الحق الذي أخذ بالسيف بالسيف يُستردّ
اياد موصللي
ما يجري في فلسطين اليوم وكلّ يوم من هدم للبيوت وبناء للمستوطنات وقتل وسجن هو الحقيقة الاسرائيلية وكلّ ما عداه من أحاديث عن مفاوضات للسلام هو خداع ونفاق.. فهم لا يؤمنون إلا بلغة العنف والقتل والتدمير لأنهم ينطلقون في سياستهم وتكفيرهم واعتقادهم الإيماني بأنّ الرب اختار صهيون، اشتهاها مسكناً له..» مزمور 132. واعتقادهم انهم يمثلون دونما ادنى ريب، أنقى عرق وأعرق أمة بين جميع الامم المتمدّنة، فهم يتعالون على البشر ويعتقدون بأنهم متفوّقون على جميع الأمم ويصف ناحوم غولدمان اليهود بأنهم: «شعب فريد في تاريخ البشرية..»
«لأنك شعب مقدس للربّ إلهك، اياك قد اختار الرب الهك لتكون أخلص من جميع الشعوب الذين على وجه الارض». كما جاء في سفر التثنية 20 .
انّ العدوانية والحقد والكراهية في نفوسهم ليست وليدة نزوة او حالة هستيرية يصابون بها في لحظة ما انها عقيدة إيمانية في نفوسهم مستمدّة من تعاليم دينية غذّت في نفوسهم كره الشعوب الأخرى كرهاً بلغ حدّ القتل دون رحمة للشيخ والمرأة والطفل… والصورة التي حملها بنو «إسرائيل» في نفوسهم عن يهوه، هي الصورة التي شكلوا خطوطها من أهدافهم، ومزجوا ألوانها من أطماعهم، وحدّدوها بإطار من الروح التي حملوها في صدورهم، أرادوا ليهوه ان يكون الهاً قاسياً مدمّراً، يملي على شعبه الخاص دروساً في الحقد والوحشية، ولذلك أنت تتمثله، في قراءتك لكتاب التوراة العهد القديم قائداً يخطب في إحدى محاضراته الحربية بروح عنصرية ساخطة ناقمة حاقدة على جميع الشعوب وكأنه قائد مقهور يروي غليله وحقده العنصري، يتمثل دماء أعدائه تسقي الجبال، ونتانة جيفهم تصعد في الهواء ويلجم أنياب الانتقام التي تنهش صدره برؤية سيفه المتخم بلحم أعدائه وسهامه السكرى بدمهم، يقول اشعيا «انّ للرب سخطاً على كلّ الأمم، ومحواً على كلّ جيشهم، قد حرّمهم. دفعهم للذبح فقتلاهم تطرح، وجيفهم تصعد نتانتها، وتسيل الجبال بدمائهم سفر اشعيا 34 . فهل هذه صفات رب البشرية الذي تؤكد الأديان انه رب الرحمة والغفران وانه سبحانه هو الرحيم على عباده؟
ونتمثل «رب الجنود يعرض جيش الحرب» سفر اشعيا فيرتاعون ويبهتون لانّ يوم الرب قادم قاسياً يسخط وهو غضب، ليجعل الأرض خراباً.. يزلزل السماوات وتتزعزع الأرض في سخط رب الجنود، وفي يوم حمو غضبه.. فيكونون كظبي طريد، وكغنم بلا راع.. يحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم، وتفضح نساؤهم سفر اشعيا 13 . وهذا ما فعلوا في غزة ويفعلونه في كلّ فلسطين.
«حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح فان اجابتك الى الصلح وفتحت لك فكلّ الشعب فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك» سفر التثنية 20:10 و11 .
وتتمثل الرب يأتي من بعيد، غضبه مشتعل، والحريق عظيم، شفتاه ممتلئتان سخطاً ولسانه كنار آكلة، ونفخه كنهر غامر يبلغ الى الرقبة» سفر اشعيا 30 .
يخطب في شعبه المختار فيقول: «أنا يهوه، وليس من اله معي، اسكر سهامي بدم، ويأكل سيفي لحماً بدم القتلى والسبايا، ومن رؤوس قواد العدو.. الرب ينتقم بدم عبده، ويرد نعمة على أعدائه ويصفح عن أرضه وعن شعبه سفر التثنية وتتمثله وهو يملي على أتباعه شريعته المفعمة بمشاعر العدوان، ونزعة التعطش الى شرب دماء الأمم.. فيقول بلسان النبي حزقيال: «لا تغفل اعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك» سفر حزقيال 9.
انّ أغلب المفكرين الصهيونيين، نشأوا على هذه العقيدة والتراث، وتبنّوا القيم التي تنطوي عليها، وعملوا على تطويعها لخدمة الأهداف الصهيونية خاصة الاستيلاء على فلسطين.. واجتذاب اليهود من بلدانهم الأصلية الى أرض فلسطين، لتكوين «مجتمع وشعب وأمة»!
اما التلمود، ذلك التراث الخفي او التعاليم والقوانين الباطنية، فيكفي في تعريفه ما قاله البروفسور اسرائيل شاحاك «انّ قوانين النازية أكثر اعتدالاً من أحكام قوانين التلمود: معاريف 8/4/1975 .
انّ الاحتجاجات والاعتراضات والتظاهرات التي لا زلنا نمارسها منذ عام 1926 لم تؤدّ ابداً الى ايّ موقف إيجابي.. فالاحتجاجات والتظاهرات لم تمنع وصول اليهود واحتلال البلاد وطرد العباد.. وتصريحات القادة لا تغيّر الواقع هدم البيوت وإقامة المستوطنات لا يوقفه تصريح أو احتجاج أو صراخ.. لا يفلّ الحديد إلا الحديد فماذا نفعنا الاحتجاج والإضرابات وقرارات دولية بمنع بناء المستوطنات. قرارات زادت غطرسة العدو وعنجهيته. «إسرائيل» تعرف ما تريد وكيف تحقق ما تريد، أما نحن فمنظمات وجمعيات متباعدة متناحرة وحكومات ممالئة متحالفة متآمرة ومن سار على طريق الإيمان بالأرض والحق تآمروا عليه وحاربوه. كلّ الولاءات هي للأنظمة والحكومات وما فلسطين إلا شعارات وهتافات ومؤتمرات وندوات يمارسونها لأنها أضعف الإيمان… وأقصر الطرق لتحقيق المصالح والغايات…
حتى انّ نتن ياهو قال: «انّ السلام لن يتحقق عبر المؤتمرات العبثية والإملاءات الخارجية إنما عبر المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. قال ذلك تحقيقاً لإيمانه بما جاء في سفر التثنية: «حين تقترب من مدينة لكي تحاربها ادعها للصلح فإذا إجابتك وفتحت لك فكلّ الشعب فيها يكون للتسخير ويعبد لك..»
فالمشروع الاسرائيلي مبني على الحق السماوي بأنهم شعب الله المختار وكلّ الشعوب الأخرى خلقت لخدمتهم، فمن أجل ذلك لن يقبلوا بشريك لهم على أرض وهبها الله لهم. وبدولة له ترفع علمها الخاص بها.
واذا ما كانوا يدّعون بما يسمّونه «الحق التاريخي» الذي يخوّل اليهود الاستيلاء على فلسطين والذي يستمدّ مقوّماته الجوهرية من الديانة اليهودية ذلك انّ مبرّر وجود «إسرائيل»، لا بل حقها في الوجود كما يدّعون يقوم في نهاية المطاف على الدين كما يقول إسرائيل شاحاك في كتابه عنصرية دولة «إسرائيل» 1975 او كما يقول الصحافي اليهودي اوري افنيري في كتابه اسرائيل من دون صهيونية الصادر في نيويورك 1968. «واذا ما كانت اسرائيل قد أسّست من اجل يهود العالم، واذا ما كانت غايتها لمّ شمل اليهود الذين تنظمهم ديانة مشتركة، فهل يمكن فصل فكرة الوطن اليهودي عن الدين اليهودي». والقبول بشركاء في هذا الوطن اليهودي.
لذلك فإنه في غياب التاريخ المشترك ووحدة الأرض واللغة والجنس والقومية التي تساعد على انصهار الجماعات في بوتقة واحدة وتكوين الأمة، فانه لم يتبقّ لليهود الا الدين. ولذلك فانّ العنصر اليهودي يشكل المادة البشرية لهذه الحركة والعنصرية في الذات اليهودية، وللأفراد الصهاينة والأحزاب الصهيونية عبر وسائل تغذية لتلك الذات اليهودية العامة. والذات اليهودية تنطوي على رؤية لنهاية العالم، تتخلص في اليهودية القديمة، بإعادة بناء هيكل سليمان، كي يقيموا عرشاً لداود يتبوأ عليه أمير من نسله في اورشليم، يقول «يهوه» اله بني اسرائيل كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتت، هكذا أفتقد غنمي وأخلصها من جميع الأماكن التي تتشتت إليها.. أخرجها من الشعوب وأجمعها من الأراضي وآتي بها الى أرضها.. وأرعاها على جبال إسرائيل وأقيم عليها راعياً واحداً، فيرعاها عبدي داود، وهو يكون لها راعياً، وأنا يهوه أكون لهم الهاً وعبدي داود رئيساً في وسطهم سفر حزقيال 34 . فكيف سيتركون المسجد الأقصى في مكانه حيث يقولون انّ هذا المكان هو مكان الهيكل..؟
ويهوه الرب اختار بنفسه صهيون لتكون مسكناً له، فهي ليست عاصمة داود السياسية فحسب، وانما هي العاصمة الدينية التي لا يمكن لإله ان يستقرّ، او يسكن، او يعبد، إلا فيها! الرب اختار صهيون اشتهاها مسكناً له مزمور 132 . والذات اليهودية مجبولة من اعتقادات خلاصتها انّ اليهود يمثلون دونما أدنى ريب، أنقى عرق وأعرق أمة بين جميع الأمم المتمدّنة. والذات اليهودية مبنية على فكرة تفوّق اليهود، وتعاليهم على البشر واليهود يشعرون بأنهم متفوّقون أخلاقياً على جميع الأمم، وهذا الشعور يجسّد ذاته في فكرة الشعب المختار «آحادها عام».
فما دام هذا هو إيمانهم ومعتقدهم فكيف سيفاوضون ويقبلون بشركاء لهم على أرض يدّعون أنّ الله خلقها لهم وحدهم.. وهم يرون في بقية المخلوقات عبيداً لهم ومنهم الفلسطينيون.. كيف يفاوضون ويشاركون هؤلاء «العبيد»…؟
سيدّمرون ويقتلون ويطردون ليستتبّ الأمر لهم بشكل نهائي وكامل.. القدس التي يريدون جعلها عاصمة لدولتهم ويعترف بها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، هل سيقبلون ان يكون للفلسطينيين وجود فيها؟
لذلك نقول ما جاء في القول الكريم: «لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بانفسهم..»
ونقول مع سعاده: «من تقاعس عن الجهاد مهما كان شأنه فقد أخر في سبر الجهاد…
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عو مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».