الشهيد الحي الرفيق الياس دحدوح

كنت سمعت الأمين سهيل رستم يحدث كثيراُ عنه ويطري جبروته وعظيم إيمانه بالنهضة.

هو الشهيد الحي، كان يقول لي.

لم اتمكن من زيارته كما يفعل الكثيرون من رفقائنا في دمشق الذين كانوا يتردّدون الى منزله، يقعدون الى جانب السرير، يستمعون اليه في أحاديث قومية اجتماعية ويقتدون به صلابة وتحمّلاً اسطورياً لوضعه وقد بات مشلولاً طريح الفراش.

ومرت السنوات، فأقرأ للأمين احمد السيد 1 كلمة وفاء بفقدان الحزب للرفيق الياس دحدوح. فسعيت لأن أجمع معلومات عنه تجعلني أتمكن من اعداد نبذة تضيء على مسيرته، انما لم يصلني ما احتاج اليه، الى أن قرأت للرفيق اياد موصللي في كتابه «انطون سعاده ماذا فعلت» ما يضيء بشكل صادق على الرفيق دحدوح بحيث بات ممكناً أن أنشر ما يعرّف الرفقاء عن أحد رفقائهم القدوة في الإيمان، وفي مناقب تحمل الآلام والانتصار على الضعف الانساني.

من الأمين أحمد السيد:

« الرفيق الياس دحدوح، مناضل قدّم تضحيات جسام في سبيل النهضة السورية القومية الاجتماعية، وعمل على نشر مبادئ الحزب بين المواطنين وعُرف عنه شجاعته وصلابته في الدفاع عن الحزب ومبادئه. ولم يمنعه عمله مع والده ودراسته من ممارسة نشاطه الحزبي، فكان نشيطاً وفاعلاً، ولذلك عيّن مديراً لمديرية مدرسة «الآسية» 2 حيث يتابع دراسته والتي أصبح عدد الرفقاء فيها يزيد عن العشرين رفيقاً.

«تعرّض الرفيق الياس لاعتداءات كثيرة من خصوم الحزب، والتي استهدفت حياته، كما أدخل السجن، لكن كلّ هذه المحاولات لم تثنه عن النشاط، حيث انبرى بشجاعة وإقدام للدفاع عن الحزب، وتصدّى ورفقاؤه للأكاذيب والشائعات التي كانت تروّج حينذاك ضدّ القوميين والحزب.

«إضافة لمسؤوليات عديدة تحمّلها في نطاق منفذية دمشق، تولى مسؤولية في عمدة التدريب بقيادة العميد الشهيد غسان جديد وأثناء أدائه لمهماته النضالية في العام 1956 وأثناء إحدى المناورات التدريبية أصيب في العمود الفقري، ولم يحل العلاج دون رقوده على السرير لمدة طويلة استمرت أكثر من 40 عاماً.

«وبالرغم من إصابته البليغة استمرّ في المطالعة ونشر مبادئ الحزب وكان يحمّس الرفقاء على العمل الحزبي وعلى النضال في سبيل القضية والاستمرار في حمل لواء النهضة.

اطلق عليه لقب «الشهيد الحي» وصفاً لحالته ولمواقفه.

الرفيق الياس دحدوح ووالدته في منزلهما في الاشرفية

«عندما نذكر الشهيد الياس، لا بدّ أن نذكر المرحومة والدته مريم الشايب الملائكية التي كانت مثالاً للأم الرؤوم بإنسانية عظيمة، حيث دأبت على خدمته حتى آخر لحظة في حياتها، فقد ضربت بصفاء قلبها أعظم أمثلة الوفاء.

الرفيق الياس غادرنا منذ أشهر قليلة، وهو الذي آمن بعقيدة النهضة، وبأنها الطريق الوحيد لاسترداد كرامة الأمة وتحقيق وحدتها واستعادة ما اغتصب من أراضيها «.

من الرفيق اياد موصللي:

« أبرز وأهمّ ما يكتب عن القوميين في بطولاتهم وعطائهم وتضحياتهم هو ما يتعلق بالرفيق الياس دحدوح… البطولة المؤيدة بصحة العقيدة لا تنحصر في القتال والسجن وما يتبع البطولة المؤمنة هو فعل في الروح والجسد. هذا المفهوم للبطولة في المعنى والأداء في الرمز والفعل والعطاء جسّده الياس دحدوح بشكل اسطوري رائع مستمدّ من شدة إيمانه بالحزب عقيدة وزعيماً وبأنّ الدماء التي تجري في عروقنا هي وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها.

« أصيب الرفيق الياس بشلل استمرّ 47 عاماً ممدّداً عاجزاً عن كلّ حركة، وأداء هذا الإنسان معبّر عن عمق وغزارة ما يختزن من إيمان.

«عند بدء الملاحقات في سورية بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي انتقل الرفيق الياس مثل غيره من القوميين الى لبنان وانتظم في العمل الحزبي. كان الحزب يقيم سنوياً مخيماً تدريبياً في مزرعة بمنطقة بيت مري خراج قرية رأس المتن. في نيسان من العام 1956 ومجموعات كبيرة من القوميين متواجدة في المخيم… هذه المنطقة هي منطقة تحيطها الأحراش ويكثر فيها الصيادون حيث يكون هنالك موسم صيد «الترغل» والمطوق، وفجأة وفيما الجميع متواجدون سقط الرفيق الياس أرضاً مع صوت أنين وبقع الدماء تملأ جسده… نقل وبسرعة الى مشفى الجامعة الأميركية في رأس بيروت وأجريت له الإسعافات والصور فتبيّن وجود «خردق» في عموده الفقري وأنّ شللاً عاماً قد أصابه ولا أمل ولا رجاء في شفائه. وبعد مكوث قليل نقل الرفيق الياس الى مشفى الروم في الأشرفية بحضور كامل أسرته وأقربائه ورفقائه في الحزب…

«وبسبب تعذّر نقله في ذلك الظرف الى دمشق استأجرت العائلة بيتاً مفروشاً في محلة الأشرفية. استقرت والدته مريم الشايب الى جانبه تشرف على خدمته والعناية به دون أن تتوقف الزيارة الطبية والعلاجية الفيزيائية. خمسون عاماً والأم الى جانب ابنها وكذلك أخواته وأخوته. هذه المريم الأم بالجسد والروح تحمل اسم البتول طهارة وقدسية، انها راهبة دون دير وقديسة دون تطويب… أم جسّدت كلّ مفاهيم الأمومة في شخصها، أما الياس فكان شديد البأس مرفوع الرأس يتجمّع حوله يومياً الرفقاء انطون دحدوح، سهيل مسابكي، لؤي فتاحي، سليم غلام، اياد موصللي…

نبدأ معه صباحنا الى المساء وأحياناً يبيت بعضنا عنده. كان بيتي على بعد قليل من مقرّه، لا حديث في جلستنا غير الحزب وأخباره والعقيدة. نشرب، نتسامر بالشعور نحن المصابين وهو القوي الصحيح. عملاق ممدّد. روح متوثبة تنسيه عجز الحركة، فلسانه وعقله وإيمانه حلّ مكان العجز القسري قرابة ثماني سنوات.. هذا كان الحال الى أن انتقلوا الى عاليه قرب الملعب البلدي، ثم عادوا الى دمشق والياس هو هو لا يتبدّل ولا يتغيّر حتى يقضي الله مشيئته.

هوامش

1 -العدد السابع 1/2/2000 من نشرة «صوت النهضة»

2 – نأمل ممن يملك معلومات مفيدة عن «مديرية مدرسة الآسية» أن يكتب الى لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى