكريين الأميركيين لمساعدة القوات البرّية وتأمين الارتباط مع القوات الجوّية».
إنه تغيير سيناريو عسكري لمعركة لم تبدأ بعد، ليس فيها من ثابت سوى التوافق بين أركان الإدارة الأميركية على ضرورة الحرب طويلة الأمد. «هذه الحملة لن تكون مثل تلك التي شنّت على صدام حسين عام 2003 إذ كانت تستهدف السيطرة السريعة على العدو، هذه الحملة ضدّ داعش ستكون شرسة وطويلة»، يختم الجنرال ديمبسي حديثه في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ الأميركي.
كاتب سوري