تجاوزَ العبدُ حدودهُ

شبلي بدر

مذ وضعت الصهيونية العالمية مخططاتها الجهنمية للسيطرة على مكامن القوة في العالم، توسلت أقذر الوسائل للوصول الى تحقيق أهدافها، فحاكت المؤامرات ومهّدت لحربين عالميتين وما زالت بصماتها بادية في بعض التفاصيل،وصولاً الى اغتصاب فلسطين وإقامة «دولة» عرقية «دينية» تسرح وتمرح فيها كلاب الحراسة التي شاءها الغرب «فزّاعة» لأشد الناس كفراً في خليج لم ترسُ في مياهه يوماً بعثة ثقافية أو استكشافية معرفية إلا وكان اليهود ومنظماتهم الإرهابية وراءها وجواسيسهم ينظّمون سيرها ومهمامها.

ومذ بدأ زمن الانتصارات، بعد الفشل الذريع الذي منيت به «إسرائيل» في أكثر من موقعة على يد المقاومة، انتفض الغرب المتصهين دفاعاً عن ربيبته واستنسخ تجربته السابقة حين أنشأ تنظيم «القاعدة» الذي ساهم ربّما في انهيار الاتحاد السوفياتي السابق تحت عنوان «محاربة الإلحاد»، وأوصلته تلك التجارب السابقة الى ما هي عليه الحال اليوم مع التنظيمات التكفيرية، وفي مقدّمها ما يعرف بـ «داعش»، بعدما فشلت جميع الفصائل التكفيرية الأخرى التي لا تعد ولا تحصى في تحقيق ما رسم لها من مهمّات.

احتضنت أميركا والدول الأوروبية ذلك التنظيم عتاداً ومالاً وتسليحاً بالاشتراك مع أكثر من دولة إعرابية، «انتصاراً» للمذهبية الفاشلة التي يشتد سعيرها بين مذهب وآخر باسم «الدين»، وملأت ذبائح الإرهاب أسماع خدّام الأحرام فصمّوا آذانهم عن سماعها كأنها لم تكن، وذلك كلّه متوّج باسم «الله» والتكبير له.

توسّعت «دولة الخلافة» خلافاً لما هو مرسوم لها، وامتدّت أذرع الأخطبوط الى محميات تحظى برعاية أسيادها، كالذئب الذي يلغ في الدم ولا يرتوي أو يستكين إلاّ بقتله أو بوضعه داخل قفص حديدي لا يتجاوزه البتة، ما استدعى من أميركا والغرب أجمع وبمباركة الصهيونية العالمية إنشاء «تحالف دولي» ومن خارج الشرعية الدولية تحت شعار «محاربة الإرهاب» الذي بدأت طلائعه تدق أبواب محمياتها في الخليج. وللإيضاح:

أولاً: إن دول «التحالف الدولي» هي المسؤولة عما آلت إليه الأمور، فمنذ أن بدأت الحرب الكونية على الدولة السورية ومحور المقاومة، لم تنفك تلك الدول المتحالفة على حماية مصالحها فحسب تمدّ التكفيريين بالسلاح والمال والخبراء، مع الأخذ في الاعتبار استيقاظ أكثر من «باب عالٍ» في أكثر من دولة وإمارة لتقاسم مغانم الحرب، وقد فشلوا وخابت آمالهم ولن تتحقق على الإطلاق.

هذا «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب» يضم أكثر من دولة مسؤولة عن نشأة الإرهاب والإرهابيين، وعن الدماء التي سالت وما زالت على تراب هذا المشرق العربي الكبير الذي سيبقى شوكة في حلق أيّ تحالف خارج الشرعية الدولية. إنه تحالف ضد حريات الشعوب والأوطان التي تستميت في سبيل الدفاع عن استقلالها وكرامتها، غايته الحرص على دول هي من صناعته وإنتاجه، يقيم على أراضيها قواعد عسكرية ومخافر أمامية تتيح له سرقة ثروات الشعوب واستعبادها وإذلالها، باسم «محاربة الإرهاب». إنه استعمار بوجه جديد يدّعي محاربة إرهاب من صنعه وإنتاجه.

تارخ الصراع مع الإرهاب قديم قِدَمَ الصراع بين الخير والشر، وتاريخ التصدي لهذا الإرهاب والاستعمار قديم أيضاً منذ نشوء الأمم الحيّة ووعيها حقيقتها ووجودها والدفاع عن حريتها واستقلالها، وسيبقى قائماً حتى يصرع الخير الشر وينتصر على تنين الجهالة والعمالة والتخاذل والديكتاتوريات التي تعشش في أكثر من «مملكة» و»إمارة» انضمت إلى هذا التحالف المجرم الذي يلبس لبوس الحمل وتحته مخالب الذئب الكاسر الذي يتحفّز للانقضاض على فريسته عند أول فرصة سانحة.

في بلادنا أكثر من ميسلون، وأكثر من يوسف العظمة، على أهبة الاستعداد لوضع حد لهذه «التحالفات الدولية» القديمة الجديدة، وعلى تصميم أكثر وإرادة صلبة للسير فوق رفات المتحالفين المستعمرين الجدد، ولو تحلّقت حولهم ومشت في ركابهم جميع الأعراب والأغراب، وستكون بلاد الشام بعزم قيادييها ومقاوميها الأحرار مقبرة لهم ولمدعي محاربة الإرهاب، فهم وأسيادهم الإرهاب بعينه وجميع حواسه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى