موسكو تساند الجيش السوري رغم الهدنة… وتمهّد لدور في ليبيا مع حفتر عون يختتم بقضية العسكريين في قطر… وقانصو لزيارته دمشق وطهران

كتب المحرّر السياسي

الحرب المثلثة التي تدور على جبهات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما والرئيس المنتخب دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مستمرة بجديد يحرص أوباما على ضخه في شرايينها كل يوم، حتى اليوم الأخير من ولايته، مقابل سخرية روسية وإصرار ترامب على مواصلة نهجه الذي رسمه في حملته الانتخابية بالتعاون مع روسيا في الحرب على الإرهاب، كما كانت مداخلة وزير الخارجية الجديد ريك ريتيلسون في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، ورفضه للاستفزاز بالدعوة لوصف الدور الروسي في سورية بجرائم حرب.

موسكو تنتظر تسلّم ترامب وفريقه مسؤولياتهم والتعرف عن قرب على السياسات التي سيعتمدونها، لتحدّد وجهة التعاون وعناوين الخلاف بطريقة علمية وواقعية، بعيداً عن الآمال الزائفة والمخاوف غير المشروعة، بينما تولي اهتمامها لجبهات القتال بوجه الإرهاب في حرب مثلثة من سورية إلى العراق وصولاً إلى ليبيا، فقد حسمت موسكو الرهانات على حقيقة تصرّفها بعد إعلان الهدنة في سورية برعاية روسية تركية، بالإعلان عن وقوفها وراء الجيش السوري في أي مواجهة يخوضها مع المسلحين رغم الهدنة، وبالتأكيد على الانتهاء من التحضيرات لحوار أستانة، بانتظار التفاهم الروسي التركي الإيراني على توجيه الدعوات للمشاركين من رعاة ومتحاورين، حيث المشاكل الكبرى في ضفة الدول الراعية للحرب، وفي ضفة المعارضة تنتظر الثلاثي الروسي التركي الإيراني.

تتابع موسكو مع حلفائها ما يجري في العراق بينما تتوجّه لتفعيل وتطوير دورها في ليبيا، كما تظهر التحركات والاتصالات الروسية بالجنرال خليفة حفتر، وصولاً لزيارة أسطولها لميناء طبرق وتنظيم جولة تفقدية لحفتر على متن حاملة الطائرات الأميرال كوزنتسوف، والإعلان عن نيات التعاون والتنسيق وتزويد الجيش الليبي بما يحتاجه في هذه الحرب على الإرهاب.

تنشغل أميركا بهمومها لأشهر بينما تكون روسيا قد راكمت الإنجازات، ويبدو الشرق الأوسط بقوة الإنجاز في سورية بعد حرب حلب، هذا العام كساحة عمل روسية، تتراجع خلالها أدوار الدول الإقليمية التي تنتظر الموقف الأميركي وتبلوره، بينما لبنان يستثمر اندفاعته التوافقية وموقعه الإيجابي وسط المتغيرات، بقوة شراكة حزب الله في الإنجاز السوري لتطبيع علاقاته الخليجية بدون التكتم على اعتبار مشاركة الحزب في سورية مسألة غير مطروحة للتفاوض، بلغة ناعمة لا تستفز، كما قال رئيس الجمهورية في إطلالاته الإعلامية مع زيارته للسعودية، عن ارتباط هذه المشاركة بمشاركات أخرى وبمعادلات دولية وإقليمية.

الوفد الرئاسي الذي أنهى زيارته إلى السعودية توجّه إلى قطر وقضية العسكريين المفقودين أولى القضايا. وقد ظهرت إعلامياً في تعليقات أمير قطر وإعلانه الاستعداد للمساعدة بينما زيارات الرئيس اللاحقة كانت موضوع سؤال في السعودية وخصوصاً إلى سورية وإيران وكان الجواب الرئاسي، أنّ العلاقات طبيعية والزيارات واردة، وبالنسبة لسورية، خصوصاً بضوء ضغط قضية النازحين السوريين والحاجة للتنسيق حولها بينما قال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو إنّ زيارة الرئيس لكلّ من دمشق وطهران قائمة وقريبة.

مكاشفة عون للسعوديين

قبل أن ينتقل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوفد الوزاري والإداري المرافق من الرياض الى الدوحة، أطلق عون جملة من الموقف والرسائل الموجّهة الى قيادة المملكة العربية السعودية وشعبها عبر منبر قناة «العربية»، كانت أشبه بمكاشفة علنية وإعلان نيات اللبنانيين الحسنة تجاه شعب المملكة وقيادتها وإزالة الشوائب والهواجس وإغلاق مرحلة التوتر والقطيعة التي عاشتها العلاقة بين البلدين على الصعد كافة خلال السنوات الماضية. في المقابل مهّدت الساحة الداخلية ووضعت الأسس والبوصلة لإحياء العلاقات وإعادتها الى سابق عهدها، فقد أكد عون بأنّ لبنان لم يقم بأيّ عمل يُضرّ بمصلحة عربية، خاصة المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أنّ السعودية هي أول دولة توجّه إليه الدعوة لزيارتها بعد انتخابه رئيساً. وطمأن العماد عون الى أنّ الدولة اللبنانية ليست مع أيّ سلاح يُستخدم في الداخل، مشيراً إلى أنّ وجود السلاح كان مرتبطاً بظروف دقيقة. كما أوضح أنه لا يوجد دور للمقاومة في الداخل اللبناني، لأنّ هذا الدور أصبح جزءاً من أزمة الشرق الأوسط التي يدخل فيها الأميركيون والروس والإيرانيون.

وفي ما يخصّ الوضع الداخلي اللبناني، أشار عون إلى أنّ «هناك بنوداً في اتفاق الطائف لم تنفذ وأنّ تنفيذ هذه البنود بالكامل، وعلى رأسها القانون الانتخابي ضروري لضمان قواعد العيش المشترك والتمثيل الصحيح لمختلف شرائح الشعب اللبناني».

وبينما تترقّب الساحة الداخلية النتائج السياسية والاقتصادية لزيارة عون الخليجية والتي توّجت أمس الأول بلقائه مع الملك سلمان بن عبد العزيز وأمس مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فإنّ البوادر الإيجابية لمحاولة الجانب اللبناني تطبيع وإصلاح العلاقة مع المملكة قد بدأت بالظهور تدريجياً من قرار القيادة السعودية رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من قائم بالأعمال الى سفير وما سيترتب عليه من تجديد للعلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وتطويرها عبر زيارات وتنسيق بين الوزراء اللبنانيين ونظرائهم السعوديين، أما الوعود بالإفراج عن هبات المليارات فتبقى مرهونة بالتنفيذ.

وقالت مصادر وزارية لـ«البناء» إنّ «زيارة عون كانت ناجحة بالمعايير كلها في الشكل والمضمون، وكلّ الكلام عن عدم جدواها غير منطقي، ويهدف الى التقليل من قيمتها»، وشدّدت على أنّ «النتائج الاقتصادية المرتقبة ستظهر في وقتٍ قريب وسنرى السياح والمستثمرين الخليجيين في لبنان والدعم للجيش والمؤسسات الأمنية وتطوير العلاقات التجارية ما يصبّ في خانة تنشيط الاقتصاد وتنمية القطاعات الإنتاجية، لا سيما السياحة.

وكان عون قد توجّه الى قطر والتقى أميرها الشيخ تميم الذي خاطب الرئيس عون بالقول: «خيار انتخابكم أفضل خيار، لأنكم ستقودون البلاد الى برّ الأمان»، ووعد بمواصلة الجهود في ملف العسكريين المخطوفين لدى «داعش» والمطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم والصحافي سمير كساب».

وأكد عون «أن الوضع في لبنان خطا خطوات مهمة نحو التقدم وتجاوز مرحلة الخطر بعد اتفاق جميع اللبنانيين على البحث في المسائل الأساسية بروح من الحوار والإيجابية».

.. وجلسة منتجة للحكومة

جولة عون الخليجية ونتائجها المرتقبة على لبنان، حضرت على طاولة مجلس الوزراء الذي انعقد أمس برئاسة الرئيس سعد الحريري في السراي الحكومي، بغياب الوزراء: مروان حمادة، علي حسن خليل، نهاد المشنوق، جبران باسيل، يعقوب الصراف، ملحم رياشي، رائد خوري وبيار رفول.

وأكد الحريري أنّ «زيارة السعودية وقطر خطوة مهمة على طريق تعميق العلاقات وإزالة الالتباسات وترميم ما ساد من تباينات خلال الفترة الماضية. وفخامة الرئيس أمين على هذه المسؤولية وسنكون الى جانبه في كل ما يخدم مصلحة لبنان ودوره المميّز بين أشقائه».

وإذ سادت الجلسة أجواء إيجابية وهادئة، كما وصفتها مصادر وزارية لـ«البناء»، أقرّت الحكومة معظم بنود جدول الأعمال باستثناء بعض المواضيع التي تحتاج الى توقيع وزير المالية كملف النفط، ما دفع الحريري لإرجائها حتى عودة الوزراء من السفر، وقرّر مجلس الوزراء وضع رؤية جديدة لمناقشة موضوع النازحين السوريين وتعديل اللجنة التي لها علاقة بالموضوع». ولم يُثِرْ وزراء الحزب الاشتراكي موضوع آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء لا سيما بند التعيينات بعد تعيين بديل عن مدير عام وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف من خارج جدول الأعمال». ولم يُطرح ملف المعاينة الميكانيكية بينما اللجنة التي شكلها المجلس برئاسة الحريري لم تنته من دراسة الملف، لكنّ مصدراً حكومياً مطلعاً أكد أن الاتجاه لإعادة النظر بمناقصة الميكانيك، وأن الملف لن يمر في المجلس، كما لفت الى أن الحكومة ستقر مراسيم الشق المالي من ملف النفط بعد عودة وزير المالية مع النظر في بعض الملاحظات والشوائب».

وقال وزير العمل محمد كبارة لـ«البناء» إنّ «الجلسة كانت إيجابية ومنتجة كما الجلسات السابقة وهي امتداد للتوافق السياسي الطاغي في البلد وجو التفاهم المسيطر على جلسات الحكومة. وأظهرت كل الأطراف في الجلسة نية للعمل والإنتاج وأنجزنا كل بنود جدول الأعمال وأبدى بعض الوزراء ملاحظاتهم على بعض الأمور». وأشار الى أن «مجلس الوزراء شكل لجنة لبدء معالجة ملف النازحين، الذي يحتاج الى دراسة وتصور جديد وإيجاد الحلول عن طريق الدولة ضمن خطة شاملة لا سيما أنّ النازحين السوريين يرتّبون أعباءً كبيرة على مرافق الدولة وبنيتها التحتية وخزينتها من الصحة الى التعليم والكهرباء والمياه والسكن وشتى الصعد. وقرّر المجلس أن يدار كلّ الملف ضمن لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، وليس كما كان يتم الأمر حيث كانت كل هيئة أو وزارة تصرف كما تشاء بشكلٍ منفرد، كما ستضع اللجنة تصوراً وخطة حكومية لمعالجة الأزمة وتعرضها على مجلس الوزراء».

وعن الحلّ المتوقع في ظل حديث رئيس الجمهورية عن وجود مناطق آمنة في سورية تجب إعادة النازحين إليها في أقرب وقت، أشار كبارة الى أنه لم يتم الدخول في تفاصيل الحل، ولم تحدد الوسيلة أو الطريقة، والملف بحاجة الى دراسة ونقاش وأرقام ومساعدة الأجهزة الأمنية».

وعن تنسيق الحكومة اللبنانية مع السلطات السورية لمعالجة أزمة النازحين وموقف رئيس الحكومة ووزراء المستقبل، أجاب كبارة: لم يتم الحديث في هذا الأمر الذي يقرره مجلس الوزراء بينما قالت مصادر وزارية أخرى لـ«البناء» إن الحل الذي تعمل عليه اللجنة سيكون مؤقتاً ريثما تجد الحكومة حلاً نهائياً سيرتكز على إعادة النازحين الى بلادهم والحؤول دون إبقائهم في لبنان وحينها بالتأكيد سيتم التواصل مع الحكومة السورية عبر أقنية متعددة أو حتى على مستوى بعض الوزراء»، موضحة أن اللجنة ستجري دراسة جدية لكل ما حصل منذ العام 2011 حتى الآن، محذرة من أن العجز في الميزان التجاري وصل الى 14 مليار دولار، جراء زيادة مصاريف الدولة على النازحين السوريين، وهذا يرتب ثقلاً كبيراً على المؤسسات اللبنانية التي عليها مضاعفة كل الخدمات لتكفي حاجات النازحين السوريين».

ووفق ما علمت «البناء» فإنّ الحكومة ستطلب من الدول المانحة التعامل مع الدولة اللبنانية من دولة الى دولة، كما يتم التعامل مع الأردن واليونان وإيطاليا وغيرها، وليس مع وزارات أو هيئات وستطلب وقف التعامل مع الـ»يو أن دي بي»، حيث طلبت أوروبا من لبنان تشغيل السوريين كشرط لتقديم المزيد من المساعدات المالية، بينما هم في الأصل يعملون في كل القطاعات لا سيما في قطاع البناء والزراعة».

وعقب «تغريدة» النائب وليد جنبلاط التي قال فيها: «أياً كان الثمن إبعاد مكب النفايات عن مطار بيروت كي لا تقع الكارثة، بالأمس شارفناها على لحظة»، أكد وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس بعد خلوة جمعته بالرئيس الحريري على هامش الجلسة أن «رئيس الحكومة اتخذ قراراً بزيادة عدد الآلات التي تصدر أصواتاً من أجل منع الطيور من الوصول الى مدرج مطار بيروت»، مشيراً الى «العمل من أجل إيجاد حلّ لهذه المشكلة لما لها من تأثير على حركة الملاحة».

بري: السيوف على «الستين» والقلوب معه

وفي حين تعقد هيئة مكتب مجلس النواب اليوم اجتماعاً في عين التينة برئاسة الرئيس نبيه بري للبحث في جدول أعمال الجلسة التشريعية المرتقبة، أكد الرئيس بري في لقاء الأربعاء النيابي أن «المجلس مقبل على ورشة عمل ناشطة ومكثفة في التشريع والرقابة وسنعقد جلسات محاسبة مكثفة للوزارات وجلسات تشريعية»، معلناً أنه «سيدعو الى جلسة تشريعية في غضون 10 أيام»، ومعتبراً «أن الوقت بدأ يداهم والمطلوب إنجاز قانون جديد للانتخابات سريعاً»، مكرراً القول «نخشى من الذين سيوفهم على قانون «الستين» وقلوبهم معه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى