اختبار «إسرائيلي» «مبكر»… هل نجا ترامب؟
روزانا رمّال
أكثر ما يتعلق بأمن «إسرائيل» يبدأ مع أولى لحظات الإعلان عن هوية المرشح الأوفر حظا للرئاسة الأميركية والكشف عن طريقة تفكيره وقناعاته ومدى يقينه بالمسلمات «الإسرائيلية» والوجودية. وعلى هذا الاساس تخوض «الفكرة»، أيّ اعتبار «إسرائيل» جزءاً أساسياً من همّ الرئيس وأجندته في الشرق الأوسط واولوية معاركه الانتخابات الرئاسية كلاعب قادر على الإطاحة بالنتيجة كلها. هذا الواقع الذي يضع «إسرائيل» في خانة الناخب الأميركي قد يكون مقبولاً عند الشعب الأميركي في فترة من الفترات، وهو الذي تروَّض مع التعايش والشراكة مع تل أبيب، لكنه ولا يعتبره الدستوريون الأميركيون وأعضاء الكونغرس وأصحاب الحملات الانتخابية تدخلاً سافراً في الانتخابات الأميركية ونتائجها في وقت يعتبر أيّ تدخل أو تأثير روسي مفترض، او إذا «صح» بحالة فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب خرقاً للسيادة الأميركية وللأعراف القانونية. وهو ملف يرتقي لمرتبة الخيانة العظمى لمواثيق الديمقراطية المعترف بها أولاً ونسف لفكرة الدولة الاولى في العالم التي تحافظ على تأمين أعلى مستويات النزاهة في العملية الانتخابية. كلّ هذا يُضاف الى كون واشنطن أكثر مَن عمل على نشر الديمقراطيات في العالم العربي، منذ فترة احتلال العراق 2003 وصولاً الى «ثورة الأرز» 2005 في لبنان حتى «الربيع العربي» 2011.
تماماً كالتنافس على لقب «الرئيس» يخوض المرشحون الأميركيون حرباً في إيصال أكبر قدر ممكن من الطمأنينة الى قلوب «الإسرائيليين» المؤثرين في العملية الانتخابية محلياً، وهم ممن يصنعون الرأي العام ويؤثرون على خياراته، وغالباً ما يوجدون في مراكز قرار حساسة إضافة الى امتلاكهم وسائل إعلام كبرى يبلغ عددها اليوم «ستاً» فعالة، وهي مملوكة جميعاً من أميركيين صهيونيين، لعبت دوراً كبيراً في الانتخابات الأميركية للتأثير على النتيجة الأخيرة الى جانب هيلاري كلينتون ليفشلوا للمرة الاولى.
الخطورة الكامنة وراء فشل استطلاعات الرأي وتوقعات كبار المحللين الأميركيين وجهاز الاستخبارات، خصوصاً الذي لا يزال ينتقده ترامب عند كلّ فرصة، حتى بعد فوزه، رفع منسوب القلق لدى «إسرائيل» التي غالباً ما تستعدّ لاختبار الرؤساء الأميركيين بنسب ومواقيت مختلفة. فمسألة الولاء لها أمر لا تتهاون فيه تل أبيب ولا تزال الاتهامات تحيط بـ«إسرائيل» في محاولات اغتيال رؤساء أميركيين سابقين او التلويح بذلك.
الرئيس الأميركي «الأسمر» باراك أوباما كان أكثر الرؤساء استخداماً لمهارات أوحت أنه ستكون منهاجاً لسياساته المقرّر أن تكون أكثر إنسانية وأقلّ حدية كديمقراطي وأسمر خارج من خلفية معنَّفة في أميركا. تحسّبت «إسرائيل» لخطابات توجه فيها أوباما للشرق الأوسط قبل تسلمه السلطة، وكان يتجه نحو مكافحة الإرهاب كأولوية وقد وضع في أجندته ملف حلّ الدولتين في الأراضي المحتلة كأولوية في عهده. وهي النقطة التي حاول أوباما الإسراع في إحداث ثغرة فيها في آخر أيامه من دون جدوى بعد تأجيلها لآخر بنود العمل المقرر.
لا تبني «إسرائيل» خياراتها في التعامل مع الرئيس الأميركي من دون ضمانات أو اختبارات فعلية، وإذا كان على أيّ رئيس مهمة رسم سياسة جديدة مع «إسرائيل» وتغيير مواقفه، فإنّ الأمر قد لا يكون خياراً إذا حوّلته «إسرائيل» «أمراً واقعاً»، من أجل استشراف طريقة عمل الإدارة الجديدة.
اختبار الرئيس أوباما تجاه «إسرائيل» وقع في أخطر مرحلة، وهي نفسها المرحلة التي يعيشها العالم اليوم، وهي الوقت الضائع «ما بين تسلم الإدارة الجديدة ووداع الإدارة القديمة ايّ التسلّم والتسليم في البيت الأبيض». خاضت «إسرائيل» حرباً على غزة في 27 كانون الأول من عام 2008 واستمرّت حتى 18 كانون الثاني عام 2009، أيّ قبل يومين من تسلم باراك اوباما الرئاسة من سلفه جورج بوش.
لم يكن الرئيس أوباما يتحضّر لاستحقاق من هذا النوع الذي يضع «إسرائيل» في خانة اللاعب المنفرد على الساحة الدولية، فبدون مشاركة الادارة الأميركية القرار «علناً»، يعني أنّ المطلوب موقف واضح منها. وفي هذه الحالة فإن الموقف المطلوب هو من إدارة أوباما الجديدة في هذا الوقت.. أجاد اوباما تقديم الدعم الكامل لـ«إسرائيل» بين سلاح ودعم سياسي دولي وأجاد الضغط لإنهاء الحرب قبل تسلم ولايته ايضاً بيومين ليدخل عهداً طمأن فيه «إسرائيل» انه مساند لها في هذه القضية حتى آخر يوم من ولايته ضد الحركات المقاتلة كـ»حماس» و«الجهاد الإسلامي» وغيرهما.
الوقت الضائع الذي تعيشه الإدارة الأميركية اليوم كان ساحة جاهزة لخوض حرب من نوع آخر شنتها روسيا في حلب على الإرهاب قيل إنه تنسيق جدي بين موسكو وواشنطن وتوقيت ذكي ايضاً لا يحمّل أياً من الإدارتين «المسؤولية»، لكنه ومن جهة مقابلة أخذ نحو إمكانية اختبار «إسرائيل» للنيات الأميركية مجدداً. فـ»إسرائيل» التي قصفت صواريخ من منطقة طبريا الى العمق السوري تستفز في الوقت الدقيق نفسه الذي عاشه اوباما في غزة قبل أعوام مشكّلة قلقاً جدياً بعد فشل مجموعاتها الكبير في حلب الذي لم يكن سابقاً موجوداً عندما كانت تعتدي في سورية. قبل أيام دعا ترامب «إسرائيل» للصمود حتى يتسلم مهامه، وقال إنه لن يتركها أبداً. ربما نجح ترامب في ترويض «إسرائيل» فهل نجا من الاختبار الذي يتطلّب هذه المرة ضمانات لـ«إسرائيل» في الجولان وحدودها مع سورية؟
كلّ شيء وارد وأيام مصيرية متبقية حتى 20 الحالي.